(الصفحة 518)
وهما ممسوخان(1).
والمراد من قوله(عليه السلام): «وهما ممسوخان» أنّ الرمل والملح في حال صيرورتهما زجاجاً غير باقيين على حقيقتهما، وليس المراد أنّهما ممسوخان حتى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضيّة، وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحيّة، إلاّ أنّ الرمل لا يكون ممسوخاً أصلا.
الثاني: يجوز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض إلاّ المأكول والملبوس، والمراد بنبات الأرض كما هو المتبادر منه بنظر العرف، هو ما ينبت من الأرض وله حياة نباتيّ، الذي يكون مرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض، والاستفادة منها لإبقاء الحياة; وإن زال عنه الروح النباتي فعلا لأجل اليبوسة أو الانفصال من الأرض.
وليس المراد هو ما يخرج من الأرض أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض الروايات جواز السجود عليه. معلّلا بأنّه من نبات الأرض(2)، ولكنّها معرض عنها(3)، مضافاً إلى معارضتها بما يدلّ على المنع(4).
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل كان مفروغاً عنه عندهم ظاهراً، أنّه لا يجوز السجود
- (1) الكافي 3: 332، ح14، وفيه: أن أسأله عنه; تهذيب الأحكام 2: 304، ح1231; وعنهما وسائل الشيعة 5: 360، أبواب ما يسجد عليه، ب12، ح1.
- (2) الفقيه 1: 292، ح1325; وعنه وسائل الشيعة 5: 355، أبواب ما يسجد عليه، ب6، ح8.
- (3) مفتاح الكرامة 6: 347ـ348; جواهر الكلام 8: 690ـ691.
- (4) الكافي 3: 331، ح6; تهذيب الأحكام 2: 304، ح1228; وعنهما وسائل الشيعة 5: 353ـ354، أبواب ما يسجد عليه، ب6، ح1 و 3.
(الصفحة 519)
على الرماد ولا على الفحم(1)، ولكن يمكن المناقشة في ذلك بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض، ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه، وزوال الحياة النباتيّة عنه. نعم، يفترق معه في كونه مطبوخاً، وقد عرفت أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها، فكذا المطبوخ من النبات.
وأمّا الرماد، فهو وإن خرج عن صدق النبات; لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً، فالجواز إنّما هو من هذه الجهة، لا من جهة كونه نباتاً، ولكنّ الظاهر ما ذكروه من عدم الجواز، كما أنّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك.
الثالث: لا يجوز السجود على المأكول والملبوس، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا، كالخبز والقميص، بل يعمّ ذلك، وما يكون صالحاً للأكل واللّبس ولو بعلاج، كالحنطة والشعير والقطن والكتّان; لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات، وإن توقّف أكل الأوّلين نوعاً على الطحن، ثمّ الطبخ، ولبس الأخيرين على النسج ثمّ الخياطة.
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال; أي أحوال الناس، ولا إشكال حينئذ في عدم جواز السجود عليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض، أو في بعض حالاته دون بعض، أو في بعض الأحوال دون بعض. وعلى الأوّل: فقد تكون العلّة في عدم
- (1) المبسوط 1: 89; السرائر 1: 268; المعتبر 2: 120; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 593; كشف اللثام 3: 344; مستند الشيعة 5: 252; جواهر الكلام 8: 689ـ690.
هذا، ولكن لم نعثر على من ادّعى الشهرة هنا عاجلاً، وهذا كلّه في الرماد. وأمّا الفحم، فلم يتعرّض له أكثر الفقهاء، بل في كشف اللثام: وفي الفحم تردّد، وفي المستند: يجوز السجود عليه، وفي الجواهر: قد يقوى الجواز فيه.
(الصفحة 520)
كونه مأكولا في بعض البلاد هي فقده وإعوازه فيه، بحيث لو وجد فيه لكان مأكولا فيه أيضاً، فلا إشكال حينئذ في عدم الجواز، وقد لا تكون العلّة ذلك، فيشكل الحكم بعدم الجواز.
وفي الفرض الثاني: يمكن أن يقال بعدم خروجه عن صدق عنوان المأكول بذلك، فلا يجوز السجود عليه، وأولى منه القسم الثالث كالأدوية; فإنّ الظاهر عند العرف كونها مأكولة، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه قد يقال بجواز السجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب وإن كانا ملبوسين; لعدم كونهما من الملابس المتعارفة(1)، ولكن يمكن أن يقال بعدم الجواز في حالة كونهما ملبوسين.
