(الصفحة 160)
أو نصفه(1). على اختلاف الأخبار; فإنّ المستفاد من ذلك أنّ الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل، فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة، فتدبّر.
وكيف كان، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الطائفة الاُولى، خصوصاً مع كثرتها، بحيث لا ينبغي الارتياب فيها، مضافاً إلى الشهرة المحقّقة من زمان العلاّمة، بل كان القائل به قبله أيضاً كثيراً(2)، ومن هنا ينقدح الخلل فيما استدلّ به الشيخ في الخلاف في عبارته المتقدّمة(3)، ما ملخّصه: أنّ ما بعد الشفق متيقّن، وقبله مشكوك، وجه الخلل: أنّه لا مجال للشكّ بعدما عرفت(4) من كثرة الأخبار الدالّة على دخول وقتها بمجرّد الفراغ من المغرب، وعدم إمكان رفع اليد عنها، كما لا يخفى.
المسألة السادسة ـ في آخر وقت صلاة العشاء
فنقول: اختلف المسلمون في ذلك، فحكي عن العامّة أقوال أربعة:
أحدها: ما اختاره إبراهيم النخعي من القول بامتداده إلى ربع الليل، بلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار.
ثانيها: ما ذهب إليه أبو حنيفة، والثوري، والشافعي في القديم، وجماعة
- (1) الكافي 3: 281، ح13; وعنه وسائل الشيعة 4: 186، أبواب المواقيت، ب17، ح12 و 13; سنن ابن ماجة 1: 375، ح691; سنن الترمذي 1: 211، ح167; سنن النسائي 1: 301، ح530; صحيح البخاري 1: 161، ح571; صحيح مسلم 1: 371، ب39، ح225.
- (2) مسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 274; الجمل والعقود (الرسائل العشر): 174; غنية النزوع: 69; الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 83; السرائر 1: 196; مختلف الشيعة 2: 24ـ27; جامع المقاصد 2: 18; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 486; مدارك الأحكام 3: 57ـ58; مفتاح الكرامة 5: 93ـ95.
- (3) في ص151ـ152.
- (4) في ص155 وغيرها.
(الصفحة 161)
من القول بامتداده للمختار إلى النصف، وللمضطرّ إلى الطلوع.
ثالثها: الامتداد إلى الفجر مطلقاً، حكي ذلك عن ابن عباس، وعطاء، وطاووس، وعكرمة، ومالك.
رابعها: الامتداد إلى الثلث للمختار، وإلى الفجر للمضطرّ; ذكره الشافعي في الجديد(1).
وقد ظهر من ذلك أنّ القول بالإمتداد إلى الفجر قول معروف بينهم في الجملة; لأنّه لم يخالف فيه أحد منهم إلاّ النخعي.
وأمّا الإماميّة، فهم أيضاً مختلفون في ذلك; لاختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب، والقول المعروف بينهم في جميع الأعصار هو الامتداد إلى نصف الليل، أو ثلثها(2). وأمّاالقائل بالامتداد إلى الفجر فقليل جدّاً. وقد أفتى به المحقّق في المعتبر بالنسبة إلى المضطرّين(3)، وعبارة الصدوق(رحمه الله)في الفقيه(4) ظاهرة في اختياره ذلك. وحكاه الشيخ أيضاً في المسبوط عن بعض أصحابنا الإماميّة(5)، ولكنّه يبعد أن يكون مراده بذلك البعض هو الصدوق، وبالجملة: فهذا القول في غاية الشذوذ.
- (1) المغني لابن قدامة 1: 393ـ394; الشرح الكبير 1: 440; المجموع 3: 41ـ42; عمدة القاري 4: 88; أحكام القرآن للجصّاص 3: 258 و 263ـ264; مغني المحتاج 1: 124; الخلاف 1: 265، مسألة 8.
- (2) في مسالك الأفهام 1: 142، المشهور امتداده إلى ثلث الليل للمختار، وإلى انتصافه للمضطرّ; وفي كشف اللثام 3: 46، المشهور امتداده إلى ثلث الليل; وفي الحدائق الناضرة 6: 193; ومفتاح الكرامة 5: 97ـ98; ومصباح الفقيه 9: 125 و 251، المشهور امتداده إلى نصفه.
- (3) المعتبر 2: 43.
- (4) الفقيه 1: 232ـ233، ذ ح1030.
- (5) المبسوط 1: 75.
(الصفحة 162)
وأمّا القول بالامتداد إلى نصف الليل، فذهب إليه السيّد، وابن إدريس، والحلبي، وجماعة(1); وصرّح بعضهم بكونه آخر وقت المضطرّ، وأنّ آخر الوقت للمختار هو الثلث(2). وأمّا ثلث الليل، فاختاره المفيد، والشيخ في النهاية، والجمل، والخلاف، والاقتصاد(3). وقال ابن أبي عقيل: أوّل وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق، وهو الحمرة لا البياض، فإن جاوز ذلك حتّى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير(4).
