(الصفحة 200)
وقتها هو طلوع الفجر الكاذب(1)، وحكي عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ
من صلاة الوتر(2)، ونسبه في الحدائق إلى المشهور(3); لما ورد في بعض الأخبار من كونها من صلاة الليل، ولابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب.
فنقول: إنّها على ثلاث طوائف:
أمّا الطائفة الاُولى، فتدلّ بظاهرها على وجوب الإتيان بها قبل الفجر الصادق:
منها: رواية ابن أبي نصر قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن ركعتي الفجر؟ فقال: احشوا بهما صلاة الليل(4).
ومنها: رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): متى أُصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر، قلت له: إنّ أبا جعفر(عليه السلام) أمرني أن أُصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمّد، إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين، فأفتاهم بمرّ الحقّ، وأتوني شكّاكاً، فأفتيتهم بالتقيّة(5).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل
- (1) نسبه إلى السيّد المرتضى في المعتبر 2: 56; ومختلف الشيعة 2: 36; المبسوط 1: 76; جواهر الكلام 7: 377ـ383 ولم نعثر على من ادّعى الشهرة عاجلاً.
- (2) النهاية: 61; المهذّب 1: 70; غنية النزوع: 72; الوسيلة: 83; السرائر: 195 و 203; مختلف الشيعة 2: 37; تذكرة الفقهاء 2: 319، مسألة 40; قواعد الأحكام 1: 247; ذكرى الشيعة 2: 375; مفتاح الكرامة 5: 118.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 240; وهكذا في جامع المقاصد 2: 22; وروض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 493; وكشف اللثام 3: 64.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 132، ح511; الاستبصار 1: 283، ح1029; وعنهما وسائل الشيعة 4: 263، أبواب المواقيت، ب50، ح1.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 135، ح526; الاستبصار 1: 285، ح1043; وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، أبواب المواقيت، ب50، ح2.
(الصفحة 201)
الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان، أكنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة(1).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت: ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال: نعم(2).
ومنها: رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن أوّل وقت ركعتي الفجر؟ فقال: سدس الليل الباقي(3).
ومنها: ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام): وركعتي الفجر اُصليهما قبل الفجر، أو بعد الفجر؟ فقال: قال أبو جعفر(عليه السلام): احش بهما صلاة الليل، وصلّهما قبل الفجر(4).
ومنها: رواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال: قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(5).
ومنها: غير ذلك من الأخبار.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 133، ح513; الاستبصار 1: 283، ح1031; وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، أبواب المواقيت، ب50، ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 132، ح512; الاستبصار 1: 283، ح1030; وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، أبواب المواقيت، ب50، ح4.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 133، ح515; الاستبصار 1: 283، ح1033; وعنهما وسائل الشيعة 4: 265، أبواب المواقيت، ب50، ح5.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 133، ح516; الاستبصار 1: 283، ح1034; وعنهما وسائل الشيعة 4: 265، أبواب المواقيت، ب50، ح6.
- (5) الكافي 3: 448، ح25; تهذيب الأحكام 2: 336، ح1389; وص132، ح509; الاستبصار 1: 282، ح1027; وعنها وسائل الشيعة 4: 265، أبواب المواقيت، ب50، ح7.
(الصفحة 202)
وأمّا الطائفة الثانية، التي تدلّ على تعيّن الإتيان بهما بعد
الفجر:
فمنها: رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): صلّهما بعد ما يطلع الفجر(1).
ومنها: رواية يعقوب بن سالم البزّاز قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): صلّهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الاُولى قل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد(2).
ومنها: رواية إسحاق بن عمّار، عمّن أخبره، عنه(عليه السلام) قال: صلِّ الركعتين مابينك، وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر(3).
ودلالتها على تعيّن الإتيان بهما بعد الفجر ممنوعة; فإنّ المراد من كون الضوء حذاء رأسك هو الفجر الكاذب; لما عرفت من أنّه يطلع على شكل عموديّ; وتوهّم أنّ المراد به الإسفرار، مدفوع بأنّ الضوء حينئذ يحيط بجميع الأطراف ولا خصوصيّة لحذاء الرأس.
ومنها: غير ذلك من الأخبار.
