(الصفحة 94)
الواردة في بعض الأخبار الاُخر(1).
ثمَّ إنّ القائل بعدم جواز التأخير عن أوّل الوقت، إمّا أن يريد بذلك الحرمة التكليفيّة وترتّب العصيان فقط، من دون أن يخرج وقت الصلاة بالتأخير ويصير قضاءً، وإمّا أن يريد الحرمة الوضعيّة الراجعة إلى خروج وقتها وصيرورتها قضاءً، ولا يخفى أنّ احتمال إرادتهم الوجه الثاني في غاية البعد، وعلى الأوّل فهو عصيان من دون ثبوت عقاب، كما التزم به ونطقت به الأخبار(2) وحينئذ فيرجع هذا القول إلى ما ذكرنا، كما لا يخفى. هذا ما يتعلّق بالاُولى من المسألتين.
وأمّا الثانية منهما، فنقول: المشهور اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت بالإتيان بالظهر، ومن آخر الوقت بالعصر(3)، خلافاً للصدوق(4)، حيث إنّه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال، وامتداده إلى الغروب، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما، فلو صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل، تبطل من جهة فقدانها للترتيب المعتبر فيها، لا من جهة وقوعها في غير وقتها، وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر في وقت الظهر نسياناً، فعلى قول المشهور يجب عليه الإعادة; لوقوعها في غير الوقت، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه
- (1) وسائل الشيعة 4: 118، أبواب المواقيت، ب3.
- (2) وسائل الشيعة 4: 123، أبواب المواقيت، ب3، ح16.
- (3) غاية المرام 1: 122; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 483ـ484; مفاتيح الشرائع 1: 87، مفتاح 97; كشف اللِّثام 3: 69 و 71; الحدائق الناضرة 6: 100; مفتاح الكرامة 5: 130 و 134; رياض المسائل 3: 33ـ34; جواهر الكلام 7: 129 و 140; مصباح الفقيه 9: 100.
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 6; وحاشية شرائع الإسلام، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 114; ونسبه إلى ابني بابويه الشهيد في الذكرى 2: 323; والمحقّق الكركي في جامع المقاصد 2: 24; وراجع الفقيه 1: 139، ح647; وص232، ذ ح1029; والمقنع: 91; والهداية: 129; ونسبة الخلاف إليه مشكل، على ما صرّح به الشيخ في كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1: 36 و 41.
(الصفحة 95)
الإعادة; لأنّ المفروض وقوعها في وقتها، والإخلال بالترتيب لا يضرّ; لأنّه شرط في حال الذكر فقط. هذا، والأقوى في المسألة ما اختاره المشهور.
ولا يخفى أنّ كلام الصدوق(رحمه الله) لا يأبى عن الحمل على ذلك; فإنّ مجرّد الفتوى على طبق أخبار الاشتراك لا ينافي القول بالاختصاص، ألا ترى أنّ السيّد المرتضى(1)(رحمه الله) ـ مع أنّه أسند إلى الأصحاب ما يدلّ عليه أخبار الاشتراك ـ ذهب إلى الاختصاص وشرع في بيانه. ولو سلّم التنافي فهو بدويّ يرتفع بملاحظة جميع الأخبار.
ومن هنا يظهر أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك، بل أفتوا بمضمونها، والسرّ في ذلك ما سيجيء من أنّ النظر فيها إنّما هو إلى ردّ المخالفين القائلين بتباين الوقتين، فهي بصدد بيان الاشتراك في الجملة، ولا منافاة بينها، وبين ما يدلّ على اختصاص مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت به. والأولى نقل أخبار المسألة، فنقول:
الأخبار الواردة في هذا الباب على قسمين: قسم ظاهر في الاشتراك، وقسم يدلّ على الاختصاص.
أمّا القسم الأوّل: فكثيرة.
منها: رواية زرارة المتقدّمة في المسألة الاُولى(2).
ومنها: روايتا عبيد بن زرارة المتقدّمتان فيها أيضاً(3).
ومنها: رواية ثالثة لعبيد بن زرارة; وهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا
- (1) مسائل الناصريّات: 189، مسألة 72.
- (2) في ص79.
- (3) في ص79 و 84.
(الصفحة 96)
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(1).
ومنها: رواية الصباح بن سيّابة، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(2).
