(الصفحة 550)
نعم، لا بأس(1).
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام) قال: تؤذّن وأنت جالس، ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض وأنت قائم(2).
ومنها: رواية عليّ بن جعفر في كتابه، عن أخيه(عليه السلام) قال: سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابّة؟ قال: أمّا الأذان فلا بأس، وأمّا الإقامة فلا حتّى ينزل على الأرض(3).
هذه مجموع الروايات الواردة في هذا الباب، ولا يخفى أنّ مفاد أكثرها التفصيل بين الأذان والإقامة بعدم اعتبار القيام والاستقرار، والكون على الأرض فيه دونها، وبعض ما يدلّ على اعتبار القيام في الأذان إلاّ في بعض الموارد محمول على كراهته بدون القيام، لا كونه شرطاً في صحّته.
وحينئذ، فهل اللاّزم الأخذ بمقتضى هذه الروايات في باب الإقامة، والقول باعتبار هذه الاُمور كلّها في صحّتها وتحقّقها، أو أنّ ذلك من قبيل تعدّد المطلوب بالنسبة إلى الأدلّة الدالّة على استحبابها وبيان كيفيّتها; من دون أخذ شيء من ذلك فيها شرطاً أو شطراً؟
توضيح ذلك: أنّ في باب الإقامة طائفتين من الأخبار: طائفة تدلّ على استحباب الإقامة مطلقاً مع بيان حقيقتها، من دون تعرّض لشيء من هذه الاُمور أصلا، وطائفة اُخرى تدلّ على اعتبار هذه الاُمور فيها كهذه الروايات.
ومن المعلوم أنّ حمل المطلق على المقيّد مشروط بإحراز وحدة الحكم، وإلاّ
- (1) قرب الإسناد: 183، ح677; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح13.
- (2) قرب الإسناد: 360، ح1289; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح14.
- (3) مسائل عليّ بن جعفر: 174، ح309; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح15.
(الصفحة 551)
فلا تعارض بينهما أصلا حتّى يلزم تقييد المطلق، وإحراز اتّحاد الحكم قد يكون من ناحية وحدة السبب، كقوله: إن ظاهرت فأعتق رقبة، وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، وقد يكون من الخارج.
وبالجملة: فالمناط في الحمل إنّما هو إحراز ثبوت التعارض بين الدليلين، ولا يحرز ذلك إلاّ بعد إحراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السبب أو من غيرها، وفي المقام بل في باب المستحبّات كلّها لا دليل على وحدة الحكم، فيحتمل أن تكون الإقامة في نفسها مستحبّة، وكونها في حال القيام أو مع الاستقرار مثلا مستحبّاً آخر.
هذا، ولكن لا يخفى أنّ هذا كلّه إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمر المتعلّق بالمطلق والمقيّد أمراً مولويّاً لا إرشاديّاً.
توضيح ذلك: أنّ الأوامر الصادرة من المولى المتعلّقة بإتيان شيء في المأمور به، أو بإتيان المأمور به على نحو خاصّ وكيفيّة خاصّة، يكون المتبادر منها عند العرف هو كونها إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به، أو اعتبار أن يكون المأمور به على ذلك النحو الخاصّ، والكيفيّة الخاصّة; بمعنى دخالته في ترتّب الأثر المترقّب من إتيان المأمور به عليه، وأنّ الإتيان به فاقداً لذلك الشيء، أو النحو الخاصّ لا يؤثّر في حصول الأثر المقصود، فمفادها ليس إلاّ مجرّد الإرشاد إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به على ما هو المتبادر منها، كما لا يخفى.
وهكذا النواهي الصادرة من المولى المتعلّقة بإيجاد شيء في المأمور به، أو بإتيان المأمور به مع ذلك الشيء; فإنّه لا يتبادر منها إلاّ كونها إرشاداً إلى مانعيّة
(الصفحة 552)
وجود ذلك الشيء، وأنّ ترتّب الأثر المقصود على المأتيّ به مشروط بكونه فاقداًله; لكونه مانعاً عن حصول الأثر المترقّب.
وكذلك النواهي المتعلّقة بالمعاملات; فإنّ الظاهر كونها إرشاداً إلى فسادها، وعدم ترتّب الأثر المقصود عليها، هذا في باب الواجبات.
وأمّا المستحبّات، فهل الأمر الاستحبابي المتعلّق بإتيان فعل في ضمن مستحبّ آخر، أو بإتيان المستحبّ على نحو خاصّ وكيفيّة خاصّة، يتبادر منه عند العرف ذلك; أي كونه إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المستحبّ; بمعنى عدم تحقّقه بدونه، أو أنّ ذلك يختصّ بالواجبات، والمستحبّات يكون الأمر الثاني فيها كالأمر الأوّل مولويّاً؟ فيه وجهان.
