(الصفحة 110)
تتمّة في بيان معنى الاختصاص
والظاهر أنّ معناه هو عدم دخول وقت الشريكة ما لم يمض المقدار المعيّن، وحينئذ فنسبة صلاة العصر إلى الوقت الذي هو قبل المضيّ، كنسبة صلاة الظهر إلى ما قبل الزوال، فلا يصحّ إتيان العصر ما لم يمض ذلك المقدار، ولا يلزم منه عدم صحّة سائر الصلوات; سواء كانت مستحبّة أو واجبة، كقضاء الفرائض الفائتة في ذلك الوقت المختصّ بالظهر، وليس المراد بالاختصاص عدم صحّة وقوع صلاة العصر في ذلك الوقت، ولو كانت قضاءً لليوم السابق مثلا.
فما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره)في رسالة نجاة العباد(1) ممّا حاصله: أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً أداءً وقضاءً، عمداً وسهواً، مع عدم أداء صاحبة الوقت، ممّا لا وجه له; إذ ليس لنا في المقام لفظ الاختصاص، ولم يقع ذلك في حديث حتّى يفسّر بذلك; لوضوح أنّ مدرك المسألة إنّما هي رواية ابن فرقد; ومقتضاها ليس إلاّ ما ذكرنا; من أنّ دخول وقت العصر مشروط بمضيّ مقدار معلوم، وأنّ نسبة العصر إلى ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى قبل الزوال، ولازم ذلك بطلان العصر لو وقعت بتمامها قبل وقتها. نعم، قد عرفت أنّه لو وقعت لحظة منها في وقتها لكانت صحيحة، وليس للاختصاص المذكور في كلمات الأعلام معنى سوى ما ذكرنا، فتدبّر.
فرع
قد عرفت اختصاص العصر بمقدار أدائها من آخر الوقت، وحينئذ فلو ظنّ
(الصفحة 111)
ضيق الوقت فصلّى العصر، ثمّ انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى، ففي المسألة وجوه أربعة:
أحدها: وجوب إعادة العصر; لأنّ الوقت الذي صلّى فيه العصر كان مختصّاً بالظهر; فإتيانها فيه إتيان في غير الوقت. وبعبارة اُخرى: إنّ للظهر وقتين اختصاصيين: أحدهما: مقدار أدائها من أوّل الزوال، وثانيهما: مقدار أدائها قبل الوقت المختصّ بالعصر متّصلا به، وحينئذ فيتّضح بطلان العصر; لوقوعها في الوقت المختصّ بالظهر، مضافاً إلى عدم مراعاة الترتيب المعتبر في صحّة صلاة العصر. وحديث «لا تعاد»(1) وإن كان مقتضاه عدم وجوب الإعادة إلاّ من ناحية الخمسة المذكورة فيه، إلاّ أنّه من الواضح اختصاصه بصورة السهو والنسيان; والمفروض في المقام الإخلال به عمداً.
ثانيها: وجوب الإتيان بالظهر أداءً; لانصراف الأدلّة التي تدلّ على اختصاص آخر الوقت بالعصر إلى صورة عدم الإتيان بها، وأمّا إذا أتى بها قبلا فلا يستفاد منها الاختصاص; ولو سلّم الإطلاق ومنع الانصراف فنقول:
إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك أقوى من حيث الشمول لهذا الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها، وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص.
ثالثها: وجوب الإتيان بالظهر قضاءً; لخروج وقت الظهر حينئذ أخذاً بإطلاق الأدلّة التي تدلّ على اختصاص الآخر بالعصر، ومنع دعوى الانصراف إلى صورة عدم الإتيان بها، وحينئذ فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً، بل يجب فوراً بناءً على
- (1) الفقيه 1: 181، ح857; تهذيب الأحكام 2: 152، ح597; وعنهما وسائل الشيعة 4: 312، أبواب القبلة، ب9، ح1.
(الصفحة 112)
القول بالمضايقة في قضاء الفوائت.
رابعها: عدم وجوب إعادة العصر، وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا أداءً ولا قضاءً، واختار هذا الوجه صاحب الجواهر(1) مستنداً في ذلك إلى ما زعم من معنى الاختصاص; من أنّ المراد به عدم جوازالشريكة لا أداءً ولا قضاءً.
وفي المسألة وجه خامس منقول عن الشهيد(2); وهو القول بتعارض وقتي الصلاتين.
هذا، ويرد على الوجه الأوّل: أنّ ما ذكره بأنّ للظهر وقتين اختصاصيين، ممّا لم يدلّ عليه دليل; لأنّ العمدة في هذا الباب هي رواية ابن فرقد، وهي لا تدلّ إلاّ على اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال بالظهر فقط، بل يمكن أن يستفاد منها خلاف ذلك; لأنّ ظاهرها اشتراكهما في الوقت بعد مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت إلى أن يبقى إلى الغروب هذا المقدار. وأمّا ما ذكره من عدم جريان حديث «لا تعاد» في المقام فممنوع; لأنّه لم يقدّم العصر عمداً، بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه، ويأتي ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.
