(الصفحة 193)
بزوال الحمرة(1)، ولا يخفى ما فيه; فإنّ فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله)والأئـمّة(عليهم السلام) لا يدل إلاّ على كون ما قبل الشفق يصحّ فيه الإتيان بنافلة المغرب، إمّا لكونه أيضاً وقت إجزاء، أو أنّه وقت فضيلة. وأمّا خروج وقتها بذلك، فلا يستفاد من مجرّد الفعل; لأنّه لا لسان له كما هو واضح.
وأمّا كونه منساقاً من النصوص، فيرد عليه: المنع من ذلك; فإنّه لا يستفاد منها إلاّ مجرّد التحريص والترغيب بإتيانها، ولا دلالة لها على توقيتها إلى الشفق، بل يستفاد من صحيحة أبان بن تغلب خلاف ذلك.
حيث قال: صلّيت خلف أبي عبدالله(عليه السلام)المغرب بالمزدلفة، فلمّا انصرف أقام الصلاة فصلّى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثمّ صلّيت معه بعد ذلك بسنة فصلّى المغرب، ثمّ قام فتنفّل بأربع ركعات، ثمّ أقام فصلّى العشاء الآخرة، الحديث(2).
ودعوى أنّه لعلّه كان صلاّها قضاءً; لأنّ الفعل ممّا لا يعلم وجهه، مدفوعة بأنّ فعله(عليه السلام) هذا كان في مقام البيان، فلو كان قضاءً كان عليه البيان لئلاّ يشتبه الحكم.
هذا، واستدلّ المحقّق في المعتبر بأنّ ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت يستحبّ فيه تأخير العشاء، فكان الإقبال على النافلة حسناً، وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض، فلا تصلح للنافلة، ويدلّ على أنّ آخر وقتها ذهاب الحمرة، ما روي من منع النافلة في وقت الفريضة، روى ذلك جماعة، منهم: محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا دخل وقت الفريضة
- (1) الكافي 3: 280 و 281، ح9 و 16; تهذيب الأحكام 2: 260، ح1037; الاستبصار 1: 270، ح976; وعنها وسائل الشيعة 4: 187ـ188، أبواب المواقيت، ب18، ح2ـ4.
- (2) الكافي 3: 267، ح2; وعنه وسائل الشيعة 4: 224، أبواب المواقيت، ب33، ح1.
(الصفحة 194)
فلا تطوّع(1)،(2) انتهى.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ وقت فريضة العشاء يدخل بغروب الشمس كما عرفت(3)، وليس وقت زوال الحمرة مختصّاً بها ـ : أنّ مقتضى ما ذكره عدم جواز مزاحمة نافلة المغرب لفريضة العشاء بعد زوال الشفق، لا صيرورتها قضاءً بعد الإتيان بالعشاء، كما هو واضح.
وبالجملة: لم يثبت هنا ما يقتضي التوقيت إلى الشفق، وحينئذ فلابدّ من الأخذ بمقتضى الإطلاقات الواردة في نافلة المغرب. نعم، لا يجوز التمسّك بالاستصحاب لذلك، كما عرفت.
المسألة الثالثة ـ [ في وقت نافلة العشاء ]
لا إشكال في امتداد وقت نافلة العشاء بامتداد وقت فريضتها، وقد تحقّقت عليه الشهرة العظيمة، بل ادّعى المحقّق في المعتبر الإجماع عليه(4)، ويستحبّ أن تجعل نافلة العشاء خاتمة النوافل، للشهرة بين الأصحاب(5)، والدليل على الحكمين ذكر المسألتين في الكتب الموضوعة لنقل الفتاوى المأثورة
- (1) تهذيب الأحكام 2: 167، ح661; وص347، ح982; الاستبصار 1: 252، ح906; وعنهما وسائل الشيعة 4: 227، أبواب المواقيت، ب35، ح3.
- (2) المعتبر 2: 53.
- (3) في ص160.
