(الصفحة 118)
أو ثلاث ركعات للمسافر، فلا إشكال في أنه يجب عليه الإتيان بالصلاتين، وكذا إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر، أو أربع ركعات للمسافر; فإنّه يجب عليه أيضاً الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً بلا إشكال، ولا خلاف بين الأصحاب كما ادّعاه الشيخ(رحمه الله)في كتاب الخلاف(1).
هذا، ولكن يظهر من بعض الأعاظم من المعاصرين(2) الاستشكال في المسألة، ويمكن تقرير الإشكال بوجوه ثلاثة:
الأوّل: أن يقال: إنّ معنى اختصاص آخر الوقت بالعصر مثلا هو عدم صحّة وقوع شريكتها فيه أصلا، لا أداءً ولا قضاءً، ولا كلاًّ ولا بعضاً، وحينئذ فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلاّ إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات، وحيث إنّ في مفروض المقام تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختصّ بالعصر فلا تصحّ.
الثاني: أنّ مفاد قوله(عليه السلام): «من أدرك» ليس توسعة الوقت بحيث كان تأخير الصلاة عمداً إلى أن بقي من وقت أدائها مقدار ركعة جائزاً; لوضوح عدم جواز التأخير عمداً، ووقوعه عصياناً، بل مفاده ليس إلاّ مجرّد التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائيّة ووجوب التعجيل، وحينئذ فإطلاق من أدرك بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر; فإنّ إدراك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت.
وبعبارة اُخرى: الأمر دائر بين إدراك كلتي الصلاتين، لكن بحيث يقع مقدار من العصر خارج الوقت، وبين إدراك صلاة العصر تامّة واقعة بأجمعها في الوقت
- (1) الخلاف 1: 273، مسألة 14.
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله): 16ـ18.
(الصفحة 119)
المختصّ بها، وحينئذ يقع التزاحم بينهما، ولا مرجّح للأوّل على الثاني أصلا، كما لا يخفى.
الثالث: أنّ مورد الروايات هي صلاة الغداة والعصر كما في روايات العامّة(1)، أو خصوص الغداة كما في الروايات الواردة من طرق الإماميّة(2). نعم، مرسلة المعتبر(3) عامّة شاملة لجميع الصلوات، ولكنّها لم تثبت، ويحتمل قويّاً أن تكون مأخوذة من الروايات، غاية الأمر إلغاء الخصوصيّة فيها.
وكيف كان، فالتعدّي عن مورد الروايات يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة، وذلك إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم المذكور في القضيّة، وإلاّ فلا يجوز التعدّي أصلا; فإنّ المراد بإلغاء الخصوصيّة المتداول في الألسن إنّما هو مفهوم الموافقة المذكور في علم الاُصول; لأنّ الخصوصيّات المذكورة في الكلام ربما يحرز عدم دخالتها في الحكم، فيتعدّى عن المورد إلى غيره، ويسمّى الحكم المستفاد بالنسبة إلى غير المذكور مفهوم الموافقة، وربما لا يحرز ذلك فتحمل القضيّة على ظاهرها من مدخليّة القيد في ثبوت الحكم.
وحينئذ فلا يتعدّى عن مورده، بل يثبت لغير المذكور خلاف الحكم الثابت بالنسبة إلى المذكور، ويسمّى ذلك الحكم الثابت لغير المذكور مفهوم المخالفة.
وبالجملة: فتسرية الحكم عن خصوص المورد يتوقّف على إحراز عدم مدخليّة خصوصيّة المورد، وفي المقام يمكن هذه الدعوى بالنسبة إلى صلاة العشاء، ولكن لا يمكن بالنسبة إلى الظهر والمغرب; لأنّ الصبح والعصر وكذا
- (1) صحيح البخاري 1: 163، ح579; سنن ابن ماجة 1: 379، ح699 و 700.
- (2) وسائل الشيعة 4: 217، أبواب المواقيت، ب30، ح3.
- (3) المعتبر 2: 47، وكذا مرسلة الذكرى المتقدّمة في ص113.
(الصفحة 120)
العشاء لاتزاحم ـ بوقوع بعضها خارج الوقت ـ شيئاً من الواجبات; لعدم ثبوت واجب بعدها، وهذا بخلاف الظهر والمغرب، لمزاحمتهما للعصر والعشاء، فلا يجوز إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عمّا ورد في الروايات كما عرفت، فلايكون الحكم المستفاد من قوله(عليه السلام): «من أدرك» ثابتاً بالنسبة إليهما حتى تصل النوبة إلى مرجِّحات باب المزاحمة، كما لا يخفى.
هذا، والجواب عن الأوّل: أنّه قد مرّ مراراً أنّه لم يرد في آية ولا رواية لفظ الاختصاص حتى نتمسّك بإطلاقه، ويكون مقتضاه حينئذ عدم صحّة الشريكة مطلقاً، لا أداءً ولا قضاءً، بل غاية ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد المتقدّمة(1)، أنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختصّ بالظهر، ويكون نسبته إلى العصر كنسبة قبل الزوال إلى الظهر، ومقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصّ بالعصر، ويكون نسبته إلى الظهر كنسبة ما بعد الغروب إلى العصر، ولا دلالة فيها على عدم صحّة وقوع الشريكة فيه ولو بعضاً، كما لا يخفى.
