(الصفحة 149)
الحائض إذا طهرت بعد انقضاء الوقت(1).
ثالثها: الحمل على ظاهرها، وهو وجوب إتيانهما عليها أداءً; لامتداد وقتهما إلى الفجر، ولا يخفى أنّ الاحتمال الأوّل خلاف الظاهر، والأظهر منها هو الاحتمال الأخير; فإنّ المتبادر من هذه الروايات امتداد وقت المغرب والعشاء إلى الفجر، كامتداد الظهرين إلى الغروب.
ثمّ إنّه قد يقال بترجيح الاحتمال الثالث; نظراً إلى أنّ مقتضى الاحتمال الثاني تخصيص العمومات الدالّة على عدم وجوب القضاء على الحائض إذا طهرت بعد مضيّ الوقت; ومقتضى الاحتمال الثالث خروج مورد الروايات عن تلك العمومات بنحو التخصّص، فيدور الأمر بين التخصيص والتخصّص، ولا ريب أنّ الترجيح مع الثاني، ولكن لا يخفى أنّ ذلك فيما إذا كان مراد المتكلّم مجهولا، فبأصالة العموم النافية للتخصيص يستكشف المراد.
وأمّا في مثل المقام ممّا إذا كان المراد معلوماً ـ لأنّ المفروض ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الحائض بعد الانتصاف; سواء كان من باب التخصيص أو التخصّص ـ فلا مجال حينئذ للتمسّك بأصالة العموم كما حقّقناه في الاُصول(2)، فانقدح ممّا ذكرنا أنّ مقتضى هذه الطائفة امتداد وقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر، وقد عرفت عدم ثبوت الإعراض عنها، فلابدّ من الجمع بينها، وبين الطائفة الرابعة الظاهرة في الامتداد
- (1) الكافي 3: 102، ح1 و 2; تهذيب الأحكام 1: 389، ح1198 و 1199; الاستبصار 1: 142، ح484 و 485; وعنها وسائل الشيعة 2: 361ـ362، أبواب الحيض، ب49، ح2 و 3.
- (2) نهاية الاُصول: 342ـ343.
(الصفحة 150)
إلى نصف الليل.
والاحتمالات في وجه الجمع ثلاثة:
الأوّل: أن يحمل أخبار الانتصاف على بيان آخر الوقت للمختار، وأخبار الفجر على بيان آخر الوقت للمضطرّ.
الثاني: أن يحمل أخبار النصف على بيان آخر وقت الفضيلة، وأخبار الفجر على بيان آخر وقت الإجزاء، ومرجع هذين الوجهين إلى وجه واحد; وهو كون كلّ من الطائفتين متعرّضة لتحديد أحد الوقتين المجعولين لكلّ صلاة، غاية الأمر أنّ اختلافهما بالاختيار والاضطرار عند الشيخ ومن تبعه(1)، وبالفضيلة والإجزاء عند غيرهم(2)، وهو الأقوى كما عرفت.
هذا كلّه بناءً على إلغاء الخصوصيّة من حيث الحيض، والنوم، والنسيان من أخبار الفجر، واستفادة العموم منها، وإلاّ وجب العمل بمضمونها في خصوص موردها.
الثالث: حمل أخبار الفجر على التقيّة; لموافقتها للعامّة إجمالا، وإن اختلفوا من حيث الامتداد إلى الفجر مطلقاً، كما ذهب إليه مالك(3)، أو الامتداد إليه في موارد مشروعيّة الجمع(4)، وحينئذ فلابدّ من طرح أخبار الفجر والأخذ بأخبار الانتصاف; لكونها بصدد بيان الحكم الواقعي، لما عرفت من أنّه ليس من الانتصاف في كلماتهم أثر أصلا; وهذا الاحتمال هو الذي يستفاد من فتاوى
- (1) المبسوط 1: 72 و 75; الخلاف 1: 271، مسألة 13; المهذّب 1: 71; الوسيلة: 81.
- (2) مسائل الناصريّات: 195; المراسم: 62; السرائر 1: 196; المعتبر 2: 26; الجامع للشرائع: 60; تذكرة الفقهاء 2: 300، مسألة 23; وحكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2: 4.
- (3) تقدّم في ص139.
- (4) تقدّمت في ص147.
(الصفحة 151)
فقهائنا الإماميّة في متونهم الفقهيّة(1)، مع أنّ مقتضى القاعدة الجمع بين الطائفتين بأحد من الوجهين الأوّلين; لأنّ الجمع الدلالي مقدّم على الجمع من حيث الجهة.
وحينئذ فطرح أخبار الفجر مشكل، إلاّ أن يثبت الإعراض، وقد عرفت عدم ثبوته، ولكنّ الأحوط حتى بالنسبة إلى موارد أخبار الفجر من الحائض، والنائم، والساهي، عدم قصد الأداء ولا القضاء بعد انتصاف الليل، بل قصد الإتيان بما في الذمّة، كما لا يخفى.
المسألة الخامسة ـ في أوّل وقت صلاة العشاء
قال الشيخ في كتاب الخلاف ما لفظه: الأظهر من مذهب أصحابنا ومن رواياتهم أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق الذي هو الحمرة(2)، وفي أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(3).
