(الصفحة 250)
معلومة، وإن لم يكن هي المأمور بها الواقعيّة، فلا ينفع ترتّبها على الظهر الواقعي؟ فكلّ محتمل يأتي به من العصر إمّا واجد للشرط على تقدير كونه هو المأمور به الواقعي، وإمّا لا ينفع ترتّبه على الظهر على تقدير عدم كونه كذلك، فلا تجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة هذه الخصوصيّة أيضاً.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا يجوز التمسّك باستصحاب عدم الإتيان بالظهر الواقعي; لأنّ ما يترتّب عليه إنّما هو عدم جواز الدخول في العصر الواقعي، ونحن أيضاً نقول به، ولذا لا نجوّز الإتيان بجميع محتملات العصر قبل الفراغ اليقيني من الظهر، ولكن ندّعي أنّ ما يأتي به هو العصر الواقعي لو كانت الصلاة السابقة عليه هي المأمور بها الواقعيّة; وعلى هذا فترتّبه على الظهر ثابت في جميع محتملاته.
ثمّ إنّه لا يجوز أن يبتدأ في هذا الفرض بمحتملات العصر إلى غير الجهة التي ابتدأ في الظهر بها; لأنّ مقتضى ما ذكرنا أنّ كلّ محتمل يأتي به من العصر مترتّب على الظهر على تقدير أن يكون هو المأمور به الواقعي، وفي صورة تخالف الجهتين لا يعلم بثبوت الترتّب على التقدير المذكور; لأنّ العصر الذي يأتي به على غير جهة الظهر يحتمل أن يكون هو المأمور به الواقعي; وحينئذ لا يكون واجداً لشرطه وهو الترتّب على الظهر، كما هو واضح.
مسألة: إذا كان على المتحيّر ـ الذي يجب عليه أن يصلّي إلى أربعة جوانب ـ صلاتان كالظهرين، ولم يتمكّن من الإتيان بجميع محتملاتهما، كالثمان في الفرض لضيق الوقت أو غيره، بل تمكّن من الإتيان بخمس أو ستّ أو سبع، فهل يجب عليه إيراد النقص على الاُولى وصرف الوقت في محتملات الثانية، أو أنّه يجب عليه رعاية محتملات الاُولى، وإيراد النقص على الثانية؟
(الصفحة 251)
وجهان مبنيّان على أنّ المقدار الذي يختصّ بالعصر من آخر الوقت هل هو مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعيّة، فلا يختلف باختلاف حال المكلّف من حيث العلم بالقبلة والجهل بها، أو مقدار ما يجب على المكلّف إتيانه، فيختلف باختلاف حاله، كصورة القصر والإتمام؟
فإنّ المقدار الذي يختصّ بالعصر من الوقت للمسافر هو مقدار إتيان ركعتين، وللحاضر مقدار إتيان أربع ركعات، فعلى الوجه الأوّل: يجب عليه إيراد النقص على الثانية، وعلى الثاني: تجب رعاية محتملات الثانية وإيراد النقص على الاُولى; هذا، والأظهر هو الأوّل.
واحتمل السيّد الطباطبائي(قدس سره) في العروة ثبوت التخيير بين إيراد النقص على الاُولى أو الثانية(1).
والظاهر أنّه لا وجه لهذا الاحتمال; لأنّ الأمر دائر بين الوجهين: إمّا أن نقول باختلاف مقدار وقت صلاة العصر باختلاف حالات المكلّف من حيث علمه بالقبلة أو جهله بها، أو نقول بعدم الاختلاف، فمقداره هو مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعيّة، فعلى الأوّل: يتعيّن إيراد النقص على الاُولى، وعلى الثاني: يتعيّن إيراده على الثانية، ولا يبقى وجه للتخيير بين الأمرين.
نعم، قد يقال في وجهه بناءً على الوجه الثاني ـ وهو اختصاص وقت العصر بمقدار الصلاة إلى القبلة الواقعيّة ـ بأنّ الأمر يدور بين الوجهين: أحدهما: حفظ شرطيّة القبلة في صلاة الظهر، وسقوطها بالنسبة إلى صلاة العصر، والآخر: عكس ذلك; لأنّ ما سوى الوقت المختصّ بالعصر مشترك بينه وبين الظهر، فيمكن
- (1) العروة الوثقى 1: 388، مسألة 1242.
(الصفحة 252)
رعاية القبلة في الاُولى بإتيان جميع محتملاتها، وسقوطها في الثانية، ويمكن العكس، وحيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر، فيجب الحكم بالتخيير، هذا.
ويمكن الذبّ عنه بأن يقال: إنّه لا إشكال في أنّ صلاة العصر مترتّبة على الظهر ومتأخّرة عنه، فمادام لم يأت بصلاة الظهر لا يكون قادراً عليها، فإذا كانت صحّة الثانية في الوقت المشترك تتوقّف على الإتيان بالظهر الواقعي، والمفروض أنّ المكلّف حين الإتيان بصلاة الظهر يكون قادراً على رعاية القبلة فيها بالإتيان بجميع المحتملات، فلا وجه للحكم بالتخيير بين مراعاتها في الظهر دون العصر والعكس، حيث إنّه بعد الإتيان بالظهر لا يكون متمكّناً من رعايتها في العصر، وذلك أنّ المكلّف الذي يكون بالفعل مختاراً، لا يجوز له أن يعامل مع نفسه معاملة المضطرّ لأجل أنّه يصير في الاستقبال مضطرّاً.
