(الصفحة 538)
استحبابه; لوجود القول بالاستحباب بين الفقهاء(1)، وصدق البلوغ بذلك(2)، كما هو واضح.
مسألة: في كيفيّة الأذان والإقامة
فاعلم أنّ المشهور بين الإماميّة في كيفيّة الأذان، أنّه عبارة عن التكبير أربع مرّات، والشهادة بالتوحيد مرّتين، والشهادة بالرسالة مرّتين، والدعاء إلى الصلاة مرّتين، والدعوة إلى الفلاح كذلك، والدعاء إلى خير العمل كذلك، والتكبير مرّتين، والتهليل مرّتين، فيكون مجموع الأذان ثماني عشرة كلمة(3).
ويظهر من بعض أصحابنا القول بكون التكبير في آخره أربع مرّات كالتكبير في أوّله(4). وعليه: فيكون عشرين كلمة، وخالف جميع العامّة في قول «حيّ على خير العمل» بعد قول «حيّ على الفلاح»(5) على ما تشهد به سيرتهم المستمرّة، ولا ريب في أنّه كان هذا القول من فصول الأذان في زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله). غاية الأمر أنّه لا يعلم لِمَ أُسقط ومن أسقطه بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله)؟! قد يقال كما قيل: بأنّه أُسقط في زمان عمر، وكان وجه إسقاطه إيّاه، توهّمه أنّه لو علم الناس بكون الصلاة خير الأعمال لم يرغبوا في الجهاد وتسامحوا فيه.
- (1) جواهر الكلام 9: 5ـ7.
- (2) أي يشمله أخبار من بلغ. راجع وسائل الشيعة 1: 80ـ82، أبواب مقدّمة العبادات، ب18.
- (3) تحرير الأحكام 1: 223ـ224، الرقم 737; مختلف الشيعة 2: 135; التنقيح الرائع 1: 191; المهذّب البارع 1: 348; المقتصر في شرح المختصر: 73; جامع المقاصد 2: 181; مسالك الأفهام 1: 187; روض الجنان فى شرح إرشاد الأذهان 2: 644ـ645; مجمع الفائدة والبرهان 2: 170; مفاتيح الشرائع 1: 116; بحار الأنوار 84: 109; مفتاح الكرامة 6: 465ـ469; مستند الشيعة 4: 478ـ481.
- (4) الهداية: 131، ب42; النهاية: 69; وانظر مصباح المتهجّد: 29; والخلاف 1: 278، مسألة 19.
- (5) الخلاف 1: 278، مسألة 19; تذكرة الفقهاء 3: 42; بداية المجتهد 1: 108.
(الصفحة 539)
وبالجملة: فلم يعلم تحقيقاً أنّه في أيّ زمان اُسقط، ومن كان مسقطاً له، وماوجه إسقاطه إيّاه؟ وإنّما المعلوم كون ذلك مورداً لاختلاف المسلمين، ومميّزاًللتشيّع عن التسنّن، بحيث يرتفع به صوت الشيعة عند القيام على العامّة، كما يظهر من بعض التواريخ. وعليه: فيسقط من فصول الأذان عندهم اثنتا كلمة.
وقال الشافعي بكون الأذان تسع عشرة كلمة في غير الفجر، وفيه إحدى وعشرون بزيادة الترجيع في الجمع، والتثويب في خصوص الفجر، والشهادة بالتوحيد مرّة واحدة بدل التهليل مرّتين في آخره(1).
والترجيع عبارة عن تكرار الشهادتين مرّتين اُخريين، بأن يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّتين، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله مرّتين مع إخفاض صوته، ثمّ يرجع ويرفع صوته بذلك. والتثويب عبارة عن قول: الصلاة خير من النوم في خلال الأذان أو بعده، ووافقه أبو حنيفة إلاّ في الترجيع والتثويب، فيكون الأذان عنده خمس عشرة كلمة.
وقال مالك: إنّ التكبير في أوّله مرّتان مع الترجيع، فيكون سبع عشرة كلمة، ووافقه أبو يوسف إلاّ في الترجيع، فيكون عنده ثلاث عشرة كلمة، وقال أحمد بالتخيير بين الترجيع وعدمه(2).
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الخلاف مع العامّة في خمسة موارد:
الأوّل: في الدعاء إلى خير العمل بعد الدعاء إلى الفلاح، وقد عرفت اتّفاقهم
- (1) مختصر المزني: 12; المهذّب 1: 109; المجموع 3: 100ـ102; الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6: 226ـ228; مغني المحتاج 1: 135ـ136; الخلاف1: 278، مسألة 19.
- (2) المجموع 3: 102; بداية المجتهد 1: 108ـ109; الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6: 227ـ228; بدائع الصنائع 1: 366; الخلاف 1: 279، ذ مسألة 19.
(الصفحة 540)
على نفيه.
الثاني: في الترجيع الذي حكم الشافعي ومالك باستحبابه، وأحمد بالتخيير بينه وبين عدمه.
الثالث: في التثويب الذي حكم الشافعي باستحبابه.
الرابع: في مقدار التكبير في أوّله، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنّه مرّتان لا أربع.
الخامس: في التهليل في آخره.
