(الصفحة 307)
وكذا لا يجب على المملوكة ستر الشعر; للشهرة(1) والأخبار الكثيرة.
مثل ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة، الحديث(2).
ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من أنّه يجب على الرجل ستر عورته فقط، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الرجل يصلّي في ثوب أو قميص واحد(3)، باعتبار أنّه دالّ على كونه أقلّ ما يكفي للرجل من الساتر، وذلك لما عرفت من أنّ مثله يدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه ولا يكون مستوراً به، ولا يدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيه ومستور به، كما لا يخفى.
[ كيفيّة صلاة العاري ]
مسألة: إذا كان المصلّي فاقداً للساتر، أو كان ثوبه منحصراً في النجس، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عرياناً، ففي كيفيّة صلاته من حيث القيام والقعود، ومن حيث الركوع والسجود، أو الإيماء خلاف(4)، منشؤه اختلاف الأخبار، ولابدّ من التكلّم في كلّ من الحيثيّتين مستقلاًّ، فنقول:
- (1) راجع تعليقة 3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 217، ح854; الاستبصار 1: 389، ح1479; وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، أبواب لباس المصلّي، ب28، ح10.
- (3) الكافي 3: 394، ح2; الفقيه 1: 243، ح1082; تهذيب الأحكام 2: 217، ح855; وعنها وسائل الشيعة 4: 405 و 406، أبواب لباس المصلّي، ب28، ح4 و 7.
- (4) الخلاف 1: 398ـ400، مسألة 150 و 151; المعتبر 2: 105; مختلف الشيعة 2: 100; تذكرة الفقهاء 2: 455، مسألة 114; ذكرى الشيعة 3: 21; كشف اللثام 3: 245.
(الصفحة 308)
أمّا من الحيثيّة الاُولى: فمقتضى بعض الأخبار أنّه يصلّي جالساً، كرواية إسحاق بن عمّار ـ الواردة في صلاة جماعة العراة ـ قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): قوم قطع عليهم الطريق واُخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: يتقدّمهم إمامهم، فيجلس ويجلسون خلفه، فيومئ إيماءً بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(1).
ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ الواردة أيضاً في صلاتهم جماعة ـ قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال(عليه السلام): يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس(2).
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ فقال: يصلّي إيماءً، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوءته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، الحديث(3).
وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يصلّي جالساً، مثل ما ورد فيما لو كان ثوب المصلّي منحصراً في النجس، كرواية محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4)، وموثّقة سماعة المرويّة في الكافي(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1514; وعنه وسائل الشيعة 4: 451، أبواب لباس المصلّي، ب51، ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1513; وج3: 178، ح404; وعنه وسائل الشيعة 4: 450، أبواب لباس المصلّى، ب51، ح1.
- (3) الكافي 3: 396، ح16; وعنه وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 1: 406، ح1278; وج2: 223، ح882; الاستبصار 1: 168، ح583; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح4.
- (5) الكافي 3: 396، ح15; وعنه تهذيب الأحكام 2: 223، ح881; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح1.
(الصفحة 309)
وأمّا ما في التهذيب(1)، فهو يدلّ على أنّه يصلي قائماً لا قاعداً، ويدلّ على وجوب الصلاة جالساً أيضاً رواية أبي البختري الآتية في كيفيّة صلاتهم من حيث الركوع والسجود.
وبإزاء هذه الأخبار، روايات تدلّ على أنّ العاري يصلّي قائماً، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم(2).
ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في حديث: وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً(3).
هذا، ومقتضى قاعدة الجمع حمل الطائفة الاُولى على صورة وجود الناظر، والثانية على ما إذا كان في محلّ يأمن من المطّلع ولا يراه أحد.
ويدلّ على ذلك مرسلة عبدالله بن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال: يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً، ورواه أيضاً الصدوق مرسلا(4)، ورواه
- (1) تهذيب الأحكام 1: 405، ح1271; الاستبصار 1: 168، ح582; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1515; مسائل عليّ بن جعفر(عليه السلام): 172، ح298; وعنهما وسائل الشيعة 4: 448، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح1.
