(الصفحة 168)
يذهب بك، تلك صلاة الصبيان(1).
ومنها: رواية عليّ بن عطيّة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنّه بياض نهر سوراء(2).
ومنها: مكاتبة أبي الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق واستبان، ولست أعرف أفضل الوقتين فأُصلّي فيه، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله. فكتب(عليه السلام)بخطّه وقرأته: الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض، وليس هو الأبيض صعداً، فلا تصلِّ في سفر ولا حضر حتّى تبيّنه; فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(3)، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة(4).
- (1) الفقيه 2: 81، ح361; تهذيب الأحكام 4: 185، ح514; وعنهما وسائل الشيعة 4: 209، أبواب المواقيت، ب27، ح1.
- (2) الفقيه 1: 317، ح1440; الكافي 3: 283، ح3; وج4: 98، ح2; تهذيب الأحكام 2: 37، ح118; وص185، ح515; الاستبصار 1: 275، ح997; وعنها وسائل الشيعة 4: 210، أبواب المواقيت ب27، ح2; وسوراء موضع في العراق في أرض بابل، معجم البلدان 3: 316.
- (3) سورة البقرة 2: 187.
- (4) الكافي 3: 282، ح1; تهذيب الأحكام 2: 36، ح115; الاستبصار 1: 274، ح996; وعنها وسائل الشيعة 4: 210، أبواب المواقيت، ب27، ح4.
(الصفحة 169)
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح ـ وهي الفجر ـ إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً(1).
ومنها: رواية هشام بن الهذيل، عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال: سألته عن وقت صلاة الفجر؟ فقال: حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء(2).
ومنها: غير ذلك ممّا يدلّ على أنّ وقت الصبح إنّما يدخل إذا طلع الفجر الثاني المسمّى بالفجر الصادق.
والفرق بينه، وبين الفجر الكاذب من وجوه:
الأوّل: أنّ الفجر الكاذب منفصل عن الاُفق، بخلاف الفجر الصادق; فإنّه متّصل به.
الثاني: أنّ الأوّل يكون عموديّاً، والثاني اُفقيّاً.
الثالث: أنّ الأوّل يكون عند حدوثه أشدّ ضوءاً; لأنّه يزول تدريجاً، والثاني بخلاف ذلك; فإنّه ينتشر قليلا قليلا، ويشتدّ ضوؤه تدريجاً.
هذا كلّه في وقت صلاة الصبح من حيث الابتداء.
وأمّا آخر وقتها، فلا خلاف بين المسلمين في امتداده إلى طلوع الشمس إجمالا(3)، وإن وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الإجزاء، أو آخر الوقت للمضطرّ، وأنّ آخره للمختار هو طلوع الحمرة المشرقيّة، فذهب إلى الأوّل
- (1) تهذيب الأحكام 2: 36، ح111; الاستبصار 1: 273، ح990; وعنهما وسائل الشيعة 4: 211، أبواب المواقيت، ب27، ح5.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 37، ح117; الاستبصار 1: 275، ح996; وعنهما وسائل الشيعة 4: 212، أبواب المواقيت، ب27، ح6.
- (3) غنية النزوع: 70; السرائر 1: 195; مفتاح الكرامة 5: 103ـ104; جواهر الكلام 7: 164، بداية المجتهد 1: 99.
(الصفحة 170)
أبو حنيفة(1)، وهو الأقوى، بناءً على ما اخترناه من أنّ الافتراق بين الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء، وحكي الثاني عن الشيخ(قدس سره)، بناءً على مااختاره من جعل الافتراق بينهما بالاختيار والاضطرار، وبه قال الشافعي، وأحمد(2).
ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى الاجماع ـ أخبار كثيرة:
منها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً، لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام(3).
والتعبير بلفظ «لا ينبغي» ظاهر في تأكّد الاستحباب، ودلالة الرواية على ما اخترناه من كون افتراق الوقتين بالفضيلة والإجزاء أوضح من دلالتها على مختار الشيخ(رحمه الله)، كما لا يخفى.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لكلّ صلاة وقتان، وأوّل الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، الحديث(4).
- (1) المبسوط للسرخسي 1: 288; النتف في الفتاوى: 37ـ38; أحكام القرآن للجصّاص 3: 250ـ251; الخلاف 1: 267، مسألة 10.
- (2) المبسوط 1: 75; النهاية: 59ـ60; تهذيب الأحكام 2: 38، ذ ح119; الاستبصار 1: 276، ذ ح999; الخلاف 1: 267، مسألة 10; الاُم 1: 74; المجموع 3: 45; الإنصاف 1: 438; بداية المجتهد 1: 99ـ100.
