(الصفحة 516)
أن يكون على ما يؤكل ويلبس; لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا، الذين اغترّوا بغرورها، الحديث(1).
ومنها: رواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: السجود على ماأنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس(2).
ومنها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش(3)، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان(4).
ومنها: غير ذلك ممّا جمعه في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب ما يسجد عليه، فراجع.
وبالجملة: فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه. نعم، لابدّ من التكلّم في بعض الفروع في ضمن اُمور:
الأوّل: أنّه يجوز السجود على كلّ ما يصدق عليه عنوان الأرض; سواء كان تراباً، أو حجراً، أو غيرهما، ولا فرق في التراب بين أن يكون تراباً خالصاً، أو تراباً معدنيّاً مشتملا على ذرّات الذهب، أو الفضّة، أو غيرهما من المعدنيّات; لعدم خروجه عن صدق التراب، وإن خرج بعض أجزائه
- (1) الفقيه 1: 177، ح840; علل الشرائع: 341، ب42، ح1; تهذيب الأحكام 2: 234، ح925; وعنها وسائل الشيعة 5: 343، أبواب ما يسجد عليه، ب1، ح1.
- (2) الفقيه 1: 174، ح826; علل الشرائع: 341، ب42، ح3; تهذيب الأحكام 2: 234، ح924; وص313، ح1274; وعنها وسائل الشيعة 5: 344، أبواب ما يسجد عليه، ب1، ح2.
- (3) من أعاظم المحدّثين من العامّة، وكان معاصراً للصادق(عليه السلام)، واتّفق وفاته في عام وفاته(عليه السلام) (منه).
- (4) الخصال: 604، قطعة من ح9; وعنه وسائل الشيعة 5: 344، أبواب ما يسجد عليه، ب1، ح3.
(الصفحة 517)
عن صدقه بعد التصفية والتجزئة.
كما أنّه لا فرق في الحجر بين أنواعه، فيجوز السجود على حجر الجصّ، وكذا حجر النورة فيما إذا لم يكونا مطبوخين. وأمّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض، مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ. وأمّا استصحاب الأرضيّة، فيمكن أن يخدش في جريانه بعدم كون الشك في بقاء أمر خارجيّ، بل الشك في مفهوم لفظ الأرض، فتأمّل.
ويدلّ على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أباالحسن(عليه السلام)عن الجصّ توقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب(عليه السلام) إليّ بخطّه: إنّ الماء والنار قد طهّراه(1).
فإنّ ظاهره أنّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه إنّما هو من حيث كونه نجساً، وأمّا مع فرض الطهارة، فظاهر الجواب والسؤال كون الجواز مفروغاً عنه حينئذ.
هذا، وأمّا الزجاج، فلا يجوز السجود عليه; لعدم صدق الأرض عليه، مضافاً إلى صحيحة محمّد بن الحسين قال: إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي(عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج؟ قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال: فكتب إليّ: لا تصلِّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، ولكنّه من الملح والرمل
- (1) الكافي 3: 330، ح3; الفقيه 1: 175، ح829; تهذيب الأحكام 2: 235، ح928; وعنها وسائل الشيعة 5: 358، أبواب ما يسجد عليه، ب10، ح1.
(الصفحة 518)
وهما ممسوخان(1).
والمراد من قوله(عليه السلام): «وهما ممسوخان» أنّ الرمل والملح في حال صيرورتهما زجاجاً غير باقيين على حقيقتهما، وليس المراد أنّهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضيّة، وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحيّة، إلاّ أنّ الرمل لا يكون ممسوخاً أصلا.
الثاني: يجوز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض إلاّ المأكول والملبوس، والمراد بنبات الأرض كما هو المتبادر منه بنظر العرف، هو ما ينبت من الأرض وله حياة نباتيّ، الذي يكون مرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض، والاستفادة منها لإبقاء الحياة; وإن زال عنه الروح النباتي فعلا لأجل اليبوسة أو الانفصال من الأرض.
وليس المراد هو ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه. معلّلا بأنّه من نبات الأرض(2)، ولكنّها معرض عنها(3)، مضافاً إلى معارضتها بما يدلّ على المنع(4).
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل كان مفروغاً عنه عندهم ظاهراً، أنّه لا يجوز السجود
- (1) الكافي 3: 332، ح14، وفيه: أن أسأله عنه; تهذيب الأحكام 2: 304، ح1231; وعنهما وسائل الشيعة 5: 360، أبواب ما يسجد عليه، ب12، ح1.
