(الصفحة 126)
صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أُصلّي المغرب إذا غربت الشمس وأُصلّي الفجر إذا استبان لي الفجر. فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا وهي طالعة على مرقد آخرين بعد. قال: فقلت: إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، وإذا طلع الفجر عندنا ليس علينا إلاّ ذلك، وعلى اُولئك أن يصلّوا إذا غربت عنهم(1).
ومنها: رواية عبيد بن زرارة أيضاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف اللّيل، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(2).
ومنها: رواية اُخرى لعبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها(3).
ومنها: رواية ربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهما قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا آتيناه إذا هو أبو عبدالله جعفر بن محمّد(عليهما السلام)، فنزلنا فصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له: جعلنا فداك هذه الساعة
تصلّي؟! فقال(عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(4).
- (1) أمالي الصدوق: 140، ح142; وعنه وسائل الشيعة 4: 179، أبواب المواقيت، ب16، ح22.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 27، ح78; الاستبصار 1: 262، ح941; وعنهما وسائل الشيعة 4: 181، أبواب المواقيت، ب16، ح24.
- (3) الكافي 3: 279، ح7; تهذيب الأحكام 2: 28، ح81; الاستبصار 1: 263، ح944; وعنها وسائل الشيعة 4: 178، أبواب المواقيت، ب16، ح16.
- (4) أمالي الصدوق: 140، ح143; وعنه وسائل الشيعة 4: 180، أبواب المواقيت، ب16، ح23.
(الصفحة 127)
ومنها: غير ذلك من الأخبار الظاهرة في تحقّق الغروب بمجرّد استتار القرص عن الأنظار.
وأمّا الطائفة الثانية ـ الدالّة على المذهب المشهور أو الأشهر بين الإماميّة ـ فهي أيضاً كثيرة:
منها: رواية بريد بن معاوية، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها(1).
وذكر هذه الرواية في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد(2)، وظاهره كونها ثلاث روايات، مع وضوح أنّها ليست إلاّ رواية واحدة، ثمّ إنّ الرواية وإن لم يكن فيها ذكر من الصلاة فضلا عن خصوص المغرب، إلاّ أنّ الظاهر كونها بصدد بيان ما به يتحقّق الغروب الذي يترتّب عليه أحكام كثيرة في الشرع، كجواز الإفطار عند تحقّقه، وجواز الدخول في صلاة المغرب، وغيرهما من الأحكام المترتّبة عليه.
والظاهر أيضاً أنّ المراد بمشرق الأرض ومغربها، هو مجموع الأرض التي تكون بحسب الحسّ متساوية السطح لأرض المصلّي، وحينئذ فيستفاد من الرواية أنّ الاعتبار إنّما هو بغيبوبة الشمس عن جميع الأرض المتساوية السطح لأرض المصلّي، بحيث لا يراها أحد من ساكني تلك الأرض، لا بغيبوبتها عن نظر المصلّي فقط.
ومنها: ما رواه عليّ بن أحمد بن أشيم، عن بعض أصحابنا،
- (1) الكافي 3: 278، ح2; وج4: 100، ح2; تهذيب الأحكام 2: 29، ح84، الاستبصار 1: 265، ح956; وعنها وسائل الشيعة 4: 172، أبواب المواقيت، ب16، ح1.
- (2) وسائل الشيعة 4: 175 و 176، أبواب المواقيت، ب16، ح7 و 11.
(الصفحة 128)
عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري كيف ذلك؟ قلت: لا. قال: لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا ـ ورفع يمينه فوق يساره ـ فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا(1).
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة، وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص(2).
ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن بكر بن محمّد، عن أبي عبدالله(عليه السلام)أنّه سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال: إنّ الله يقول في كتابه لإبراهيم: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّى)(3)، فهذا أوّل الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل، يعني نصف الليل(4).
ومنها: رواية شهاب بن عبد ربّه قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام) يا شهاب! إنّي اُحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً(5).
- (1) الكافي 3: 278، ح1; علل الشرائع: 349، ب60، ح1; تهذيب الأحكام 2: 29، ح83; الاستبصار 1: 265، ح959; وعنها وسائل الشيعة 4: 173، أبواب المواقيت، ب16، ح3.
- (2) الكافي 3: 279، ح4; وج4: 100، ح1; تهذيب الأحكام 4: 185 ح516; وعنهما وسائل الشيعة 4: 173، أبواب المواقيت، ب16، ح4.