- (4) المعتبر 2: 54; وكذا في منتهى المطلب 4: 97; وكشف اللثام 3: 12ـ13; والحدائق الناضرة 6: 223; ومفتاح الكرامة 5: 24ـ26 و 115; وجواهر الكلام 7: 309.
- (5) المبسوط 1: 76; النهاية: 60 و 119; الوسيلة: 83; السرائر 1: 202 و 306; شرائع الإسلام 1: 62; جواهر الكلام 7: 311ـ312; وفي مختلف الشيعة 2: 345; وذكرى الشيعة 2: 309; وكشف اللثام 3: 13ـ14، أنّه المشهور.
(الصفحة 195)
عن الأئمّـة(عليهم السلام) بعين ألفاظها الصادرة عنهم(1); فإنّك عرفت(2) أنّ ذلك يكشف عن وجود نصّ معتبر مذكور في الجوامع الأوّليّة، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا.
نعم، ربما يستدلّ للحكم الثاني بما رواه زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، حيث قال: وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك(3).
وفيه: أنّه لا دليل على كون المراد بالوتر الوتيرة التي هي نافلة العشاء، وماورد من أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر(4)، لا يكون شاهداً على هذا المعنى; إذ ليس في معنى البيتوتة النوم، بل المقصود به الإتيان بالليل كما يظهر ذلك بملاحظة موارد الاستعمالات، ويمكن الاستدلال لامتدادها بامتداد وقت الفريضة بالإطلاقات الواردة في المقام مع سلامتها عن المعارض، كما لا يخفى.
فرعان:
الأوّل: هل يعتبر في الوتيرة التي يؤتى بها بعد العشاء، البعديّة العرفيّة المتّصلة، كما يظهر من بعض المتأخّرين(5)، حيث اعتبر عدم الفصل المفرط بين فريضة العشاء ونافلتها، فلا يشرع الإتيان بها في آخر النصف مثلا مع الإتيان بالفريضة في أوّل الليل، أو لا يعتبر ذلك؟ وجهان.
- (1) المهذّب 1: 68 و 70; غنية النزوع: 72; الجامع للشرائع: 62; تذكرة الفقهاء 2: 318، ذ مسألة 38.
- (2) في ص122 و 171.
- (3) الكافي 3: 453، ح12; تهذيب الأحكام 2: 274، ح1087; وعنهما وسائل الشيعة 8: 166، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، ب42، ح5.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 341، ح1412; الفقيه 1: 128، ح604; علل الشرائع: 330، ب26، ح3 و 4; وب27، ح1; وعنها وسائل الشيعة 4: 94ـ95، أبواب المواقيت، ب29، ح1، 2، 4، 5 و 8.
- (5) جواهر الكلام 7: 309; مصباح الفقيه 9: 251.
(الصفحة 196)
ربما يستدلّ للأوّل بأنّ المنساق من الأدلّة الدالّة على بعديّتها(1) هو البعديّة المتّصلة، ولكن لا يخفى أنّ الظاهر كون البعديّة في نافلة العشاء، في مقابل القبليّة في نافلة الظهرين، فالمراد أنّ نافلة العشاء لابدّ أن يؤتى بها بعد العشاء لا قبل فريضتها، كما في نافلة الظهرين، ويدلّ على ذلك أنّه لا إشكال في أنّه لو اشتغل بعد العشاء بالنوافل يستحبّ له أن جعل الوتيرة خاتمة لها، كما ورد عليه النصّ أيضاً(2).
ومن المعلوم أنّه ربما تكون النوافل كثيرة كما في ليالي شهر رمضان، وحينئذ فلا تصدق البعديّة العرفيّة; لثبوت الفصل الطويل، اللّهمّ إلاّ أن يقال بأنّ الدليل الذي يستفاد منه البعديّة، يقيّد إطلاقه بما إذا كان الشخص آتياً بالنوافل، فلا يجوز التأخير في غير هذا المورد، وهو كما ترى.