وبالجملة: فأقوال الإماميّة في المسألة أيضاً أربعة: الفجر، ونصف الليل، وثلثها، وربعها، وحكى في مفتاح الكرامة أنّ القول الأخير مرويّ عن الرضا(عليه السلام)(5)، والظاهر أنّه أراد فقه الرضا(عليه السلام)(6). وأمّا ما يدلّ على القول الأوّل، فهي الأخبار المتقدّمة(7) في آخر وقت المغرب، ولا يمكن الاعتماد عليها; لموافقتها للعامّة; لتسالمهم على الامتداد إلى الفجر في الجملة كما عرفت. نعم، حكي عن النخعي القول بامتداده إلى ربع الليل(8)، ولكنّه شاذّ عندهم.
وحينئذ فيحتمل قويّاً صدور الروايات الدالّة على ذلك تقيّة; وما ذكرناه
- (1) مسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 274; السرائر 1: 195; الكافي في الفقه: 137; المراسم: 62; غنية النزوع: 70; شرائع الإسلام 1: 61; مختلف الشيعة 2: 24 و 27ـ28; الدروس الشرعيّة 1: 139ـ140; ذكرى الشيعة 2: 340، 344 و 347ـ348; مسالك الأفهام 1: 139; مفتاح الكرامة 5: 97ـ100.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 33، ذ ح103; الاستبصار 1: 270، ذ ح976; المبسوط 1: 75; الوسيلة: 83.
- (3) المقنعة: 93; النهاية: 59; الجمل والعقود، الرسائل العشر: 174; الخلاف 1: 265، مسألة 8; الاقتصاد: 394.
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 28.
- (5) مفتاح الكرامة 5: 97.
- (6) فقه الرضا(عليه السلام): 103، ب7.
- (7) في ص143ـ145.
- (8) تقدّم في ص160.
(الصفحة 163)
سابقاً(1) في مقام تصحيح هذه الأخبار ـ من أن القول بجواز الإتيان بالمغرب إلى طلوع الفجر، خلاف ما هو المشهور بينهم ـ فهو إنّما كان بالنسبة إلى المغرب. وأمّا بالنسبة إلى صلاة العشاء فلا; وإن كان ربما يستظهر منها عدم التقيّة باعتبار اشتمالها على امتداد المغرب أيضاً إلى طلوع الفجر، والعامّة لا يقولون به.
هذا، ولكن عرفت سابقاً اتّفاقهم إجمالا على امتداده أيضاً إلى الطلوع، وإن اختلفوا من حيث إنّ الجواز من جهة سعة الوقت، كما اختاره مالك(2)، أو من جهة الجمع في موارد مشروعيّته، كالسفر والمطر ونحوهما، فليس ذكر المغرب فيها مانعاً عن الحمل على التقيّة. نعم، بعضها يدلّ على ما لا يقولون به أصلا، وهو اشتراك الوقت بين المغرب والعشاء إلى أن يبقى إلى الفجر مقدار أداء العشاء، فيختصّ بها; إذ ليس هذا التفصيل في كلامهم أصلا. وكيف كان، فهذه الأخبار أيضاً مخالفة للمشهور(3)، ولا يجوز العمل بها.
هذا، وأمّا ما يدل على الامتداد إلى الثلث مطلقاً، فهي الرواية الدالّة على إتيان جبرئيل(عليه السلام) بمواقيت الصلاة(4)، المشتملة على أنّ ما بين زوال الحمرة والثلث وقت، وقد عرفت(5) الجواب عنها.
وأمّا ما يدلّ على النصف، فمنها: قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(6); لأنّ المراد بالغسق هو النصف،
- (1) في ص145.
- (2) تقدّم في ص161.
- (3) تقدّم تخريجه في ص162.
- (4) سنن الترمذي 1: 279، ح149; وسائل الشيعة 4: 157، أبواب المواقيت، ب10، ح5.
- (5) اُنظر ص87.
- (6) سورة الإسراء 17: 78.
(الصفحة 164)
كما قد فسّر به(1).
ومنها: رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عمّا فرض الله ـ تعالى ـ من الصلاة؟ فقال: خمس صلوات في الليل والنهار، فقلت: هل سمّـاهنّ الله وبيّنهنّ في كتابه؟ قال: نعم، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ) ودلوكها: زوالها، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات، سمّـاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ، وغسق الليل انتصافه، الحديث(2).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق(عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(3).
ومنها: رواية داود بن فرقد، المشتملة على قوله(عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(4).
ومنها: رواية معلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: آخر وقت العتمة
- (1) مجمع البيان 6: 265; تفسير الصافي 3: 209; تفسير نور الثقلين 3: 200.
- (2) الكافي 3: 271، ح1; تفسير العيّاشي 2: 308، ح136; الفقيه 1: 124، ح1; علل الشرائع: 354، ح1; تهذيب الأحكام 2: 241، ح954; معاني الأخبار: 332; وعنها وسائل الشيعة 4: 10، أبواب أعداد الفرائض، ب2، ح1.
- (3) الفقيه 1: 142، ح662; وعنه وسائل الشيعة 4: 184، أبواب المواقيت، ب17، ح2.
- (4) تقدّمت في ص155.