نعم، لا بأس بجواز السجود على الخشب وإن كان صالحاً لأن يصنع منه القراب، كما أنّه يجوز على ما أعدّ منه له، للفرق بينه وبين القطن والكتّان اللذين لا يجوز السجود عليهما ولو قبل النسج والخياطة عند العرف; فإنّه لا يطلق على الخشب أنّه ملبوس وإن كان معدّاً للقراب، بخلافهما.
الرابع: في جواز السجود على القطن والكتّان خلاف(2)، وقد ورد فيه صنفان من الروايات، فطائفة منها تدلّ على الجواز، والاُخرى تدلّ على المنع.
أمّا الطائفة الاُولى: فمنها: ما رواه داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث(عليه السلام): هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة؟
- (1) جواهر الكلام 8: 700; العروة الوثقى 1: 423، مسألة 1368.
- (2) في جوابات المسائل الموصليّات الثانية (رسائل الشريف المرتضى) 1: 174; الكراهة وفي الخلاف 1: 357، مسألة 112; والمعتبر 2: 118; وتذكرة الفقهاء 2: 436ـ437; ومختلف الشيعة 2: 115ـ116; والحدائق الناضرة 7: 249; ومستند الشيعة 5: 253; وجواهر الكلام 8: 701; كتاب الصلاة للمحقّق النائيني للآملي(قدس سره)1: 361ـ362 وغيرها: المنع.
(الصفحة 521)
فقال(عليه السلام): جائز(1).
ومنها: خبر الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام): أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة ولا ضرورة؟ فكتب إليّ: ذلك جائز(2).
ومنها: رواية منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا، ولكن اجعل بينك، وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(3).
ومنها: رواية ياسر الخادم قال: مرّ بي أبو الحسن(عليه السلام) وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه، فقال لي: مالكَ لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟(4). ودلالة هذه الرواية على الجواز مبنيّة على أن يكون الطبري شيئاً معهوداً متخذاً من القطن والكتّان.
وأمّا الطائفة الثانية: فمنها: خبر الأعمش ـ المرويّ في الخصال ـ عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرايع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 307، ح1246; الاستبصار 1: 332، ح1246; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1248; الاستبصار 1: 333، ح1253; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح7.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1247; الاستبصار 1: 332، ح1247; وعنهما وسائل الشيعة 5: 351، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح7.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1249; الاستبصار 1: 331، ح1243; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح5.
- (5) تقدّمت في ص516.
(الصفحة 522)
ومنها: خبر أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لاتسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان(1).
هذا، وقد جمع بين الطائفتين بوجوه:
منها: حمل الطائفة الاُولى على الجواز، والثانية على الكراهة(2).
ومنها: حمل الطائفة الاُولى على حال الضرورة أو التقيّة، والثانية على حال الاختيار(3).
ومنها: حمل الطائفة الاُولى على ما قبل النسج، والثانية على ما بعده(4).
ولا يخفى ما في هذه الوجوه من الاستبعاد; لأنّ حمل الثانية على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول، كما في حديث شرايع الدين، وكذا حمل الطائفة الاُولى على الضرورة أو التقيّة ينافي مع تقييد السائل بعدم ثبوتهما.
وأمّا حملها على ما قبل النسج، فهو وإن كان أنسب بمعنى القطن والكتّان; لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه، إلاّ أنّ حمل الطائفة الثانية على ما بعد النسج بعيد; لأنّ المفروض أنّ المأخوذ فيها أيضاً إنّما هو القطن والكتّان.
هذا، ويظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين أنّه أفاد في كتاب صلاته في وجه الجمع بينهما ما ملخّصه:
أنّه يمكن أن يقال: إنّ القطن والكتّان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول
- (1) الكافي 3: 330، ح1; وعنه وسائل الشيعة 5: 344، أبواب ما يسجد عليه، ب1، ح6.
- (2) كما في المعتبر 2: 119; والوافي 8: 742، ذ ح7014.
- (3) كما في تهذيب الأحكام 2: 306ـ308; والاستبصار 1: 331ـ332; وتذكرة الفقهاء 2: 436ـ437; والحدائق الناضرة 7: 251ـ253.
- (4) اُنظر نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 362; وتذكرة الفقهاء 2: 437; وحكاه عنهما في كشف اللثام 3: 343; وجواهر الكلام 8: 705.