وأمّا الوجه الرابع: ففيه ما عرفت من أنّه ليس لنا في المقام لفظ الاختصاص، ولم يقع ذلك في رواية حتّى يفسّر بما ذكر، بل إنّما حدث هذا اللفظ، وشاع في ألسنة الفقهاء، وليس مرادهم بذلك إلاّ ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد; من عدم دخول وقت العصر قبل مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت، وخروج وقت الظهر إذا بقي من آخر الوقت مقدار أربع ركعات، ولازم ذلك أنّه إذا وقعت
- (1) جواهر الكلام 7: 158ـ160.
- (2) القواعد والفوائد 1: 87; الدروس الشرعيّة 1: 138.
(الصفحة 113)
الظهر قبل الغروب في ذلك الوقت، وقعت قضاءً، كما أنّ العصر لو وقعت بتمامها في الوقت الاختصاصي للظهر لوقعت قبل الوقت، كوقوع الظهر قبل الزوال، وليس معنى الاختصاص بطلان صلاة القضاء أيضاً في الوقت المختصّ، كما عرفت.
وأمّا الوجه الخامس: فهو يشبه قول العامّة; من أن كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضيقاً للآخر، كما إذا أتى بالظهر بعد المثل، أو بالعصر قبله، وعلى ذلك حملوا ما ورد من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير خوف ولا علّة(1). وحينئذ فيدور الأمر بين الوجه الثاني والثالث، فإن ثبت الانصراف فالأقوى هو الثاني، وإن لم يثبت، بل قلنا: إنّ اطلاق الأدلّة شامل لما إذا أتى بالعصر أيضاً، فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً، بل يتعيّن بناءً على المضايقة، وهذا الوجه لا يخلو من قوّة; لعدم ثبوت الانصراف وإن كان الأحوط الاتيان بالظهر بقصد ما في الذمّة من غير نيّة الأداء ولا القضاء، فتدبّر.
ثمّ إنّه ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه يجب الإتيان بالصلاتين معاً إذا بقي إلى الغروب مقدار إتيان خمس ركعات أو أزيد; فإنّ وقت الظهر حينئذ باق ولو بمقدار ركعة، فيشملها عموم قوله(صلى الله عليه وآله): من أدرك(2).
هذا، ومن عبّر في المسألة بلفظ الاختصاص وفسّره بعدم صحّة الشريكة، ذكر في وجه صحّة صلاة الظهر في مفروض المسألة، أنّ المراد بعدم صحّة الشريكة عدم صحّتها إذا وقعت بتمامها في الوقت المختصّ بالاُخرى، وأمّا إذا
- (1) المعجم الكبير للطبراني 12: 68، ح12558; وص92، ح12644، عن ابن عبّاس، وراجع ما تقدّم أيضاً في ص93.
- (2) ذكرى الشيعة 2: 352; وعنه وسائل الشيعة 4: 218، أبواب المواقيت، ب30، ح4 و 5.
(الصفحة 114)
وقعت ببعضها فيه فلا يكون ذلك منافياً للاختصاص. وأمّا نحن فلا نحتاج إلى هذا الكلام، بل نقول:
إنّه لو فرض في المقام وجود لفظ الاختصاص لوجب الأخذ بظاهره والحكم ببطلان الغير، خصوصاً بالنسبة إلى العصر في مفروض المسألة; فإنّها تشمل جميع الوقت المختصّ بالمغرب كما لا يخفى. وما ذكرناه في الظهرين يجري في العشاءين أيضاً; فإنّه إذا أدرك من آخر النصف الأوّل من الليل مقدار خمس ركعات يجب عليه تقديم المغرب وإن كانت الركعتان منها واقعة في خارج الوقت; لما عرفت من أنّ معنى الاختصاص ليس إلاّ خروج وقتها بذلك، لا عدم صحّتها في الوقت المختصّ بالعشاء أصلا، كما لا يخفى.
[ قاعدة من أدرك ]
وحيث انتهى الكلام في هذا المقام إلى ذكر قاعدة من أدرك، لا بأس للتعرّض لها سنداً ودلالة:
فنقول: هذه القاعدة ممّا اتّفقت عليه العامّة والخاصّة، ولم يظهر منهم مخالف إلاّ نادراً(1).
ورواها أصحاب الصّحاح في جوامعهم، فروى البخاري عن أبي هريرة، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر(2).
وروى أبو داود في سننه، عن ابن طاووس، عن ابن عباس، عن أبي هريرة
- (1) مفتاح الكرامة 3: 307ـ314; جواهر الكلام 3: 378ـ382; بداية المجتهد 1: 102ـ103، المسألة الثالثة.
- (2) صحيح البخاري 1: 163، ح579.