- (3) سورة الأنعام 6: 76.
- (4) الفقيه 1: 141، ح657; تهذيب الأحكام 2: 30، ح88; الاستبصار 1: 264، ح953; وعنها وسائل الشيعة 4: 174، أبواب المواقيت، ب16، ح6.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 261، ح1040; الاستبصار 1: 268، ح971; علل الشرائع: 350، ب60، ح2; وعنها وسائل الشيعة 4: 175، أبواب المواقيت، ب16، ح9.
(الصفحة 129)
ومنها: رواية عمّار الساباطي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلّي حين يغيب الشفق(1).
ومنها: رواية محمد بن شريح، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عنوقت المغرب؟ فقال: إذا تغيّرت الحمرة في الاُفق، وذهبت الصفرة، وقبل أن تشتبك النجوم(2).
هذا، وليس في الرواية ما يدلّ على كون المراد بالحمرة هي الحمرة المشرقيّة، وحينئذ فيحتمل أن يكون المراد بها هي الحمرة المغربيّة. وعليه: فيكون المقصود بيان آخر وقت فضيلة المغرب، ولو سلّم أنّ المتبادر منها هي الحمرة المشرقيّة، فلاشبهة في أنّ ذيلها يكون بصدد بيان آخر الوقت، وحينئذ فتكون الرواية متعرّضة لبيان وقت المغرب أوّلا وآخراً.
هذا، والمراد بتغيّر الحمرة هل هو تغيّرها إلى السواد، أو إلى الصفرة، أو إلى الضعف؟ وجوه، الأظهر هو الوجه الأوّل.
ومنها: رواية عبدالله بن وضّاح قال: كتبت إلى العبد الصالح(عليه السلام): يتوارى القرص ويقبل الليل ثمّ يزيد الليل ارتفاعاً، وتستتر عنّا الشمس، وترتفع فوق الجبل حمرة، ويؤذّن عندنا المؤذّنون، أفأُصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إليّ: أرى لك أن تنتظر حتّى
تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينك(3).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 259، ح1033; الاستبصار 1: 265، ح960; مستطرفات السرائر: 95، ح8; وعنها وسائل الشيعة 4: 175، أبواب المواقيت، ب16، ح10.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 257، ح1024; وعنه وسائل الشيعة 4: 176، أبواب المواقيت، ب16، ح12.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 259، ح1031; الاستبصار 1: 264، ح952; وعنهما وسائل الشيعة 4: 176، أبواب المواقيت، ب16، ح14.
(الصفحة 130)
ومنها: رواية يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال لي: مسّوا بالمغرب قليلا; فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا(1).
ومنها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي نقل بعضها في الوسائل في كتاب الحجّ في باب الإفاضة من عرفات، فراجع(2).
إذا عرفت ذلك فنقول:
هذه الأخبار كما ترى يترائى منها التعارض مع الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ الاعتبار إنّما هو باستتار القرص، ولابدّ من بيان وجه الجمع بينهما، وعلى تقدير عدم إمكانه لابدّ من بيان أنّ الترجيح مع أيّهما؟ ونقول قبل ذلك: إنّ الاحتمالات المتصوّرة الجارية في أخبار الاستتار أربعة:
أحدها: أن يكون الاعتبار باستتار الشمس وغيبوبتها عن نظرنا ولو بسبب حاجب، أو مانع كالجبل ونحوه.
ثانيها: أن يكون الاعتبار باستتارها عن اُفق المصلّي، بحيث لا يكاد يراها أحد من الساكنين في هذا الاُفق ولو لم يكن في البين حاجب ولا مانع.
ثالثها: أن يكون الاعتبار باستتارها ووقوعها تحت الاُفق الذي يكون المصلّي واقعاً فيه، وكذلك عن اُفق جميع الأراضي الموافقة لهذه الأرض من حيث الاُفق.
رابعها: أن يكون المراد استتارها عن الاُفق الحقيقي المنصف للكرة.
وبالجملة: فكلمة الاستتار والغيبوبة وإن لم تكن مجملة من حيث المفهوم،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 258، ح1030; الاستبصار 1: 264، ح951; وعنهما وسائل الشيعة 4: 176، أبواب المواقيت، ب16، ح13.
- (2) وسائل الشيعة 13: 557، كتاب الحج، أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، ب22، ح2 و 3.