ومنها: رواية سفيان بن السمط، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(3).
ومنها: رواية مالك الجهني قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن وقت الظهر؟ فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(4).
ومنها: رواية منصور بن يونس، عن العبد الصالح(عليه السلام)قال: سمعته يقول: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(5).
ومنها: رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا(عليه السلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل; فكتب(عليه السلام): كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب
- (1) الكافي 3: 276، ح5; تهذيب الأحكام 2: 27، ذ ح29; وعنهما وسائل الشيعة 4: 130، أبواب المواقيت، ب4، ح21.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 243، ح964; الاستبصار 1: 245، ح874; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح8.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 244، ح965; الاستبصار 1: 246، ح875; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح9.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 244، ح967; الاستبصار 1: 246، ح877; وعنهما وسائل الشيعة 4: 128، أبواب المواقيت، ب4، ح11.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 244، ح966; الاستبصار 1: 246، ح876; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح10.
(الصفحة 97)
ضيّق، الحديث(1).
ومنها: غير ذلك ممّا هو ظاهر في الاشتراك.
وأمّا القسم الثاني: فروايتان:
إحداهما: رواية داود بن أبي يزيد المتقدّمة، وهي وإن كانت مرسلة بإبهام الواسطة، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بحجّيتها بعد انجبارها بعمل الأصحاب.
ثانيتهما: رواية الحلبي المتقدّمة أيضاً.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا مجال للإشكال في أخبار الاشتراك والاعتراض عليها من حيث السند; فإنّها مع كثرتها لا يمكن إنكار صدورها، مضافاً إلى ذلك أنّك عرفت أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك أيضاً.
ولا بأس بنقل عبارة السيّد في هذا المقام الدالّة على صدور أخبار الاشتراك أيضاً، قال في الناصريّات: والذي نذهب إليه أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف، ثمّ يختصّ أصحابنا بأنّهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معاً، إلاّ أنّ الظهر قبل العصر.
وتحقيق هذا الموضوع: أنّه إذا زالت فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدَّى أربع ركعات، فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان(2). انتهى موضع الحاجة.
وصرّح المحقّق أيضاً بصدور أخبار الاشتراك عنهم(عليهم السلام)، حيث قال في المعتبر ما لفظه: واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين»، وزعم أنّ الحذّاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ،
- (1) الكافي 3: 281، ح16; تهذيب الأحكام 2: 260، ح1037; الاستبصار 1: 270، ح976; وعنها وسائل الشيعة 4: 130، أبواب المواقيت، ب4، ح20; و ص186، ب17، ح14.
- (2) مسائل الناصريّات: 189، مسألة 72.
(الصفحة 98)
من حيث إنّ الظهر يختصّ بمقدار أربع ركعات; فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر; لأنّه ما درى أنّه نصّ من الأئـمّة(عليهم السلام)، أو درى وأقدم.
وقد رواه زرارة، وعبيد، والصباح بن سيّابة، ومالك الجهني، ويونس من العبد الصالح، عن أبي عبدالله(عليه السلام)ومع تحقّق كلامهم يجب الإعشاء بالتأويل لا الإقدام بالطعن(1). انتهى موضع الحاجة.
وبالجملة: فالإشكال في صدور أخبار الاشتراك ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه، فالواجب الجمع بينها، وبين ما يدلّ على الاختصاص بالجمع الدلالي، ولكن يمكن أن يقال بأنّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدلالة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك المطلق، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدويّ يرفع اليد عنه بسببها; لأنّ قوله(عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلاّ أنّ هذه قبل هذه» إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع، لا وقت كلّ واحد منهما، ولو سلّم ظهوره في ذلك فالاستثناء الذي هو ظاهر كلمة «إلاّ» يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر; لأنّ الظاهر أنّ المراد بالقبليّة، القبليّة بحسب الوقت; لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان، بعد كونه ضروريّاً عند المسلمين جميعاً.
وحينئذ فقوله(عليه السلام): «إلاّ أنّ هذه قبل هذه» لم يكن مسوقاً لبيان اعتبار الترتيب، بل المقصود به أنّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر، فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر.
وإن شئت قلت: إنّ رواية ابن فرقد بمنزلة الاستثناء لهذه الروايات، فيصير مفاد