- (3) الكافي 3: 283، ح5; تهذيب الأحكام 2: 38، ح121; الاستبصار 1: 276، ح1001; وعنها وسائل الشيعة 4: 207، أبواب المواقيت، ب26، ح1.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 39، ح123; الاستبصار 1: 276، ح1003; وعنهما وسائل الشيعة 4: 208، أبواب المواقيت، ب26، ح5.
(الصفحة 171)
ولا يخفى ما في كلمة ينشقّ ويتجلّل في الروايتين من الاستعارة التخييليّة، حيث شبّه الفجر بشيء ينشقّ، كالحجر مثلا، والصبح بلباس يستر البدن، ثمّ ذكر المشبّه، أعني الفجر والصبح، وأسند إليه بعض خواصّ المشبّه به; وهو الانشقاق والتجلّل.
ومنها: رواية يزيد بن خليفة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء(1).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(2).
ومنها: رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا تفوت صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(3).
ومنها: غير ذلك ممّا يدلّ عليه.
ثمّ إنّ المشهور قد جعلوا آخر وقت الفضيلة هو طلوع الحمرة المشرقيّة(4)، مع أنّه ليس منه ذكر في النصوص والأخبار، ولا ملازمة بين الإضاءة والتجلّل المذكورين في الروايات المتقدّمة، وبين طلوع الحمرة كما هو واضح. وحينئذ فاللازم أن يقال بأنّ الشهرة تكشف عن وجود نصّ معتبر، غاية الأمر أنّه لم يصل
- (1) الكافي 3: 283، ح4; تهذيب الأحكام 2: 36، ح112، الاستبصار 1: 274، ح991; وعنها وسائل الشيعة 4: 207، أبواب المواقيت، ب26، ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 36، ح114; الاستبصار 1: 275، ح998; وعنهما وسائل الشيعة 4: 208، أبواب المواقيت، ب26، ح6.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 256، ح1015; الاستبصار 1: 260، ح933; مستطرفات السرائر: 95، ح9; وعنها وسائل الشيعة 4: 159، أبواب المواقيت، ب10، ح9; وفي بحار الأنوار 83: 55، ح8 عن مستطرفات السرائر.
- (4) مسالك الأفهام 1: 142; الحدائق الناضرة 6: 203; وهو خيرة نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 311; والدروس الشرعيّة 1: 140; وجامع المقاصد 2: 19; وكشف الغطاء 3: 121 وغيرها.
(الصفحة 172)
إلينا، كما هو الشأن في جميع الفتاوى المشهورة الخالية عن الدليل الظاهر.
ثمّ إنّه قد وقع الخلاف بين العامّة في أنّ التغليس بصلاة الصبح أفضل، أو أنّ الأفضل هو الإسفار بها؟ والمراد بالأوّل هو الإتيان بها في الغلس محرّكة; وهي الظلمة، وبالثاني الإتيان بهابعدالإضاءة، فذهب بعضهم إلى الأوّل استناداً إلى فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله)(1)، وبعضهم إلى الثاني استناداً إلى عمل بعض الخلفاء(2).
هذا، ولاريب عند الإماميّة في أنّ الأوّل أفضل; للأخبار الصادرة عن أئـمّتهم المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين(3).
المسألة الثامنة ـ فى وقت فضيلة العصر والعشاء
قد عرفت أنّ لكلّ صلاة وقتين; وأنّ افتراقهما إنّما هو بالفضيلة والإجزاء، وأنّ أوّل الوقت هو وقت الفضيلة، وحينئذ فلا إشكال في أنّ الإتيان بالظهر والمغرب والصبح في أوّل أوقاتها أفضل من التأخير عنه. نعم، وردت في الظهر روايات تدلّ بظاهرها على تأخيرها إلى القدم، أو القدمين، أو نحوهما(4). ولكن قد عرفت(5) فيما تقدّم أنّ ذلك إنّما هو لأجل النافلة، فلا يستفاد منها التأخير حتى بالنسبة إلى من لم يكن مريداً للإتيان بالنافلة، أو لم تكن مشروعة في حقّه، أو نحوهما كما هو واضح. فالأفضل في حقّ مثل
- (1) سنن أبي داود: 70، ح394; سنن ابن ماجة 1: 366، ح671; سنن الترمذي 1: 287، ح153; عون المعبود 2: 45.
- (2) المغني لابن قدامة 1: 405ـ406; الشرح الكبير 1: 442ـ443; بداية المجتهد 1: 99ـ100، المسألة الخامسة; الاُم 1: 75ـ76; الإنصاف 1: 438ـ439.
- (3) وسائل الشيعة 4: 207، أبواب المواقيت، ب26.
- (4) وسائل الشيعة 4: 140، أبواب المواقيت، ب8.
- (5) في ص80ـ81.