(الصفحة 145)
ورواية داود الزجاجي، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة(1).
ورواية عمر بن حنظلة، عن الشيخ(عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر(2).
فهذه ثمانية أخبار يستفاد منها الامتداد إلى طلوع الفجر، ولأجل كثرتها لا مجال للخدشة فيها من حيث السند، مضافاً إلى أنّ بعضها صحيح ودلالتها على المقصود أيضاً واضحة، فلا مجال للمناقشة فيها.
وحملها على التقيّة ممّا لا وجه له بعدما عرفت(3) من أنّ القائل بالامتداد إلى طلوع الفجر من العامّة إنّما هو مالك، والمشهور بينهم هي المخالفة معه(4)، فلا وجه لصدور الحكم تقيّة.
نعم، يبقى الإشكال فيها من حيث إعراض المشهور عنها حتّى بالنسبة إلى المضطرّ، فإن ثبت ذلك يسقطها عن الحجّية، وإلاّ فاللاّزم العمل بها والأخذ بمقتضاها. وقد يقال بعدم ثبوت الإعراض، لنقل الشيخ في الخلاف في عبارته المتقدّمة، القول بالامتداد إلى الفجر عن بعض أصحابنا الإماميّة، وكذلك
- (1) تهذيب الأحكام 1: 390، ح1205; الاستبصار 1: 143، ح491; وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، أبواب الحيض، ب49، ح11، وفيه: «عن داود الدجاجي» بالدّال.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 391، ح1206; الاستبصار 1: 144، ح492; وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، أبواب الحيض، ب49، ح12.
- (3 ، 4) راجع ص139ـ140.
(الصفحة 146)
في المبسوط، ومثله المحقّق في المعتبر والشرائع(1)، واختاره بعض المتأخّرين، كصاحبي المدارك والمعالم، والوافي(2)، وتردّد فيه المحقّق الأردبيلي، وصاحب الكفاية(3)، وهذا المقدار يكفي في عدم ثبوت الإعراض.
هذا، مضافاً إلى أنّه ادّعى الشيخ في موضع آخر من الخلاف عدم الخلاف في ذلك، حيث قال: إذا أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقلّ من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر(4). انتهى.
وربما يتوهّم المناقضة بين هذا الكلام الظاهر في امتداد وقتهما إلى الفجر، بلا خلاف بين المسلمين حتى العامّة، وبين ما تقدّم من كلامه، نظراً إلى أنّ مقتضى ذلك أنّ القائل باشتراك الوقت وامتداده إلى الفجر إنّما هو مالك، وبعض أصحابنا الإماميّة(5)، ومقتضى هذا الكلام اتّفاق جميع المسلمين على الاشتراك والامتداد إلى الفجر، وهذان ممّا لا يجتمعان.
والذي يدفع التوهّم أنّ العامّة ـ مع قولهم بتباين الوقتين في الظهر والعصر، وكذا المغرب والعشاء ـ لا إشكال ولا خلاف بينهم في جواز الجمع في الجملة، إلاّ أنّ وجه الجمع عندهم يخالف ما هو الوجه عند الإماميّة، فالإماميّة يقولون بأنّ الجمع بين الصلاتين إنّما هو لبقاء وقت الاُولى، ودخول وقت الثانية، فإذا أتى
- (1) المبسوط 1: 75; المعتبر 2: 40; شرائع الإسلام 1: 61.
- (2) مدارك الأحكام 3: 54; وحكى في مفتاح الكرامة 5: 92، عن رسالة لصاحب المعالم، ولم نعثر على تلك الرسالة، مفاتيح الشرائع 1: 88; وانظر الوافي 7: 90.
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 28ـ29; كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77.
- (4) الخلاف 1: 273، مسألة 14.
- (5) الخلاف 1: 261ـ262، مسألة 6.
(الصفحة 147)
بالظهر والعصر مثلا بعد الزوال بلا فصل، فهو جائز من حيث دخول وقت العصر بمجرّد الفراغ عن الظهر، كما أنّه لو أتى بهما في آخر الوقت يكون ذلك جائزاً من حيث بقاء وقت الظهر بعد.
ومن هنا يظهر أنّه لا يختصّ جواز الجمع بمورد دون مورد، ولا يتوقّف على العذر والعلّة كالسفر والمطر، كما روى ابن عباس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر(1). وقد عرفت أنّ تفريق النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين الظهرين، وكذا بين العشاءين غالباً إنّما كان لإدراك الفضيلة، لا لعدم دخول الوقت، كيف؟ وقد تواترت الروايات عن الأئـمّة الهداة(عليهم السلام)على اشتراك الظهرين في الوقت وكذا العشاءين.
هذا، وأمّا وجه الجمع عند العامّة، فهو لا يكون باعتبار بقاء الوقت ودخوله; فإنّ الجمع في اصطلاحهم عبارة عن وقوع إحدى الصلاتين في الوقت المختصّ بالاُخرى، كأنّ إحدى الصلاتين تضيف الاُخرى في وقتها، وحيث إنّ ذلك يحتاج إلى دليل; ولذا لا يجوز عندهم إلاّ في موارد مخصوصة، كالسّفر والمطر ونحوهما(2)، وقد عرفت(3) أنّهم أخذوا بجميع روايات ابن عباس إلاّ روايته في مسألة جواز الجمع مطلقاً.