- (3) الفقيه 1: 166، ح782; تهذيب الأحكام 2: 366، ح1519; وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح4.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1516; الفقيه 1: 168، ح793; وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح3 و 5.
(الصفحة 310)
البرقي في المحاسن عن ابن مسكان، عن أبي جعفر(عليه السلام)(1) مع اختلاف في العبارة.
والظاهر أنّه اشتباه من الراوي، إلاّ أنّه يناقش فيه بأنّه لا يمكن له النقل عن أبي جعفر(عليه السلام) بدون الواسطة، فتكون الواسطة محذوفة.
وكيف كان، فالإشكال في الاستدلال بالرواية بالإرسال ممّا لا يتمّ، بعد كون الراوي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وإن كان مرسلا، فيجب الجمع بذلك النحو والحكم بالتفصيل كما هو المشهور(2).
وأمّا من الحيثيّة الثانية، ففيه أقوال:
أحدها: القول بوجوب الركوع والسجود مطلقاً(3).
ثانيها: القول بوجوب الإيماء مطلقاً(4).
ثالثها: ما عن الغنية من التفصيل بين صلاته قائماً فيجب الركوع والسجود، وجالساً فيجب الإيماء دونهما(5).
ومنشأ هذه الأقوال اختلاف الأخبار، وأكثرها يدلّ على الإيماء، كصحيحتي علي بن جعفر وزرارة المتقدّمتين، ورواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)أنّه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض
- (1) المحاسن 2: 122، ح1338; وعنه وسائل الشيعة 4: 450، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح7.
- (2) مختلف الشيعة 2: 100; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 579ـ580; كشف اللثام 3: 245; مفتاح الكرامة 6: 52; جواهر الكلام 8: 330.
- (3) راجع الوسيلة: 107; والمهذّب 1: 117.
- (4) مختلف الشيعة 2: 100; كشف اللثام 3: 245; مفتاح الكرامة 6: 52.
- (5) غنية النزوع: 92.
(الصفحة 311)
من ركوعه(1).
ويدلّ عليه أيضاً ما ورد في المصلّي المنحصر ثوبه في النجس، وبعضها دالّ على وجوب الركوع والسجود، كمرسلة أيّوب بن نوح، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع(2).
ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة الواردة في صلاة العراة جماعة.
ويدلّ عليه أيضاً ما لم يكن فيه تعرّض لحكم صلاة العاري من حيث الركوع والسجود; فإنّه يدلّ على وجوب ما هو الأصل في الصلاة، وهو الركوع والسجود دون الإيماء كما هو واضح.
والحقّ في المقام أن يقال: إنّك قد عرفت أنّ مرسلة ابن مسكان المفصّلة بين صورتي الأمن من المطّلع وعدمه، تكون حاكمة على الروايات الدالّة على أنّه يصلّي جالساً مطلقاً، أو قائماً كذلك، ويجب حمل الاُولى على ما إذا لم يكن المصلّي آمناً، والثانية على خلافه.
فالمستفاد من المرسلة الحاكمة أنّه مع وجود الناظر المحترم يكون ما هو الأصل في الصلاة ـ وهو القيام ـ مزاحماً بالستر الذي يكون واجباً نفسيّاً، والشارع حكم بتقدّمه على القيام، وأوجب الجلوس عليه; لأنّه مع القيام يكون قبله مكشوفاً غير مستور، وإن كان دبره مستوراً بأجزاء البدن، فستر القبل لا يزاحمه وجوب القيام.
- (1) قرب الإسناد: 142، ح511; وعنه وسائل الشيعة 4: 451، أبواب لباس المصلّي، ب52، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 179، ح405، وج2: 365، ح1517 بسند آخر; وعنه وسائل الشيعة 4: 448، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح2.