(الصفحة 142)
ومنها: رواية بكر بن محمد، عن أبي عبدالله(عليه السلام): إنّ آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق(1).
ومنها: غير ذلك من الأخبار.
هذا، ولا يخفى أنّ هذه الأخبار وإن كانت ظاهرة في أنّ آخر وقت المغرب
زوال الشفق، فينقضي وقته بذلك، إلاّ أنّه يجب رفع اليد عن هذا الظهور بالحمل على كونها بصدد بيان الوقت الأوّل; لظهور الأخبار الآتية بل صراحتها في امتداد وقت المغرب إلى الربع، أو إلى الانتصاف، أو إلى الفجر. ومن هنا يظهر أنّه يجب حمل تلك الأخبار على كونها بصدد بيان الوقت الثاني.
نعم، يقع النزاع في أنّ اختلاف الوقتين هل هو بالاختياريّة والاضطراريّة، أو بالفضيلة والإجزاء؟ وقد تقدّم(2) أنّ الحقّ هو الثاني.
وأمّا الطائفة الثالثة:
فمنها: ما رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(3)، ورواه في الوسائل مكرّراً.
وفي خبره الآخر قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل(4).
وعلى أيّ تقدير فيجب حملها على مراتب الفضيلة; لأنّ ذلك مقتضى الجمع بينها، وبين الأخبار الآتية الصريحة في الامتداد إلى الانتصاف، أو إلى الفجر.
- (1) الفقيه 1: 141، ح657; تهذيب الأحكام 2: 30، ح88; الاستبصار 1: 364، ح953; وعنها وسائل الشيعة 4: 174، أبواب المواقيت، ب16، ح6.
- (2) في ص90.
- (3) الكافي 3: 281، ح14; وعنه وسائل الشيعة 4: 194، أبواب المواقيت، ب19، ح2.
- (4) الكافي 3: 431، ح5; وعنه وسائل الشيعة 4: 193، أبواب المواقبت، ب19، ح1.
(الصفحة 143)
وأمّا الطائفة الرابعة: فكثيرة أيضاً.
منها: رواية داود بن فرقد المتقدّمة الدالّة على امتداد وقت المغرب إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أربع ركعات(1).
ومنها: ما رواه القاسم مولى أبي أيّوب، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل(2).
ومنها: مرسلة الكليني قال: وروي أنّ وقت المغرب في السفر إلى نصف الليل(3).
ومنها: غير ذلك من الأخبار.
وأمّا الطائفة الخامسة:
فبعضها تدلّ على الامتداد إلى الفجر مطلقاً، كرواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(4).
وبعضها واردة في خصوص النائم والساهي، كرواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إن نام رجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء أو نسي،
- (1) في ص91.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 27، ح78; الاستبصار 1: 262، ح941; وعنهما وسائل الشيعة 4: 181، أبواب المواقيت، ب16، ح24.
- (3) الكافي 3: 432، ذ ح5; وعنه وسائل الشيعة 4: 194، أبواب المواقيت، ب19، ح3.
- (4) الفقيه 1: 232، ح1030; تهذيب الأحكام 2: 256، ح1015; الاستبصار 1: 260، ح933; مستطرفات السرائر: 95، ح9; وعنها وسائل الشيعة 4: 159، أبواب المواقيت، ب10، ح9.
(الصفحة 144)
فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّيهما، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها، ثمّ ليصلّها(1).
ورواية ابن مسكان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّيهما، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس.
وروى عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) مثله(2).
وبعضها واردة في خصوص الحائض، كرواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر(3).
ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء(4).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 270، ح1077; الاستبصار 1: 288، ح1054; وعنهما وسائل الشيعة 4: 288، أبواب المواقيت، ب62، ح3.
- (2) الاستبصار 1: 288، ح1053; تهذيب الأحكام 2: 270، ح1076; وعنهما وسائل الشيعة 4: 288، أبواب المواقيت، ب62، ح4.
