(الصفحة 187)
الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين(1).
والمراد بوقت الفريضة في السؤال هو وقت فضيلتها، أو وقت انعقاد الجماعة لها، وهو بعد مضيّ الذراع; لأنّ الإتيان بالنافلة قبل الذراع أفضل.
ويحتمل أن يكون المراد بوقت الفريضة، الوقت الذي لا تزاحم النافلة الفريضة فيه; لما عرفت من أنّ النافلة تزاحم الفريضة إلى الذراع وتصير مرجوحة بعده، فلا يستفاد من الرواية التوقيت بالنسبة إلى النافلة.
واحتمل صاحب المدارك في الرواية احتمالا آخر; وهو: أن يكون صدر الرواية متعرّضاً لحال النافلة المبتدأة; لأنّها هي التي يكون الإتيان بالفريضة
راجحاً عليها، وذيلها ـ وهو قوله(عليه السلام): «وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً» إلخ ـ إنّما هو دفع دخل; لأنّه بعدما حكم بترجيح الإتيان بالفريضة على النافلة المبتدأة، صار بصدد بيان الفرق بين النافلة المبتدأة، وصلاة الأوّابين ـ أي نافلة الظهر ـ لئلاّ يورد عليه بأنّه ما الفرق بينهما مع اشتراكهما في كونهما نافلة؟ فأجاب بثبوت الفرق بينهما من حيث مرتبة الفضيلة; فإنّ فضل نافلة الظهر بمرتبة تؤخّر الفريضة لأجلها(2).
هذه مجموع الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها القائل بالقول الثاني، وقد عرفت عدم دلالة شيء منها على هذا القول; فإنّ مفاد أكثرها هو بيان أنّ النافلة تزاحم الفريضة إلى أن يصير ظلّ الشاخص ذراعاً أو ذراعين. وأمّا إذا بلغ الفيء إليهما فلا تزاحم النافلة الفريضة، بل الفضل في تأخيرها عنها، لا أنّه يخرج
بذلك وقت النافلة وتصير قضاءً، فلا دلالة لها على ذلك أصلا.
- (1) الكافي 3: 289، ح5; وعنه وسائل الشيعة 4: 230، أبواب المواقيت، ب36، ح2 و 3.
- (2) مدارك الأحكام 3: 89.
(الصفحة 188)
بل يمكن أن يقال بدلالة بعضها على عدم خروج وقتها; فإنّ قوله(عليه السلام)في صحيحة زرارة المتقدّمة: «بدأت بالفريضة وتركت النافلة» يدلّ على جواز الإتيان بالنافلة بعد الفريضة إذا بلغ الفيء الذراع، وظاهره أنّ النافلة التي يجوز الإتيان بها بعد الفريضة في ذلك الوقت هي عين الطبيعة التي كانت تزاحم الفريضة قبله، ولو كانت موقّتة بالذراع مثلا ـ بحيث صارت قضاءً بعده ـ لم تكن النافلة البعديّة عين الطبيعة القبليّة; لما حقّق في محلّه من أنّ طبيعة القضاء مباينة لطبيعة الأداء، فلا يستفاد من الروايات بملاحظة ما ذكرنا أزيد من جواز مزاحمة النافلة للفريضة إلى الذراع، ويكون إدراكها أفضل من إدراك فضل وقت الفريضة، وبعد الذراع ينعكس الأمر من دون أن تصير النافلة قضاءً.
نعم، لا ينبغي الإشكال في كون النوافل موقّتة; لدلالة الأخبار الكثيرة على استحباب قضاء النوافل(1)، كما أنّ الظاهر عدم كون وقتها أوسع من وقت الفريضة، وحينئذ فبعد عدم ثبوت توقيتها إلى الذراع والذراعين، وكذا إلى المثل والمثلين، لا يبعد القول بامتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة، لكن لا يترتّب على هذا النزاع ثمرة مهمّة; إذ الإتيان بها قبل الذراع راجح بلا إشكال، والإتيان بها بعده قبل الفريضة مرجوح كذلك، والإتيان بها بعدها جائز بلا ريب; سواء كان قضاءً، أو أداءً; إذ على فرض صيرورتها قضاءً بعد الذراع لا مجال لاحتمال وجوب تأخيرها إلى الليل أو النهار الآتي كما هو واضح; فالأحوط فيما إذا أتى بها بعد الفريضة الإتيان بها بقصد ما في الذمّة.
هذا، وربما يتمسّك في بقاء وقتها بعد الذراع باستصحاب بقاء الوقت، أو عدم
- (1) وسائل الشيعة 4: 75، أبواب أعداد الفرائض، ب18.
(الصفحة 189)
خروجه، أو بقاء الرجحان، ولا يخفى ما فيه من الضعف; فإنّ ممّا يتقوّم به الاستصحاب أن يكون هنا متيقّن سابق يمكن إبقاؤه في الزمان اللاحق، ومن الواضح في المقام عدم ثبوت هذا الركن; فإنّ المتيقّن السابق هو وقوع النافلة في وقتها مقيّداً بما إذا أتى بها قبل الذراع، واستصحاب هذا المعنى لا يجدي لإثبات بقاء وقتها بعد الذراع أيضاً، بل لا يجري هذا الاستصحاب; لعدم كون هذه القضيّة الشرطيّة مشكوكة أصلا، فما وقع الشك فيه ـ وهو أصل جهة الوقتيّة ـ مشكوك من أوّل الأمر، وما كان متيقّناً ـ وهي القضيّة الشرطيّة ـ لا يكون مشكوكاً أصلا، كما هو واضح; هذا كلّه بالنسبة إلى آخر وقت نافلة الظهرين.
