(الصفحة 429)
تنبيه
قد عرفت في صدر المسألة أنّ حرمة التختّم بالذهب للرجال ممّا اتّفق عليها المسلمون، وأخبار الفريقين تدلّ على ذلك، ولعلّه لذلك ـ أي لكونه مجمعاً عليه بحيث لم يخالف فيه أحد ـ لم يتعرّض له كثير من فقهاء الإماميّة في كتبهم، وقد عرفت أيضاً عدم اختصاص الحرمة بخصوص الخاتم، بل يعمّ لباس الذهب مطلقاً.
ولكن يقع الكلام هنا في أنّ حرمة التختّم بالذهب هل هي لكون الخاتم من أفراد الألبسة، فيحرم لبس الذهب ولو مع عدم التزيّن به، أو أنّ حرمته إنّما هي لتحقّق التزيّن به، فيعمّ التحريم للتزيّن بغير الخاتم ولو لم يكن لباساً؟ فيه وجهان.
والأخبار الواردة في هذا الباب ليس لها ظهور في خصوص أحد الوجهين، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ في رواية النميري المتقدّمة إشعاراً بالوجه الثاني، حيث قال فيها: «وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه» إلخ; فإنّ ذكر الزينة يشعر بأنّ المراد باللبس أيضاً ذلك، لكنّه مندفع ـ مضافاً إلى احتمال العكس ـ بما ورد في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد)(1) من أنّ المراد بالزينة هي اللباس(2).
وحينئذ، فإن قلنا بأنّ الحرمة راجعة إلى لبس الذهب، فاختيار الجواز وعدم المنع في الأسنان المشدودة بالذهب يكون على وفق القاعدة، من دون أن يحتاج في إثباته إلى دليل مخصّص لعموم التحريم، ولو قلنا بأنّ الحرمة متعلّقة بالتزيّن
- (1) سورة الأعراف 7: 31.
- (2) مجمع البيان 4: 229; وعنه وسائل الشيعة 4: 455، أبواب لباس المصلّي، ب54، ح5.
(الصفحة 430)
بالذهب ولو من غير لبس، فالخروج عن عموم الدليل يحتاج إلى مخصّص، وقد قام في ا لأسنان المشدودة بالذهب أو المشبّكة به; لدلالة بعض الأخبار عليه(1).
هذا، ويمكن أن يقال بترجيح الوجه الأوّل; لأنّ المأخوذ في الأخبار العامّة كالروايتين المتقدّمتين(2) هو اللبس لا ا لتزيّن. وحينئذ فيحمل الأخبار الكثيرة الواردة في حرمة التختّم بالذهب على أنّ ذلك لأجل كون الخاتم لباساً، لا لحصول التزيّن به.
فرع
الظاهر ثبوت التحريم مطلقاً وضعاً وتكليفاً فيما إذا كان مذهَّباً أو مموّهاً
بالذهب; لصدق لبس الذهب والصلاة فيه عرفاً، فالخاتم الذي باطنه من الحديد وظاهره من الذهب يكون محرّماً، وقد تقدّم ذلك من العلاّمة في التذكرة(3)، خلافاً لما يظهر من بعضهم.
تتمّة
قد ظهر لك أنّ حرمة لبس الذهب وكذا بطلان الصلاة فيه عند من يقول به إنّما هو بالنسبة إلى الرجال، وهكذا الحرير على ما هو المشهور بين الأصحاب(4)
- (1) الكافي 6: 482، ح3; مكارم الأخلاق 1: 213ـ214، ح634 و 635; وعنهما وسائل الشيعة 4: 416، أبواب لباس المصلّي، ب31، ح1ـ3.
- (2) وهما روايتا عمّار والنميري المتقدّمتان في ص427.
- (3) في ص424.
- (4) ذكرى الشيعة 3: 43; التنقيح الرائع 1: 180; كشف اللثام 3: 219; الحاشية على مدارك الأحكام 2: 362; مفتاح الكرامة 5: 514; جواهر الكلام 8: 197.
(الصفحة 431)
خلافاً للصدوق، حيث يظهر منه أنّه لا يختصّ بطلان الصلاة في الحرير بالرجال، بل يعمّ النساء استناداً إلى رواية(1) لابدّ من التصرّف فيها بالتأويل.
وحينئذ فيشكل الأمر في الخنثى المشكل بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة، في أنّه هل يحرم عليه لبس الذهب والحرير وكذا الصلاة فيهما، أم لا؟ ظاهر المحكي عن الشهيد في الألفية هو وجوب الاحتياط عليه(2)، وظاهر المصباح خلافه(3) وأنّه تجري البراءة في حقّه، والأقوى الأوّل; لأنّه عالم إجمالا بثبوت واحد من التكاليف المختصّة بالرجال أو النساء في حقّه.
وحينئذ فيعلم إجمالا أنّه إمّا يجب عليه الستر وضعاً وتكليفاً، وإمّا يحرم عليه الحرير والذهب مطلقاً، فيجب الاحتياط بحكم العقل; لأنّه من موارد العلم الاجمالي; إذ لا ينحصر مورده بما إذا كان الترديد من حيث المكلّف به، وكذا لا يختصّ بما إذا كان الحكم الخاصّ مردّداً بين شيئين أو أشياء، فالمقام نظير ما إذا علم إجمالا بغصبيّة هذا الماء، أو بنجاسة ذلك الماء الواقع في إناء آخر.