ويظهر من جميع من ذكرنا قوله(1): «والشهادة بالتوحيد مرّة واحدة» بدل التهليل مرّتين في آخره، ومخالفة مشهور الإماميّة وكذا العامّة مع بعض أصحابنا إنّما هو في مورد واحد، وهو مقدار التكبير في آخره، فظاهره أنّه أربع مرّات كالتكبير في أوّلة، خلافاً للمشهور بين المسلمين، حيث ذهبوا إلى أنّه مرّتان لا أربع.
هذا، ويوجد في بعض الكتب الفقهيّة اختلاف الأمصار الأربعة الإسلاميّة; أعني مكّة المكرّمة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، في الأذان.
فأذان مكّة المكرّمة عبارة عن التكبير أربع مرّات والشهادتين تربيعاً; بأن يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله أربع مرّات متعاقبة، ثمّ يعقّبه بالشهادة بالرسالة كذلك، ثمّ سائر الفصول مثنى مثنى.
وأذان المدينة هكذا إلاّ في تربيع الشهادتين; فإنّ أذانهم إنّما هو مع ترجيع الشهادتين لا تربيعهما، وقد مرّ تفسير الترجيع.
- (1) أي قول الشافعيّ المتقدّم.
(الصفحة 541)
وأذان الكوفة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل، وتثنية باقي الأذان، فيوافق مذهب الإماميّة إلاّ في فصل واحد قد عرفت اتّفاقهم على نفيه، وهو الدعاء إلى خير العمل.
وأذان البصرة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل، وتثليث الشهادتين وحيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح، يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّة، ثمّ يتبعه بالشهادة بالرسالة مرّة، ثمّ يدعو إلى الصلاة كذلك، ثمّ يدعو إلى الفلاح كذلك، ثمّ يعيد المجموع مرّة ثانية، ثمّ يعيدهنّ ثالثة(1).
والعجب أنّ كلاًّ منهم استند لمذهبه بالسيرة المستمرة من زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وهذا المعنى ممّا يدلّ على عدم اعتناء أكثر الصحابة بالأحكام الشرعيّة، وإلاّ فكيف يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الأمر المكرّر في كلّ يوم وليلة خمس مرّات، وحينئذ فيرتفع الاستبعاد عمّا ورد من الأئـمّة(عليهم السلام)ممّا يخالف جميعهم، كما هو واضح.
ثمّ إنّه يدلّ على ما ذهب إليه مشهور الإماميّة في كيفيّة الأذان، بعض الروايات الواردة في هذا الباب(2)، ولكونها موافقة للشهرة من حيث الفتوى، بل وكذا من حيث الرواية يجب الأخذ بها دون غيرها ممّا يدلّ بظاهره على خلاف المشهور; لما حقّقناه في الاُصول من أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة(3).
هذا كلّه في الأذان. وأمّا الإقامة، فالمشهور بين الإماميّة أنّها سبعة عشر فصلا(4)
- (1) بداية المجتهد 1: 108ـ109.
- (2) وسائل الشيعة 5: 413ـ427، أبواب الأذان والإقامة، ب19ـ22.
- (3) نهاية الاُصول: 541ـ543; وقد تقدّم فى ص475 و 484.
- (4) مدارك الأحكام 3: 281; كشف اللثام 3: 375; مفتاح الكرامة 6: 469ـ473; جواهر الكلام 9: 134ـ135; ويراجع المصادر التي ذكرناها في هامش ص538 في كيفيّة الأذان.
(الصفحة 542)
على ترتيب فصول الأذان، وينقص من التكبيرات في أوّله تكبيرتان، ويزاد فيها بدلهما قد قامت الصلاة مرّتين بعد قول حيّ على خير ا لعمل، وينقص أيضاً من التهليل في آخره مرّة واحدة، ومن قال من أصحابنا: إنّ الأذان عشرون فصلا، فقد ذهب إلى أنّ الإقامة اثنان وعشرون فصلا(1)، أثبت فيها جميع فصول الأذان مع زيادة قد قامت الصلاة مرّتين في الموضع المذكور.
وعليه: فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة عنده اثنين وأربعين فصلا، كما أنّ مجموع فصولهما عند المشهور خمسة وثلاثون فصلا.
ويدلّ عليه ما رواه في الكافي عن إسماعيل الجعفي قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً، الأذان ثمانية عشر حرفاً، والإقامة سبعة عشر حرفاً(2).
وغيرها ممّا يدلّ على ذلك، ولا ريب أنّ الترجيح معها; لكونها موافقة لفتوى المشهور، كما عرفت.
[ ما قيل باعتباره في الأذان والإقامة ]
مسألة: فيما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في الأذان والإقامة، وهي اُمور:
أحدها: ترك التكلّم، والكلام فيه قد يقع من حيث تكلّم المؤذّن في أثناء الأذان أو بعده، وقد يقع من حيث تكلّم المقيم نفسه في أثناء الإقامة أو بعدها، وقد يقع من حيث تكلّم المجتمعين في المسجد لإقامة صلاة الجماعة.
- (1) الهداية: 131، ب42; النهاية: 69; وانظر مصباح المتهّجد: 29; والخلاف 1: 279، مسألة 20.
- (2) الكافي 3: 302، ح3; تهذيب الأحكام 2: 59، ح208; الاستبصار 1: 305، ح1132; وعنها وسائل الشيعة 5: 413، أبواب الأذان والإقامة، ب19، ح1.