(الصفحة 544)
وأمّا من الحيثيّة الثانية: فمقتضى بعض الأخبار جواز التكلّم في الإقامة أو مطلقاً; أي ولو بعدها، كرواية محمّد الحلبي المتقدّمة.
ورواية الحسن بن شهاب قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة، وبعدما يقيم إن شاء(1).
ورواية حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الرجل يتكلّم بعدما يقيم الصلاة؟ قال: نعم(2).
ومقتضى بعضها الآخر عدم جواز ذلك; كرواية محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة; فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة(3).
ورواية عمرو بن أبي نصر المتقدّمة، الدالّة على ثبوت البأس فيما لو تكلّم في الإقامة.
ورواية أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): يا أبا هارون، الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤمّ بيدك(4).
هذا، ومقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الثانية منهما على الكراهة، مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الحكم بالكراهة; فإنّ المقيم كأنّه
- (1) تهذيب الأحكام 2: 55، ح188; مستطرفات السرائر: 94، ح5; الاستبصار 1: 301، ح1115; وعنها وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح10.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 54، ح187; الاستبصار 1: 301، ح1114; وعنهما وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح9.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 55، ح191; الاستبصار 1: 301، ح1112; وعنهما وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح3.
- (4) الكافي 3: 305، ح20; تهذيب الأحكام 2: 54، ح185; وعنهما وسائل الشيعة 5: 396، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح12.
(الصفحة 545)
قد ورد في الصلاة ليس بخارج منها، كما أنّه ليس بداخل فيها واقعاً، فينبغي له ترك التكلّم المانع بوجوده عن صحّة الصلاة.
وأمّا من الحيثيّة الثالثة: فمقتضى أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب حرمة الكلام على أهل المسجد إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة إلاّ في بعض الموارد:
منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام(1).
ومنها: رواية سماعة قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): إذا أقام المؤذّن الصلاة فقدحرم الكلام، إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام(2).
ومنها: رواية ابن أبي عمير قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: نعم، فإذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان(3).
هذا، ومقتضى رواية عبيد بن زرارة جواز ذلك، حيث قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام)قلت: أيتكلّم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال: لا بأس(4).
والجمع يقتضي حمل الروايات المتقدّمة ـ الظاهرة في الحرمة ـ
على الكراهة، مضافاً إلى ما عرفت من أنّه قضيّة مناسبة الحكم والموضوع.
- (1) الفقيه 1: 185، ح879; وعنه وسائل الشيعة 5: 393، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 55، ح190; الاستبصار 1: 302، ح1117; وعنهما وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح5.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 55، ح189; الاستبصار 1: 301، ح1116; وعنهما وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح7.
- (4) مستطرفات السرائر: 94، ح4; وعنه وسائل الشيعة 5: 396، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح13.
(الصفحة 546)
ثمّ إنّه يحتمل أن لا يكون للاستثناء الواقع في أكثر هذه الأخبار له خصوصيّة، بل كان الملاك رعاية مصالح الجماعة وما تتقوّم به، فالكلام لغير تعيين الإمام، بل لتنبيه الجاهل بأحكام الجماعة مثلا، أو لتسوية الصفوف خارج عن الحرمة، كما احتمله العلاّمة(قدس سره)، بل جزم به في المنتهى(1).
ثمّ لا يخفى أنّه تطلق الإقامة كثيراً ما على قول «قد قامت الصلاة»، كما يظهر بمراجعة الأخبار، وحينئذ فلا تعارض بين نفس الروايات المتقدّمة الدالّة على حرمة الكلام، كما هو واضح.
ثمّ إنّ إطلاق الأذان على الأعمّ منه ومن الإقامة شائع جدّاً، كما يظهر لمن تتبّع في الأخبار، وممّا اُطلق فيه الأذان على الأعمّ روايتا سماعة وابن أبي عمير المتقدّمتان.
ثانيها: عدم مغايرة المؤذّن للمقيم، ومقتضى الأخبار جوازها، وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب الأذان والإقامة، فراجع.
ثالثها: البلوغ، ومقتضى الأخبار أيضاً عدم اعتباره:
منها: رواية ابن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال: لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم(2).
ومنها: غير ذلك ممّا جمعه صاحب الوسائل في الباب الثاني والثلاثين، فراجع.
ولا يخفى أنّ مقتضى صحّة أذان غير البالغ كون عباداته شرعيّة كما هو الحقّ،
- (1) منتهى المطلب 4: 394.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 280، ح1112; وعنه وسائل الشيعة 5: 440، أبواب الأذان والإقامة، ب32، ح1، وسائر أحاديث الباب.
(الصفحة 547)
وتدلّ عليه جملة من الأخبار(1).
رابعها: القيام والاستقرار وكونه على الأرض، والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة، وقد جمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب الأذان والإقامة.
منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً، وأينما توجّهت، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة(2).
ومنها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال: يؤذّن الرجل وهو جالس، ويؤذّن وهو راكب(3).
ومقتضاها عدم اعتبار القيام ولا كونه على الأرض، بل ولا الاستقرار، كما أنّ مقتضى الرواية الاُولى عدم اعتبار القيام ولا الاستقرار، بناءً على أن يكون المراد بقوله(عليه السلام): «وأينما توجّهت» المشي إلى المحلّ الذي يريده المؤذّن، لا نفي اعتبار الاستقبال.
هذا، ولا يخفى بعد المعنى الأوّل.
ومنها: ما رواه أبو بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: إذا أذّنت في الطريق أو في بيتك، ثمّ أقمت في المسجد أجزأك(4).
ومقتضاها نفي اعتبار الاستقرار، ولكنّ الرواية لم تصدر لبيان ذلك،
- (1) وسائل الشيعة 4: 18ـ22، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، ب3 و 4; وج10: 233ـ237، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، ب29.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 183، ح866; وعنه وسائل الشيعة 5: 401، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح1.
- (3) الفقيه 1: 183، ح867; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح2.
- (4) الفقيه 1: 189، ح901; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح3.
(الصفحة 548)
بل المقصود منها عدم اعتبار اتّصال الأذان بالإقامة، كما لا يخفى.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب، ويقيم وهو على الأرض قائم(1).
ومنها: رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال: نعم، ولا يقيم إلاّ وهو قائم(2).
ومنها: رواية أحمد بن محمّد، عن عبد صالح(عليه السلام) قال: يؤذّن الرجل وهو جالس، ولا يقيم إلاّ وهو قائم. وقال: تؤذّن وأنت راكب، ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض(3).
ومنها: رواية محمّد، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته، وعلى غير طهور؟ فقال: نعم، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة، فلا بأس(4).
ومنها: رواية سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا بأس أن تؤذّن راكباً أو ماشياً، أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلاّ من علّة، أو تكون في أرض ملصّة(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 56، ح193; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 56، ح194; الاستبصار 1: 302، ح1118; وعنهما وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح5.
- (3) الكافي 3: 305، ح16; تهذيب الأحكام 2: 56، ح195; الاستبصار 1: 302، ح1119; وعنها وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 56، ح196; الفقيه 1: 185، ح878; وعنهما وسائل الشيعة 5: 403، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح7.
- (5) الفقيه 1: 183، ح868; تهذيب الأحكام 2: 56، ح192; وعنهما وسائل الشيعة 5: 403، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح8; وأرض ملصّة: ذات لصوص، لسان العرب 5: 497.