وأمّا الطائفة الثالثة، التي تدلّ على التخيير بين الإتيان به قبل الفجر أو معه أو بعده:
فمنها: رواية ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن ركعتي الفجر متى
- (1) تهذيب الأحكام 2: 134، ح523; الاستبصار 1: 284، ح1040; وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، أبواب المواقيت، ب51، ح5.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 134، ح521; الاستبصار 1: 284، ح1038; وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، أبواب المواقيت، ب51، ح6.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 134، ح524; الاستبصار 1: 284، ح1041; وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، أبواب المواقيت، ب51، ح7.
(الصفحة 203)
اُصلّيهما؟ فقال: قبل الفجر، ومعه وبعده(1).
ومنها: رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الركعتين اللتين قبل الفجر؟ قال: قبيل الفجر، ومعه وبعده، الحديث(2).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق(عليه السلام): صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر، وعنده وبعده، تقرأ في الاُولى الحمد، وقل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية الحمد، وقل هو الله أحد(3).
ومنها: غير ذلك.
وهذه الطائفة الدالّة على التخيير شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بالحمل على التخيير، لكونها نصّاً في مضمونها، وهما ظاهرتان في وجوب التقديم أو التأخير، مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الاُولى لا يدلّ على الوجوب; لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة كان على الإتيان بهما بعد الفجر، تبعاً لعمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)(4)، وحينئذ فربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه، والروايات الدالّة على الإتيان بهما قبل الفجر إنّما كانت بصدد دفع هذا التوهّم، فلا يستفاد منها أزيد من الجواز.
وعليه: فالأمر بالإتيان بهما بعد الفجر كما في الطائفة الثانية يمكن أن يكون للتقيّة; لما عرفت من استمرار عمل العامّة عليه، ويدلّ على ذلك رواية أبي بصير المتقدّمة الدالّة على أنّ الإفتاء بالإتيان بهما بعد الفجر إنّما هو للتقيّة.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 134، ح519; الاستبصار 1: 284 ح1036; وعنهما وسائل الشيعة 4: 268، أبواب المواقيت، ب52، ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 340، ح1408; وعنه وسائل الشيعة 4: 269، أبواب المواقيت، ب52، ح5.
- (3) الفقيه 1: 313، ح1422; وعنه وسائل الشيعة 4: 269، أبواب المواقيت، ب52، ح6.
- (4) المغني لابن قدامة 1: 762 و 765; المجموع 4: 14; بداية المجتهد 1: 210ـ211.
(الصفحة 204)
هذا، وربما يقال في وجه الجمع بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الثانية هو الفجر الكاذب، فلا تنافي الطائفة الاُولى الدالّة على لزوم الإتيان بهما قبل الفجر، والإحشاء بهما في صلاة الليل; لأنّ المراد بالفجر فيها هو الفجر الصادق; لاستمرار وقت صلاة الليل إليه، وعدم انقطاع الليل بدخوله، ولكن فيه: أنّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق; لما عرفت من أنّ الفجر الكاذب لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة; فالوجه في الجمع ما ذكرنا.
وحينئذ، فيجوز الإتيان بركعتي الفجر قبله ومعه وبعده، ولكن يقع الإشكال في تحديد القبليّة، فذهب جماعة منهم المحقّق إلى أنّ أوّل وقتهما طلوع الفجر الأوّل(1)، وعن جماعة أنّ أوّل وقتهما الفراغ من صلاة الليل(2)، ومستند هذا القول الأخبار الدالّة على الإحشاء بهما في صلاة الليل(3).
وأمّا القول الأوّل: فذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئـمّة(عليهم السلام)، وقد عرفت(4) أنّ الذكر في هذه الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا. نعم، ورد في رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في تعيين أوّل وقت ركعتي الفجر التعيين بسدس الليل الباقي، فإن طابق السدس مع الفجر الكاذب يحصل التوافق، وإلاّ فيحصل التعارض بينها، وبين النصّ المكشوف بالفتاوى، والترجيح معه; لموافقته لفتوى المشهور.
هذا، ويمكن أن يكون مستندهم رواية أبي بكر الحضرمي قال: سألت
- (1) الشرائع 1: 63; وحكاه عنه، وعن المراسم: 63; والمبسوط 1: 76; وجمل السيّد في مفتاح الكراة 5: 119.
- (2) تقدّم تخريجها في ص199.
- (3) وسائل الشيعة 4: 263ـ265، أبواب المواقيت، ب50، ح1، 6 و 8.
- (4) في ص122 و 171 و 195.