الثاني: لو أتى بفريضة العشاء في آخر وقتها، فهل يشرع بعدها النافلة بحيث تكون أداءً، أم تصير قضاءً؟ لا يبعد أن يقال بأنّ المستفاد من النصوص الدالّة على امتداد العشاء إلى النصف أو الفجر(3) هو امتدادها بنافلتها; لأنّها من متمّماتها، فلا يستفاد منها التأخير.
المسألة الرابعة ـ في وقت صلاة الليل
لا إشكال في أنّ وقتها من أوّل انتصاف الليل إلى الفجر، كما استقرّت عليه الفتاوى(4)، ويدلّ عليه بعض النصوص، مثل مرسلة الصدوق قال: قال
- (1) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.
- (2) تقدّم في الصفحة السابقة.
- (3) وسائل الشيعة 4: 184ـ185، أبواب المواقيت، ب17، ح2، 4، 6; وص288: ب62: ح3 و 4.
- (4) مسائل الناصريّات: 198، مسألة 76; المراسم: 63; الخلاف 1: 533، مسألة 272; المهذّب 1: 70; الوسيلة: 83; السرائر 1: 195 و 202; المعتبر 2: 54; تذكرة الفقهاء 2: 318، مسألة 39; مفتاح الكرامة 5: 115ـ118; جواهر الكلام 7: 312ـ318.
(الصفحة 197)
أبوجعفر(عليه السلام): وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره(1). وضعفها منجبر بعمل الأصحاب ومطابقة فتوى المشهور(2)، مضافاً إلى أنّ المسألة من المسائل المذكورة في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئـمّة(عليهم السلام)، وحينئذ فلا يعبأ بما ذهب إليه بعض المتأخّرين من الخلاف في ذلك(3)، خصوصاً بعد استمرار عمل الأئمّـة المعصومين(عليهم السلام) على ذلك(4).
وبالجملة: فلا إشكال في ذلك، كما أنّه لا إشكال في جواز تقديمها على المسافر، أو شابّ تمنعه رطوبة رأسه، أو يشقّ عليه القيام، أو نحو ذلك(5)، كما أنّه لا إشكال في ثبوت القضاء لها لو لم يؤت بها في وقتها(6)، وكذا في كون القضاء أفضل من التقديم فيما إذا دار الأمر بينهما(7); لدلالة أخبار كثيرة على ذلك كلّه(8).
إنّما الإشكال في وجه مقالة المشهور(9); من أنّ كلّما قرب من الفجر كان أفضل، وأنّه هل يدلّ عليه دليل لفظيّ أم لا؟ وإن كان قد ادّعي عليه
- (1) الفقيه 1: 302، ح1379; وعنه وسائل الشيعة 4: 248، أبواب المواقيت، ب43، ح2.
- (2) مصباح الفقيه 9: 254ـ255.
- (3) ذخيرة المعاد: ص199 س34 إلى ص200 س3; وص201 س42 إلى ص202 س15.
- (4) وسائل الشيعة 4: 230ـ231، أبواب المواقيت، ب37، ح5; وكذا عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، كما في رواية زرارة الواردة في وسائل الشيعة 4: 157، أبواب المواقيت، ب10، ح3 وغيره.
- (5) المقنعة: 142; الخلاف 1: 537، مسألة 275; وفي جامع المقاصد 2: 43، أنّه المشهور.
- (6) الخلاف 1: 524، مسألة 265; السرائر 1: 276; تذكرة الفقهاء 2: 362.
- (7) النهاية: 61; المعتبر 2: 58; المختصر النافع: 69; الجامع للشرائع: 62; منتهى المطلب 4: 129; كشف اللثام 3: 117; مفتاح الكرامة 5: 223ـ224; جواهر الكلام 7: 333ـ336; وفي ذكرى الشيعة 2: 370، أنّه المشهور.
- (8) وسائل الشيعة 4: 255، أبواب المواقيت، ب45.
- (9) مفاتيح الشرائع 1: 93، مفتاح 104.