ألا ترى أنّه لو كان الشخص الذي عليه صلاتان ـ كالظهرين ـ عالماً بالقبلة غير متردّد فيها، ولكن لا يقدر على مراعاتها في كلتيهما، بل يتمكّن من حفظها في خصوص إحداهما، لا يجوز أن يراعي القبلة في الصلاة اللاحقة دون السابقة، وهكذا باقي الشروط والأجزاء، كما إذا لم يتمكّن من القيام في تمام ركعات صلاته، بل تمكّن منه في إحدى الركعات مثلا; فإنّه لا يجوز له أن يترك القيام في الركعات السابقة لأجل حفظه في الركعات اللاحقة، إلى غير ذلك من الموارد.
ثمّ إنّه بعد ورود النقص على الظهر بناءً على الوجه الأوّل، أو على العصر بناءً على الوجه الثاني، هل يجب عليه مقدار ما تمكّن من محتملات الظهر أو العصر، أو لا يجب عليه إلاّ الإتيان بصلاة واحدة إلى جهة واحدة؟ وجهان، فلو كان المكلّف متمكّناً من الإتيان بسبع صلوات، وقلنا بأنّه يجب إيراد النقص على الظهر مثلا، يجب عليه أن يأتي بثلاث محتملات الظهر على الأوّل، ويكتفي
(الصفحة 253)
بإتيان الواحدة على الثاني.
وهذان الوجهان متفرّعان على القولين في المسألة السابقة، وقد تقدّم اختيار الوجه الأوّل. هذا كلّه فيما إذا تمكّن من الإتيان بأكثر من أربع صلوات. وأمّا إذا لم يتمكّن إلاّ من الإتيان بأربع أو ثلاث أو اثنين، فهل يجب عليه أن يصلّيها للظهر إلاّ واحدة، أو أنّ الوقت المشترك بين الظهر والعصر قد انقضى، ودخل الوقت المختصّ بالعصر، فيجب عليه أن يصلّيها جميعاً للعصر؟ وجهان مبنيّان على الوجهين اللذين ذكرناهما آنفاً; من اختلاف مقدار وقت العصر باختلاف حال المكلّف من حيث العلم والجهل وعدمه.
فعلى الأوّل: يجب عليه أن يأتي بجميع المحتملات للعصر، وعلى الثاني: يجب أن يأتي بواحدة منها للعصر، وما بقي للظهر، وقد تقدّم أنّ الأظهر هو الوجه الثاني.
ثمّ إنّه بناءً على الوجه الثاني هل يجب عليه أن يصلّي مقدار ما تمكّن منه للظهر وإن كان أكثر من الواحدة، أو لا يجب عليه إلاّ الإتيان بواحدة فقط كالعصر؟ قولان، وقد تقدّم وجههما، ولا يخفى أنّ هذين القولين يجريان بناءً على الوجه الأوّل أيضاً، كما لا يخفى.
مسألة: كما أنّ المتحيّر في القبلة يجب عليه تكرار الصلاة إلى أربع جهات في الصلوات اليوميّة، كذلك يجب عليه التكرار مع فقد العلم والظنّ في الصلوات المندوبة وباقي الصلوات الواجبة، كصلاة الميّت وإن احتمل بعض فيها عدم وجوب التكرار(1)، ولكنّه لا وجه له.
- (1) الحدائق الناضرة 10: 422; مستند الشيعة 6: 313.
(الصفحة 254)
ولعلّ منشأ توهّمه أنّ وجوب التكرار في الصلوات اليومية إنّما هو لدلالة دليل شرعيّ تعبديّ، وهو غير متعرّض لحكم صلاة الميّت إذا اشتبهت القبلة وتردّدت بين الجهات الأربع، ولكن قد عرفت(1) أنّ وجوب التكرار إنّما هو حكم عقليّ، والأخبار تكون إرشاداً إليه.
نعم، الظاهر عدم وجوب التكرار في الصلوات التي لا يكون بناؤها على التكرار، كصلاة الجمعة والعيدين، هذا. ويجري حكم الظنّ أيضاً مع فقد العلم في باقي الصلوات الواجبة والمندوبة، وكما أنّ المتحيّر يجب عليه تكرار الصلاة، كذلك يجب عليه التكرار مع عدم العلم والظنّ في الأجزاء المنسية وسجدتي السهو، بناءً على وجوب الاستقبال لهما كما هو الظاهر من الأدلّة، فإذا كان وظيفته تكرار الصلاة إلى أربع جهات، وعلم بعد الإتيان بجميعها أنّه لم يأت بالتشهّد مثلا في شيء منها، يجب عليه قضاؤه إلى أربعة جوانب.
وأمّا إذا علم أنّ جزءاً قد نسيه في إحدى الصلوات المأتيّ بها، فيحتمل أن تجري قاعدة الفراغ; لأنّه وإن كان قاطعاً إجمالا بنسيان بعض الأجزاء، ومورد قاعدة الفراغ هي صورة الشكّ في الإتيان به، إلاّ أنّه لمّا كان المكلّف بالنسبة إلى المكلّف به الواقعي ـ الذي هي الصلاة إلى القبلة الواقعيّة ـ شاكّاً في الإتيان بالجزء، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ.
ويحتمل أن يقال بوجوب القضاء عليه إلى أربع جهات; لأنّه وإن كان شاكّاً في الإتيان بالجزء بالنسبة إلى المكلّف به الواقعي، إلاّ أنّ العقل الذي يحكم عليه بوجوب الصلاة إلى أربعة جوانب يقضي بوجوب القضاء إليها; لأنّه يجب عليه