- (3) تهذيب الأحكام 1: 390، ح1203; الاستبصار 1: 143، ح489; وعنهما وسائل الشيعة 2: 363، أبواب الحيض، ب49، ح7.
- (4) تهذيب الأحكام 1: 390، ح1204; الاستبصار 1: 143، ح490; وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، أبواب الحيض، ب49، ح10.
(الصفحة 145)
ورواية داود الزجاجي، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة(1).
ورواية عمر بن حنظلة، عن الشيخ(عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر(2).
فهذه ثمانية أخبار يستفاد منها الامتداد إلى طلوع الفجر، ولأجل كثرتها لا مجال للخدشة فيها من حيث السند، مضافاً إلى أنّ بعضها صحيح ودلالتها على المقصود أيضاً واضحة، فلا مجال للمناقشة فيها.
وحملها على التقيّة ممّا لا وجه له بعدما عرفت(3) من أنّ القائل بالامتداد إلى طلوع الفجر من العامّة إنّما هو مالك، والمشهور بينهم هي المخالفة معه(4)، فلا وجه لصدور الحكم تقيّة.
نعم، يبقى الإشكال فيها من حيث إعراض المشهور عنها حتّى بالنسبة إلى المضطرّ، فإن ثبت ذلك يسقطها عن الحجّية، وإلاّ فاللاّزم العمل بها والأخذ بمقتضاها. وقد يقال بعدم ثبوت الإعراض، لنقل الشيخ في الخلاف في عبارته المتقدّمة، القول بالامتداد إلى الفجر عن بعض أصحابنا الإماميّة، وكذلك
- (1) تهذيب الأحكام 1: 390، ح1205; الاستبصار 1: 143، ح491; وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، أبواب الحيض، ب49، ح11، وفيه: «عن داود الدجاجي» بالدّال.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 391، ح1206; الاستبصار 1: 144، ح492; وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، أبواب الحيض، ب49، ح12.
- (3 ، 4) راجع ص139ـ140.
(الصفحة 146)
في المبسوط، ومثله المحقّق في المعتبر والشرائع(1)، واختاره بعض المتأخّرين، كصاحبي المدارك والمعالم، والوافي(2)، وتردّد فيه المحقّق الأردبيلي، وصاحب الكفاية(3)، وهذا المقدار يكفي في عدم ثبوت الإعراض.
هذا، مضافاً إلى أنّه ادّعى الشيخ في موضع آخر من الخلاف عدم الخلاف في ذلك، حيث قال: إذا أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر(4). انتهى.
وربما يتوهّم المناقضة بين هذا الكلام الظاهر في امتداد وقتهما إلى الفجر، بلا خلاف بين المسلمين حتى العامّة، وبين ما تقدّم من كلامه، نظراً إلى أنّ مقتضى ذلك أنّ القائل باشتراك الوقت وامتداده إلى الفجر إنّما هو مالك، وبعض أصحابنا الإماميّة(5)، ومقتضى هذا الكلام اتّفاق جميع المسلمين على الاشتراك والامتداد إلى الفجر، وهذان ممّا لا يجتمعان.
والذي يدفع التوهّم أنّ العامّة ـ مع قولهم بتباين الوقتين في الظهر والعصر، وكذا المغرب والعشاء ـ لا إشكال ولا خلاف بينهم في جواز الجمع في الجملة، إلاّ أنّ وجه الجمع عندهم يخالف ما هو الوجه عند الإماميّة، فالإماميّة يقولون بأنّ الجمع بين الصلاتين إنّما هو لبقاء وقت الاُولى، ودخول وقت الثانية، فإذا أتى
- (1) المبسوط 1: 75; المعتبر 2: 40; شرائع الإسلام 1: 61.
- (2) مدارك الأحكام 3: 54; وحكى في مفتاح الكرامة 5: 92، عن رسالة لصاحب المعالم، ولم نعثر على تلك الرسالة، مفاتيح الشرائع 1: 88; وانظر الوافي 7: 90.
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 28ـ29; كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77.
- (4) الخلاف 1: 273، مسألة 14.
- (5) الخلاف 1: 261ـ262، مسألة 6.