وعلى فرض كونه كالأمر الأوّل مولويّاً يقع الكلام حينئذ في أنّه هل يجب حمل المطلق على المقيّد، أو أنّ ذلك مشروط بإحراز وحدة الحكم من وحدة السبب أو من الخارج؟
وبالجملة: فالكلام في وجوب الحمل وعدمه إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمرين متماثلين من حيث المولويّة، وإلاّ فلو كان الأمر الثاني أمراً إرشاديّاً، لامجال لهذا النزاع أصلا.
هذا، ولكنّ المتبادر من الأمر الثاني في المستحبّات أيضاً هو الإرشاد إلى اعتبار متعلّقه في تحقّق المأمور به بالأمر الأوّل، وحينئذ فاللاّزم القول باعتبار القيام، والاستقرار، والكون على الأرض، في صحّة الإقامة، وفاقاً للمفيد وجماعة(1)، وحيث إنّ الشهرة بين القدماء من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ
- (1) المقنعة: 99; المقنع: 91; النهاية: 66; المهذّب 1: 89; الحدائق الناضرة 7: 341ـ343; وحكاه في ذكرى الشيعة 3: 234 عن ابن الجنيد.
(الصفحة 553)
على خلاف ذلك، حيث إنّ المشهور مجرّد استحباب هذه الاُمور(1)، لا كونها معتبرة في الصحّة، مع أنّ تلك الأخبار المذكورة كانت بمرآى ومسمع منهم، فيشكل ما ذكرنا.
مضافاً إلى ما نعلم من أنّ الجوامع الأربعة التي بأيدينا، لا تكون جامعة لجميع الأخبار المأثورة عن الأئـمّة(عليهم السلام)، بل كان بعض الأخبار موجوداً في الجوامع الأوّليّة، ولم يكن منقولا في الجوامع الأربعة الثانويّة، والقرائن على ذلك كثيرة:
منها: اختلاف تلك الجوامع التي بأيدينا، فكلّ منها فاقد لبعض ما يوجد في الآخر؟ وغير ذلك من القرائن التي لا يناسب ذكرها المقام.
وحينئذ، فلا يبعد الأخذ بمقتضى فتوى المشهور لما ذكر، مضافاً إلى أنّه يمكن استشمام ذلك من بعض الأخبار المتقدّمة، حيث إنّه قد استثني فيه من حكم الإقامة المشي إلى الصلاة، ومضافاً إلى التعليل الوارد في أكثرها; من أنّ المقيم كأنّه في الصلاة; فإنّه يناسب الحكم باستحباب أن تكون الإقامة مع ما يعتبر في الصلاة من قيام، واستقرار، وغيرهما، لا أن يكون ذلك شرطاً فيها.
هذا، ولكن رعاية الحزم والاحتياط توجب عدم ترك شيء من هذه الاُمور.
خامسها: الطهارة من الحدث، ومقتضى الأخبار الواردة في هذا الباب التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبارها في الثاني دون الأوّل، وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب الأذان والإقامة، فراجع. والكلام في هذا الأمر عين الكلام في باب القيام.
- (1) الكافي في الفقه: 121; المراسم: 68; المبسوط 1: 95; الوسيلة: 92; تحرير الأحكام 1: 227، الرقم 754; منتهى المطلب 4: 402ـ403; بحار الأنوار 84: 114; الحدائق الناضرة 7: 340ـ341.
(الصفحة 554)
سادسها: الاستقبال، ومقتضى الأخبار جواز الأذان بل الإقامة إلى غير القبلة إذا كان التشهد إلى القبلة، ويمكن استفادة اعتبار الاستقبال في الإقامة من رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، المتقدمة في الأمر الرابع. وكيف كان، فلو دلّ الدليل على التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبار الاستقبال في الثاني دون الأوّل، فالكلام فيه حينئذ نظير الكلام في باب القيام.
ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار تلك الاُمور في صحّة الإقامة، أو قلنا باستحبابها فيها، فهل يستفاد من الأخبار المتقدّمة الدالّة على الشرطيّة أو الاستحباب التعميم بالنسبة إلى كل ما يعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً، فيعتبر، أو يستحبّ جميعها في الإقامة، مثل قصد القربة، أو عدم الالتفات، بحيث يرى خلفه من زواية عينه، وغير ذلك من الاُمور المعتبرة في الصلاة وجوداً، أو عدماً؟ وجهان:
من استفاده التعميم من التعليل في أكثر الأخبار المتقدّمة; بأنّ المقيم كأنّه في الصلاة; ولذا نهي في بعضها عن الإيماء باليد في الإقامة، ومن عدم الدليل على جواز التعدّي عن تلك الاُمور.
في موارد سقوط الأذان والإقامة
مسألة: يسقط الأذان خاصّة في موارد:
الأوّل: في الجمع بين الظهرين في يوم عرفه; فإنّه يسقط الأذان بالنسبة إلى صلاة العصر.
الثاني: في الجمع بين العشاءين بمزدلفة بالنسبة إلى العشاء، ويدلّ عليهما الأخبار الكثيرة:
منها: ما رواه الشيخ عن ابن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: السنّة في الأذان