وتوهّم خروج أحد الطرفين فيما نحن فيه عن مورد الابتلاء، يدفعه أنّ مناط الخروج عن مورده هو قبح التكليف بالنسبة إليه، ومن الواضح: عدم تحقّقه في المقام أصلا.
هذا، مضافاً إلى ما عرفت من عدم جريان البراءة العقليّة في الشبهات الموضوعيّة مطلقاً، كما تقدّم(4) في حكم الصلاة في اللباس المشكوك، فراجع.
- (1) الفقيه 1: 171، ذ ح807.
- (2) الألفية: 41.
- (3) مصباح الفقيه 10: 319.
- (4) في ص360ـ366.
(الصفحة 432)
[ شرطيّة الإباحة في لباس المصلّي ]
الأمر الخامس: من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي ـ سواء كان ساتراً، أم لم يكن كذلك ـ أن يكون مملوكاً للمصلّي عيناً أو منفعة، أو كان مأذوناً من قبل المالك في التصرّف فيه، فالصلاة في الثوب المغصوب، وكذا في الثوب الذي يحرم على المصلّي التصرّف فيه; لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه، ولو لم يكن مغصوباً فاسدة.
ولا يخفى أنّ عباراتهم في مقام بيان هذا الأمر لا تشمل الصورة الثانية; لأنّهم ذكروا أنّه يعتبر في لباسه أن لا يكون مغصوباً(1)، ومن الواضح: أنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً ولو لم يكن متصرّفاً فيه، وأنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه حرام، ولو لم يكن غصباً لأجل عدم التسلّط عليه، ووجه الشمول الاشتراك في الدليل الدالّ على البطلان، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ هذه المسألة كالمسألة السابقة عليها لم تكن مذكورة في الجوامع المعدّة لنقل فتاوى الأئـمّة(عليهم السلام)، حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن صدور نصّ منهم(عليهم السلام)فيها، كما أنّ ظاهر الشيخ في الخلاف ـ حيث استدلّ لمذهبه بغير الإجماع والأخبار ـ ذلك أيضاً.
قال فيه: لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة ولا في الثوب المغصوب مع الاختيار، وأجاز الفقهاء بأجمعهم ذلك(2)، ولم يوجبوا إعادتها مع قولهم: إنّ ذلك
- (1) مسائل الناصريّات: 205; غنية النزوع: 66; المعتبر 2: 92; منتهى المطلب 4: 229; تذكرة الفقهاء 2: 476، مسألة 125; تحرير الأحكام 1: 196، الرقم 622; نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 378; ذكرى الشيعة 3: 48; جامع المقاصد 2: 87; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 546ـ547; كشف اللثام 3: 223; مستند الشيعة 4: 360; مفتاح الكرامة 5: 528ـ530; جواهر الكلام 8: 236.
- (2) المجموع 3: 165 و 182; المغني لابن قدامة 1: 625ـ626; المبسوط للسرخسي 1: 206.
(الصفحة 433)
منهيّ عنه ـ إلى أن قال: ـ دليلنا أنّ الصلاة تحتاج إلى نيّة بلا خلاف، ولا خلاف أنّ التصرّف في الدار المغصوبة والثوب المغصوب قبيح، ولا يصحّ نيّة القربة فيما هو قبيح، وأيضاً طريقة براءة الذمّة تقتضي وجوب إعادتها; لأنّ الصلاة في ذمّته واجبة بيقين، ولا يجوز أن يبرأها إلاّ بيقين، ولا دليل على براءتها إذا صلّى في الدار والثوب المغصوبين(1). انتهى.
وحاصل الاستدلال بالدليل الأوّل أنّ صحّة العبادة متوقّفة على صلاحيّتها للتقرّب بها مع قصده أيضاً، وإذا اتّحدت مع عنوان محرّم لا تكون صالحة لذلك، ولا يتمشّى قصده من الملتفت إلى حرمته; لأنّ الفعل الصادر عن المكلّف عصياناً للمولى وطغياناً عليه لا يعقل أن يكون مقرّباً له إليه.
وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بجواز اجتماع الأمر والنهي، أو نقول بامتناعه، ولذا اخترنا الجواز(2) مع الذهاب إلى بطلان العبادة فيما إذا اتّحدت مع عنوان محرّم، فمجرّد الحكم بالبطلان لا يكون كاشفاً عن القول بالامتناع، كما يظهر من جماعة من الاُصوليّين، حيث نسبوا القول بعدم الجواز إلى المشهور(3); لما رأوا من أنّهم يحكمون بالبطلان; لما عرفت من عدم الملازمة بينهما، فالأقوى في المقام هو البطلان وإن كان الحقّ في تلك المسألة الجواز.
هذا، ولكن ذلك ـ أي البطلان ـ إنّما هو فيما إذا كانت الحرمة منجّزة. وأمّا في غير ذلك من موارد عدم تنجّزها، كما إذا كان جاهلا بالموضوع أو الحكم، أو ناسياً، أو كان مقتضى الأصل خلافها، كما إذا كان مأذوناً من المالك
- (1) الخلاف 1: 509ـ510، مسألة 253.
- (2) نهاية الاُصول: 257ـ259.
- (3) كفاية الاُصول: 193.