ولا خلاف بين الفقهاء أنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق، وإنّما اختلفوا في ماهيّة الشفق، فذهب الشافعي إلى أنّه الحمرة، فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء الآخرة، وروي ذلك عن عبدالله بن عمر، وعبدالله بن مسعود، وأبي هريرة، وعبادة بن الصّامت، وشدّاد بن أوس، وبه قال مالك، والثوري، ومحمّد(4). وقال قوم: الشفق هو البياض، لا تجوز الصلاة إلاّ بعد
- (1) مسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 274، مسألة 5; المراسم: 62; المبسوط 1: 75; غنية النزوع: 70; الوسيلة: 83; السرائر 1: 195; المعتبر 2: 43; الجامع للشرائع: 60; الدروس الشرعيّة 1: 139; مفاتيح الشرائع 1: 87.
- (2) الهداية: 130; المقنعة: 93; مسائل الناصريّات: 195; الكافي في الفقه: 137; المراسم: 62.
- (3) مسائل الناصريّات: 195ـ197.
- (4) السنن الكبرى للبيهقي 2: 104ـ106، ح1782ـ1789; أحكام القرآن للجصّاص 3: 258; المجموع 3: 44.
(الصفحة 152)
غيبوبته، ذهب إليه الأوزاعي، وأبو حنيفة، وزفر، وروي ذلك عن عمر بن عبدالعزيز، وهو اختيار المزني(1).
وذهب أحمد إلى أنّ وقتها في البلدان والأبنية غيبوبة البياض، وفي الصحاري والفضاء غيبوبة الحمرة; فإنّ البنيان يستر، فاحتيط بتأخير الصلاة إلى غيبوبة البياض ليتحقّق معه غيبوبة الحمرة. وفي الصحراء لا حائل يمنع من ذلك، فلم يعتبر ذلك، لا أنّه جعل الوقت مختلفاً في الصحاري والبنيان(2).
دليلنا: أنّ ما اعتبرناه من ذلك لا خلاف بين الطائفة المحقّة أنّه من الوقت، وليس هاهنا إجماع على أنّ ما قبله وقت، فوجب الاحتياط لئلاّ يصلّي قبل دخول الوقت، وقد تكلّمنا في الأخبار المختلفة في هذا المعنى في الكتابين المقدّم ذكرهما(3)، انتهى.
ويستفاد من ذلك تسالم المسلمين إجمالا على كون ما بين ذهاب الشفق بمعنى البياض، وثلث الليل وقتاً للعشاء، وإنّما وقع الاختلاف بينهم في وقتها أوّلا وآخراً، هذا. وقد نقل(قدس سره) أقوالا ثلاثة:
الأوّل: أنّ وقتها هو غيبوبة الشفق بمعنى الحمرة.
الثاني: دخول وقتها بغيبوبة الشمس، وهذا إنّما هو مع قطع النظر من حيث الاشتراك والاختصاص.
الثالث: دخول وقتها بغيبوبة الشفق بمعنى البياض، ولا يخفى أنّ العامّة
- (1) المجموع 3: 44; مغني المحتاج 1: 123; أحكام القرآن للجصّاص 3: 258.
- (2) مسائل أحمد بن حنبل 1: 230، الرقم 132.
- (3) الخلاف 1: 262، مسألة 7.
(الصفحة 153)
باعتبار إعراضهم عن أحد الثقلين(1) اللذين تركهما النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ وهو قول العترة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين ـ لم يكن لهم مستند فيما ذهبوا إليه في المقام إلاّ العمل المستمرّ من النبيّ(صلى الله عليه وآله)، حيث إنّه كان يفرّق بين العشاءين، ويصلّي صلاة العشاء بعد زوال الشفق(2).
وكذلك خبر جبرئيل المرويّ في كتب الفريقين(3) بأدنى اختلاف، وحملوا جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله) بين العشاءين على اختصاص ذلك بموارد خاصّة من السّفر والمطر ونحوهما; إذ قد عرفت(4) أنّ المراد بالجمع عندهم هو الإتيان بإحدى الصلاتين في الوقت المختصّ بالاُخرى، أعمّ ممّا إذا لم يدخل وقتها، أو دخل
وخرج، وحيث إنّ جوازه يكون على خلاف القاعدة، فلابدّ أن يقتصر على ما إذا دلّ الدليل على الجواز; وهي موارد الضرورة.
وأمّا ما رواه ابن عباس من أنّ النبيَّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا علّة(5)، فهو مردود ومطروح عندهم.
هذا، ولا يخفى أنّ استمرار عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) على ذلك لا يدلّ على ما ذكر; لما عرفت من أنّ تفريق النبيّ(صلى الله عليه وآله) والإتيان بالثانية في وقت واحد معيّن، إنّما هو
- (1) سنن الترمذي 5: 663، ح3797; صحيح مسلم 4: 1492، ح2408; المستدرك على الصحيحين 3: 160، ح4781، وغيرها; فليراجع كتاب الله وأهل البيت(عليهم السلام) في حديث الثقلين، الكافي 1: 294، قطعة من ح3; إرشاد المفيد 1: 233; أمالي الصدوق: 500، ح686; أمالي المفيد: 135، ح3; أمالي الطوسي: 162، قطعة من ح268; المراجعات 1: 27، المراجعة 8. وفي ذيله ذكر صور الحديث وموارد ذكره في كتب العامّة، وكذا في بحار الأنوار 23: 106ـ152.
- (2 ، 3) تقدّما في ص87.
- (4) في ص146ـ147.
- (5) تقدّم في ص113.