وعن الثاني أوّلاً: أنّ غاية ما تدلّ عليه الأدلّة الأوّلية وجوب الإتيان بالصلاة أداءً، غاية الأمر أنّه لو لم يكن في البين «قاعدة من أدرك» لكان المستفاد من تلك الأدلّة وجوب الإتيان بجميع الصلاة في الوقت، إلاّ أنّه بعد ثبوت هذه القاعدة يستكشف أنّ تحقّق عنوان الأدائيّة لا يتقوّم بوقوعها بأجمعها في الوقت، بل يكفي في اتّصاف الصلاة بهذه الصفة مجرّد وقوع ركعة منها في الوقت; فقوله(عليه السلام): «من أدرك» إلخ، يكون حاكماً على تلك الأدلّة ومفسّراً لها.
وحينئذ فمع وقوع ركعة من الصلاة في الوقت يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق
(الصفحة 121)
بإيجاد الصلاة أداءً، وليس هنا ما يدلّ على وجوب التعجيل والمبادرة أصلا، ولو سلّم لكان ذلك بأمر مستقلّ يكشف عنه الإجماع، وهو منصرف عن هذه الصورة، وعلى تقدير عدم الانصراف لا دليل على إطلاقه بعد كونه دليلا لبّياً يقتصر فيه على المتيقّن.
وبالجملة: فلم يثبت الإجماع في المقام لو لم نقل بثبوته على الخلاف، كما ادّعاه في الخلاف على ما عرفت(1)، بل هو على تقدير ثبوته منحصر بصلاة الغداة لو أخّرها عمداً إلى أن بقي من الوقت مقدار ركعة.
وثانياً: سلّمنا أنّ مقتضى الأدلّة الأوّليّة الآمرة بإتيان الصلاة في وقتها وجوب المبادرة والتعجيل، وأنّه لا يستفاد من قوله(عليه السلام): «من أدرك» إلاّ التنزيل بحسب الأدائيّة ووجوب التعجيل، من دون أن يكون ناظراً إلى توسعة الوقت مطلقاً، ولكن مقتضى دليل شرطيّة الترتيب بالنسبة إلى صلاة العصر، وكون الإتيان بصلاة الظهر من الشرائط الوجوديّة بالنسبة إلى العصر، وجوب الإتيان بالظهر مع الإمكان ليتحقّق هذا الشرط.
والمفروض في المقام إمكانه بنحو لا يفوت العصر أيضاً، كما يدلّ عليه رواية الحلبي أيضاً، الواردة فيمن نسي الظهر والعصر، ثمّ تذكّر عند غروب الشمس، حيث قال(عليه السلام): إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ ليصلِّ العصر، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، ولا يؤخّرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعاً(2).
وهذا الشخص في المقام يصدق عليه أنّه لا يخاف فوت إحداهما; لأنّ
- (1) في ص118.
- (2) تقدّمت في ص92.
(الصفحة 122)
المفروض بمقتضى «قاعدة من أدرك» أنّ إدراك ركعة من الوقت كإدراك جميع الوقت في اتّصاف الصلاة بكونها أداءً، فلا وجه حينئذ لتوهّم أن يقال: إنّ تقديم الظهر يوجب وقوع بعض أجزاء العصر في خارج الوقت، كما لا يخفى.
وعن الثالث: ما عرفت من أنّ الظاهر من الروايات كون إدراك ركعة من الوقت كافياً في وقوع الصلاة أداءً، بلا فرق بين الصلوات أصلا، كما يساعد على ذلك فهم العرف، مضافاً إلى فهم علماء الفريقين التعميم، وافتراق الصلوات في جهة المزاحمة وعدمها لا يوجب تخصيص الحكم ببعضها بعدما عرفت في الجواب عن الوجه الثاني من عدم المزاحمة بينهما أصلا، فتدبّر.
بقي الكلام في هذا المقام في علامات زوال الشمس وميلها عن دائرة نصف النهار.
فنقول: قد ذكر في الكتب الموضوعة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمّـة(عليهم السلام)بعين ألفاظها الصادرة عنهم لزوال الشمس علامتان(1)، والمذكور في النصوص التي وصلت إلينا هي العلامة الاُولى فقط، ولكن يستكشف من ذكر العلامة الثانية أيضاً في تلك الكتب وجود نصّ عليها، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا، كما هو الشأن في جميع المسائل المذكورة في تلك الكتب.
وكيف كان، فالعلامة الاُولى هي زيادة الظلّ بعد نقصانه أو وجوده بعد انعدامه، والعلامة الثانية ميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن لمن استقبل القبلة.
ولا يخفى أنّ العلامة الاُولى إنّما هي علامة لجميع البلاد في جميع أيّام السنة،
- (1) المقنعة: 92ـ93; المبسوط 1: 73; النهاية: 58; شرائع الإسلام 1: 61; الجامع للشرائع 59ـ60; الدروس الشرعيّة 1: 138.