وحينئذ فيظهر لك الوجه فيما ادّعاه الشيخ(رحمه الله) من عدم الخلاف في وجوب الإتيان بالمغرب والعشاء الآخرة إذا أدرك قبل طلوع الفجر مقدار خمس
- (1) تقدّم في ص101.
- (2) الاُمّ 1: 77; المجموع 4: 308ـ322; المغني لابن قدامة 2: 112ـ116; الشرح الكبير 2: 114ـ118; بداية المجتهد 1: 174ـ178; الخلاف 1: 588، مسألة 351; وص591، مسألة 353; تذكرة الفقهاء 2: 365، مسألة 66.
- (3) في ص101.
(الصفحة 148)
ركعات(1); فإنّ ذلك مورد لاتّفاق المسلمين وإن كان الوجه بينهم مختلفاً، كما عرفت.
وكيف كان، فيظهر من الشيخ عدم الإعراض عن أخبار الفجر ولو في خصوص مواردها، وحينئذ فيقع الكلام ـ بعد عدم إمكان الاعتماد برواية عبيد المتقدّمة الظاهرة في الامتداد مطلقاً; لضعف سندها ـ في أنّه هل يعمل بتلك الأخبار في خصوص مواردها; أعني النائم، والساهي والحائض، فيكون الوقت بالنسبة إليهم أوسع منه بالنسبة إلى غيرهم، أو أنّه يتعدّى عنها إلى مطلق ذوي الأعذار بإلغاء الخصوصيّة، أو يستفاد منها الإطلاق ولو بالنسبة إلى العامد، غاية الأمر أنّه عاص بالتأخير، للأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة التأخير عن انتصاف الليل(2)؟ وجوه.
ولا يخفى أنّه لا دلالة لما دلّ على ثبوت كفّارة صوم يوم على من أخّر العشاء عن الانتصاف(3) على انقضاء الوقت بذلك; لأنّه يحتمل أن تكون الكفّارة من جهة حرمة التأخير، لا خروج وقتها بذلك.
ويجري في الأخبار الواردة في خصوص الحائض احتمالات ثلاثة:
أحدها: أن تكون محمولة على الاستحباب، كما حكي عن الشيخ(رحمه الله)(4).
ثانيها: أن تحمل على الوجوب، ويكون المراد إتيانها إلى طلوع الفجر قضاءً، فتكون هذه الأخبار مخصّصة للأخبار الدالّة على عدم وجوب القضاء على
- (1) الخلاف 1: 273، مسألة 14.
- (2) وسائل الشيعة 4: 183، أبواب المواقيت، ب17.
- (3) الفقيه 1: 142، ح658; وعنه وسائل الشيعة 4: 214، أبواب المواقيت، ب29، ح3.
- (4) تهذيب الأحكام 1: 391، ذ ح1207.
(الصفحة 149)
الحائض إذا طهرت بعد انقضاء الوقت(1).
ثالثها: الحمل على ظاهرها، وهو وجوب إتيانهما عليها أداءً; لامتداد وقتهما إلى الفجر، ولا يخفى أنّ الاحتمال الأوّل خلاف الظاهر، والأظهر منها هو الاحتمال الأخير; فإنّ المتبادر من هذه الروايات امتداد وقت المغرب والعشاء إلى الفجر، كامتداد الظهرين إلى الغروب.
ثمّ إنّه قد يقال بترجيح الاحتمال الثالث; نظراً إلى أنّ مقتضى الاحتمال الثاني تخصيص العمومات الدالّة على عدم وجوب القضاء على الحائض إذا طهرت بعد مضيّ الوقت; ومقتضى الاحتمال الثالث خروج مورد الروايات عن تلك العمومات بنحو التخصّص، فيدور الأمر بين التخصيص والتخصّص، ولا ريب أنّ الترجيح مع الثاني، ولكن لا يخفى أنّ ذلك فيما إذا كان مراد المتكلّم مجهولا، فبأصالة العموم النافية للتخصيص يستكشف المراد.
وأمّا في مثل المقام ممّا إذا كان المراد معلوماً ـ لأنّ المفروض ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الحائض بعد الانتصاف; سواء كان من باب التخصيص أو التخصّص ـ فلا مجال حينئذ للتمسّك بأصالة العموم كما حقّقناه في الاُصول(2)، فانقدح ممّا ذكرنا أنّ مقتضى هذه الطائفة امتداد وقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر، وقد عرفت عدم ثبوت الإعراض عنها، فلابدّ من الجمع بينها، وبين الطائفة الرابعة الظاهرة في الامتداد
- (1) الكافي 3: 102، ح1 و 2; تهذيب الأحكام 1: 389، ح1198 و 1199; الاستبصار 1: 142، ح484 و 485; وعنها وسائل الشيعة 2: 361ـ362، أبواب الحيض، ب49، ح2 و 3.
- (2) نهاية الاُصول: 342ـ343.