- (2) الفقيه 1: 292، ح1325; وعنه وسائل الشيعة 5: 355، أبواب ما يسجد عليه، ب6، ح8.
- (3) مفتاح الكرامة 6: 347ـ348; جواهر الكلام 8: 690ـ691.
- (4) الكافي 3: 331، ح6; تهذيب الأحكام 2: 304، ح1228; وعنهما وسائل الشيعة 5: 353ـ354، أبواب ما يسجد عليه، ب6، ح1 و 3.
(الصفحة 519)
على الرماد ولا على الفحم(1)، ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض، ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه، وزوال الحياة النباتيّة عنه. نعم، يفترق معه في كونه مطبوخاً، وقد عرفت أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها، فكذا المطبوخ من النبات.
وأمّا الرماد، فهو وإن خرج عن صدق النبات; لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً، فالجواز إنّما هو من هذه الجهة، لا من جهة كونه نباتاً، ولكنّ الظاهر ما ذكروه من عدم الجواز، كما أنّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك.
الثالث: لا يجوز السجود على المأكول والملبوس، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا، كالخبز والقميص، بل يعمّ ذلك، وما يكون صالحاً للأكل واللّبس ولو بعلاج، كالحنطة والشعير والقطن والكتّان; لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات، وإن توقّف أكل الأوّلين نوعاً على الطحن، ثمّ الطبخ، ولبس الأخيرين على النسج ثمّ الخياطة.
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال; أي أحوال الناس، ولا إشكال حينئذ في عدم جواز السجود عليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض، أو في بعض حالاته دون بعض، أو في بعض الأحوال دون بعض. وعلى الأوّل: فقد تكون العلّة في عدم
- (1) المبسوط 1: 89; السرائر 1: 268; المعتبر 2: 120; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 593; كشف اللثام 3: 344; مستند الشيعة 5: 252; جواهر الكلام 8: 689ـ690.
هذا، ولكن لم نعثر على من ادّعى الشهرة هنا عاجلاً، وهذا كلّه في الرماد. وأمّا الفحم، فلم يتعرّض له أكثر الفقهاء، بل في كشف اللثام: وفي الفحم تردّد، وفي المستند: يجوز السجود عليه، وفي الجواهر: قد يقوى الجواز فيه.
(الصفحة 520)
كونه مأكولا في بعض البلاد هي فقده وإعوازه فيه، بحيث لو وجد فيه لكان مأكولا فيه أيضاً، فلا إشكال حينئذ في عدم الجواز، وقد لا تكون العلّة ذلك، فيشكل الحكم بعدم الجواز.
وفي الفرض الثاني: يمكن أن يقال بعدم خروجه عن صدق عنوان المأكول بذلك، فلا يجوز السجود عليه، وأولى منه القسم الثالث كالأدوية; فإنّ الظاهر عند العرف كونها مأكولة، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه قد يقال بجواز السجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب وإن كانا ملبوسين; لعدم كونهما من الملابس المتعارفة(1)، ولكن يمكن أن يقال بعدم الجواز في حالة كونهما ملبوسين.
نعم، لا بأس بجواز السجود على الخشب وإن كان صالحاً لأن يصنع منه القراب، كما أنّه يجوز على ما أعدّ منه له، للفرق بينه وبين القطن والكتّان اللذين لا يجوز السجود عليهما ولو قبل النسج والخياطة عند العرف; فإنّه لا يطلق على الخشب أنّه ملبوس وإن كان معدّاً للقراب، بخلافهما.
الرابع: في جواز السجود على القطن والكتّان خلاف(2)، وقد ورد فيه صنفان من الروايات، فطائفة منها تدلّ على الجواز، والاُخرى تدلّ على المنع.
أمّا الطائفة الاُولى: فمنها: ما رواه داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث(عليه السلام): هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة؟
- (1) جواهر الكلام 8: 700; العروة الوثقى 1: 423، مسألة 1368.
- (2) في جوابات المسائل الموصليّات الثانية (رسائل الشريف المرتضى) 1: 174; الكراهة وفي الخلاف 1: 357، مسألة 112; والمعتبر 2: 118; وتذكرة الفقهاء 2: 436ـ437; ومختلف الشيعة 2: 115ـ116; والحدائق الناضرة 7: 249; ومستند الشيعة 5: 253; وجواهر الكلام 8: 701; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني للآملي(قدس سره)1: 361ـ362 وغيرها: المنع.