(الصفحة 207)
عند الفجر أعدتهما(1).
ورواية حمّاد بن عثمان قال: قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): ربما صلّيتهما وعليّ ليل، فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما(2). وفي بعض النسخ بدل «قمت»، «نمت».
هذا، ولا يخفى أنّه لا دليل على كون المراد بالركعتين في الرواية الاُولى وبمرجع الضمير في الثانية هي ركعتي الفجر، مضافاً إلى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني، والمدّعى هو استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل، فلا ينطبق الدليل على المدّعى، ومع الغضّ عن ذلك فغاية مدلول الروايتين استحباب الإعادة فيما إذا حصل الفصل بينهما، وبين فريضة الصبح بالنوم لا مطلقاً، فلعلّه كان للنوم مدخليّة في انحطاط مقدار من تأثيرهما، كما لا يخفى.
وأمّا الكلام في المقام الثاني، فملخّصه: أنّ المشهور هو امتداد وقتهما إلى أن تطلع الحمرة المشرقيّة(3)، ولا يخفى أنّه لا يوجد مستند في الجوامع التي بأيدينا.
نعم، روى عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر، أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: يؤخّرهما(4) ودلالتها على الامتداد إلى ذلك الوقت محلّ نظر. نعم، يستفاد
- (1) تهذيب الأحكام 2: 135، ح528; الاستبصار 1: 285، ح1045; وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، أبواب المواقيت، ب51، ح9.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 135، ح527; الاستبصار 1: 285، ح1044; وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، أبواب المواقيت، ب51، ح8.
- (3) جامع المقاصد 2: 22; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 493; مدارك الأحكام 3: 86; كشف اللثام 3: 62; مفتاح الكرامة 5: 120; جواهر الكلام 7: 383ـ384.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 340، ح1409; وعنه وسائل الشيعة 4: 266، أبواب المواقيت، ب51، ح1.
(الصفحة 208)
منها عدم مزاحمتهما للفريضة بعد ظهور الحمرة، وأنّها مقدّمة عليهما.
وفي مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة(1) قد حدّد بما بينك، وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك، ولكن تقدّم معناها.
ثمّ إنّه على فرض الامتداد إلى ذلك الوقت فهل يكون مقتضى ذلك صيرورتهما قضاءً بعد طلوع الحمرة، كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس، أو أنّ المراد بامتدادهما إليه هو مزاحمتهما للفريضة إلى ذلك الوقت، وعدم جوازها بعده من دون أن تصير قضاءً بذلك؟ وجهان.
هذا تمام الكلام في باب تعيين الأوقات.
(الصفحة 209)
في التطوّع وقت الفريضة
مسألة: قد اختلف الأصحاب قديماً وحديثاً في جواز الإتيان بالنافلة المبتدأة، أو التي تكون قضاءً عن الراتبة في وقت الفريضة، بعد قيام الإجماع(1)وتواتر الأخبار على جواز الإتيان بالرواتب إلى الأوقات التي يجوز الإتيان إليها، كالذراع والذراعين في الظهرين، وسقوط الشفق في نافلة المغرب كما مرّ تفصيله(2); وكذلك اختلفوا في جواز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة، ويمكن إدخالهما تحت عنوان واحد; وهو التطوّع لمن عليه فريضة.
الأكثرون من القدماء منهم المفيد والشيخ على المنع(3)، وذهب آخرون إلى الجواز(4)، وهو الأقوى لما سيأتي. ومنشأ الخلاف في ذلك اختلاف الأخبار
- (1) غنية النزوع: 72; مستند الشيعة 4: 85 و 103.
- (2) في ص181ـ194.
- (3) المقنعة: 212; المبسوط 1: 128; النهاية: 62; المهذّب 1: 127; الوسيلة: 84; السرائر 1: 203 و 276; المعتبر 2: 60; شرائع الإسلام 1: 63; الجامع للشرائع: 89.
- (4) الدروس الشرعيّة 1: 142; ذكرى الشيعة 2: 402ـ403; جامع المقاصد 2: 23ـ24; مجمع الفائدة والبرهان 2: 41; وحكاه عن ابن بابويه وابن الجنيد في مدارك الأحكام 3: 89ـ90.
(الصفحة 210)
الواردة في هذا الباب، فلابدّ من نقلها ليظهر الحال، والصحيح عن سقيم المقال.
فنقول: وعلى الله الاتّكال.
أمّا ما يدلّ على الجواز فروايات:
منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله، ثمّ ليتطوّع ما شاء، ألا هو موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل، إلاّ أن يخاف فوت الفريضة، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها; ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت.
هذا ما رواه الكليني، ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة نحوه إلى قوله: «ثمّ ليتطوّع ما شاء»، ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى نحوه إلى قوله: «قريب من آخر الوقت»(1).
وهذه الرواية صريحة في جواز التطوّع ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة، واحتمال أن يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدّاً; لوضوح حالها عند كلّ أحد; لأنّه يعرف كلّ عاميّ أنّه يستحبّ الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معّينة، كما عرفت.
ومنها: رواية إسحاق بن عمار قال: قلت: اُصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: نعم، في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به، فإذا كنت وحدك
- (1) الكافي 3: 288، ح3; الفقيه 1: 257، ح1165; تهذيب الأحكام 2: 264، ح1051; وعنها وسائل الشيعة 4: 226، أبواب المواقيت، ب35، ح1.
(الصفحة 211)
فابدأ بالمكتوبة(1).
ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين(2); فانّ ظاهرها جواز التنفّل وقت الفريضة، إلاّ أنّ الفضل في تأخيرها والابتداء بالفريضة.
ومنها: رواية عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنّه لا يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة، فقال: المقيم الذي تصلّي معه(3).
وهذه الرواية تدلّ على أنّ النهي إنّما هو لانعقاد الجماعة، لا مطلقاً.
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ فقال: يصلّي ركعتين ثم يصلّي الغداة(4).
ومنها: غير ذلك من الأخبار.
وأمّا ما يدلّ على المنع:
فمنها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟
- (1) الكافي 3: 289، ح4; تهذيب الأحكام 2: 264، ح1052; وعنهما وسائل الشيعة 4: 226، أبواب المواقيت، ب35، ح2.
- (2) الكافي 3: 289، ح5; وعنه وسائل الشيعة 4: 230، أبواب المواقيت، ب36، ح2 و 3.
- (3) الفقيه 1: 252، ح1136; تهذيب الأحكام 3: 283، ح841; وعنهما وسائل الشيعة 4: 228، أبواب المواقيت، ب35، ح9.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 265، ح1057; الاستبصار 1: 286، ح1048; وعنهما وسائل الشيعة 4: 284، أبواب المواقيت، ب61، ح2.