وأمّا أوّل وقتها، فلا إشكال ولا خلاف في جواز الإتيان بها من أوّل الزوال(1)، وحكي عن جماعة جواز تقديم نافلة الظهر على الزوال(2)، واستدلّوا على ذلك بروايات:
منها: رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام): عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار؟ قال: نعم، إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها(3)، والمراد بالزوال هي نافلة الظهر.
ومنها: رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال: إعلم أنّ النافلة
- (1) المجموع 4: 14; المغني لابن قدامة 1: 762; المقنعة: 90; المراسم 63; النهاية: 60; المهذّب 1: 70; غنية النزاع: 71; الوسيلة: 83; المعتبر 2: 48; الجامع للشرائع: 62; تذكرة الفقهاء 2: 316، مسألة 37; مختلف الشيعة 2: 33; جامع المقاصد 2: 20; كشف اللثام 3: 51; مفتاح الكرامة 2: 105.
- (2) منهم: الشهيد في ذكرى الشيعة 2: 360ـ361، والأردبيلي في مجمع القائدة والبرهان 2: 16 و 19; والسيّد العاملي في مدارك الأحكام 3: 73; والبهبهاني في الحاشية على مدارك الأحكام 2: 314ـ315.
- (3) الكافي 3: 450، ح1; تهذيب الأحكام 2: 268، ح1067; الاستبصار 1: 278، ح1011; وعنها وسائل الشيعة 4: 232، أبواب المواقيت، ب37، ح1.
(الصفحة 190)
بمنزلة الهديّة، متى ما أُتي بها قبلت(1).
ومنها: رواية محمد بن عذافر قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): صلاة التطوّع بمنزلة الهديّة، متى ما أُتي بها قبلت، فقدّم ما شئت، وأخّر منها ما شئت(2).
والظاهر ـ باعتبار أنّ الراوي عن عمر بن يزيد في الرواية المتقدّمة هو محمّد بن عذافر ـ اتّحاد الروايتين، وكون الرواية الثانية مرسلة بحذف الواسطة; لأجل الاعتماد عليها، ولا يخفى ظهورهما في النافلة المبتدأة، وعلى فرض الإطلاق تقيّدان بالأخبار الظاهرة في أنّ أوّل وقتها هو الزوال، كما مرّ أكثرها.
ومنها: رواية إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي أشتغل، قال: فاصنع كما نصنع، صلِّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر; يعني ارتفاع الضحى الأكبر، واعتدّ بها من الزوال(3).
ومنها: رواية القاسم بن الوليد الغسّاني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ستّ عشرة ركعة في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها، إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل(4).
ومنها: رواية عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: قال لي: صلاة النهار ستّ عشرة ركعة أيّ النهار شئت، إن شئت في أوّله،
- (1) الكافي 3: 454، ح14; وعنه وسائل الشيعة 4: 232، أبواب المواقيت، ب37، ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 267، ح1066; الاستبصار 1: 278، ح1010; وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، أبواب المواقيت، ب37، ح8.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 267، ح1062; الاستبصار 1: 277، ح1006; وعنهما وسائل الشيعة 4: 232، أبواب المواقيت، ب37، ح4.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 9، ح17; وص 267، ح1063; الاستبصار 1: 277، ح1007; وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، أبواب المواقيت، ب37، ح5.
(الصفحة 191)
وإن شئت في وسطه، وإن شئت في آخره(1).
ومنها: ما رواه عليّ بن الحكم، عن سيف، عن عبد الأعلى قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام)عن نافلة النهار؟ قال: ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت، إنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام) كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها، إنّما النافلة مثل الهديّة، متى ما أُتي بها قبلت(2).
والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع الرواية السابقة، وأنّ الواسطة في المرسلة هو سيف وعبدالأعلى، فلعلّ التفصيل في هذه الرواية وقع من الرواة تفسيراً لقوله(عليه السلام): «متى نشطت»، فلا حجّية فيه; إذ لا اعتبار بفهم الراوي.
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: ما صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)الضحى قطّ، قال: فقلت له: ألم تخبرني أنّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ فقال: بلى إنّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر(3).
هذا، ولا يخفى أنّ الاعتماد على هذه الأخبار في غاية الإشكال، وأنّ ما يمكن الاعتماد عليه منها هي روايتان واردتان في خصوص من يعلم بأنّه يشتغل بعد الزوال عنها، والباقي ليست بصريحة في جواز التعجيل، أو كانت ضعيفة من حيث السند.
وحينئذ فلو قيل بجواز التعجيل فإنّما هو في خصوص من يعلم بأنه يشتغل،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 8، ح15; وص267، ح1064; الاستبصار 1: 278، ح1008; وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، أبواب المواقيت، ب37، ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 267، ح1065; الاستبصار 1: 278، ح1009; وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، أبواب المواقيت، ب37، ح7.
- (3) الفقيه 1: 358، ح1567; وعنه وسائل الشيعة 4: 234، أبواب المواقيت، ب37، ح10.