(الصفحة 392)
خُزُوز، وخُزَز، كصرد خرگوش نر، جمع خِزّان وأخِزّة، ومنه اشتقّ الخزّ(1).
وقال الفيّومي في المصباح: الخزّ اسم دابّة.
وقال ابن فرشته في شرح المجمع:
ثمّ اُطلق على الثوب المتّخذ من وبرها، والجمع: خُزُوز، مثل فَلس وفُلُوس، والخزز: الذكر من الأرانب، والجمع: خِزَّان، كصُرَد وصِردان(2)، انتهى.
وقال ابن فرشته في شرح المجمع: «الخزّ» صوف غنم البحر(3).
وقال في برهان قاطع: خزّ با تشديد ثانى، در عربى جانوريست معروف كه از پوست آن پوستين سازند، و جامه ابريشمى را نيز گفته اند(4).
وقال في المنجد: الخزّ: الحرير، ما نسج من صوف وحرير، جمع خُزُوز، والخُزَز: ذكر الأرانب، جمع خِزّان وأخزَّة، والخَزَّاز بائع الخزّ، والمخزَّة موضع الأرانب(5).
وقال أيضاً في معنى القُندُس والقُندُر ـ الذي احتمل بعض الفقهاء أن يكون هو الخزّ، حاكياً له عن بعض التجّار(6) ـ : إنّه نوع من الحيوانات المائيّة، له ذنب مفلطح قويّ، ولون أحمر قاتم يتّخذ منه الفراء(7). انتهى.
ولا يخفى أنّ الظاهر أن لا يكون «الخزّ» هو الأرانب، أو ذَكَرها، بل الخزز إنّما
- (1) منتهى الإرب 1: 314.
- (2) حكى عنه في مجمع البحرين 1: 508.
- (3) المصباح المنير: 168.
- (4) برهان قاطع 2: 744.
- (5) المنجد: 177.
- (6) المعتبر 2: 84.
- (7) المنجد: 657.
(الصفحة 393)
يقال على ذَكَر الأرانب، كما تدلّ عليه أغلب الكلمات المتقدّمة من أهل اللغة، كما أنّه لا يطلق «الخزّ» على الثوب المعمول من صوفها أو وبرها ممزوجاً بالإبريسم، أو غير ممزوج; لمخالفته لما يظهر من الأخبار الواردة عن الأئـمّة(عليهم السلام); من أنّه حيوان بحريّ تخرج من الماء أو تصاد من الماء، وإذا فقد الماء تموت، كما في بعضها(1)، أو أنّه ثوب منسوج من الوبر والإبريسم، كما في بعضها الآخر(2).
ويدلّ على أنّه ليس المراد بالخزّ هو الأرانب أو ذَكَرها، ما يظهر من بعض الأخبار من عدم جواز الصلاة في وبر الخزّ المغشوش بوبر الأرانب(3); فإنّ ظاهره أنّ وبر الخزّ يغاير وبر الأرانب. نعم، لا ينبغي توهّم المنافاة بين ما يظهر من بعضهم من أنّه كلب الماء(4)، ومن آخر من أنّه غنم البحر(5)، ومن ثالث من أنّه وبر السمك(6); لأنّ الظاهر أنّ مرجع ذلك كلّه إلى شيء واحد، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في التشبيه، كما لا يخفى.
وكيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال في كونه حيواناً من الحيوانات المائيّة، كما يدلّ عليه رواية ابن أبي يعفور الآتية، ورواية عبدالرحمن بن الحجّاج وغيرهما
- (1) الكافي 3: 399، ح11; تهذيب الأحكام 2: 211، ح828; وعنهما وسائل الشيعة 4: 360، أبواب لباس المصلّي، ب8، ح4.
- (2) وسائل الشيعة 4: 363ـ364، أبواب لباس المصلّي، ب10، ح2، 4 و 7; وص366ـ367، ح14 و 15.
- (3) الكافي 3: 403، ح26; علل الشرائع: 357، ب71، ح2; تهذيب الأحكام 2: 212، ح830 و 831; وعنها وسائل الشيعة 4: 361، أبواب لباس المصلّي، ب9، ح1.
- (4) الكافي 6: 451، ح3; علل الشرائع: 357، ب71، ح1; وعنهما وسائل الشيعة 4: 363، أبواب لباس المصلّي، ب10، ح1; وج24: 191، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، ب39، ح3.
- (5) مجمع البحرين 1: 508; مفتاح الكرامة 5: 442.
- (6) ذكرى الشيعة 3: 36.
(الصفحة 394)
من الروايات، وإطلاقه على الثوب المنسوج من وبره إنّما هو باعتبار إطلاقه على نفسه.
وإنّما الإشكال في أنّه هل يكون مثل السمك في أن لا يعيش في خارج الماء، ويكون إخراجه من الماء الذي يتعقّبه الموت تذكية له كالسمك، كما في بعض الروايات(1)، أو أنّه لا يموت بمجرّد خروجه من الماء، بل يكون كالحيوانات التي تعيش في الماء وفي خارجه معاً كالضفدع، كما في بعض الروايات الاُخر؟(2).
ثمّ إنّ المستفاد من بعض الروايات كرواية سعد بن سعد، عن الرضا(عليه السلام) ـ التي سيجيء نقلها ـ وغيرها، أنّه يمكن أن يعمل الثوب من وبر الخزّ من دون أن يكون ملصقاً بجلده. وعليه: فيشكل الأمر في الثوب الذي يكون لبسه متعارفاً في الشتاء في هذا الزمان الذي يسمّونه بـ «الخزّ»، ويكون وبره ملصقاً بجلده; لأنّ الظاهر أنّ وبره ليس بمقدار يمكن أن ينسج منه الثوب، فيخطر بالبال أنّه ليس هو الخزّ الملبوس في الأزمنة السالفة.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ التفصيل في جواز الصلاة بين الوبر والجلد من الخزّ بثبوت الجواز في الأوّل، والمنع في الثاني، كما يظهر من الحلّي في السرائر، والعلاّمة في المنتهى(3)، يمكن أن يكون وجهه القول بأنّه ميتة، إمّا لأنّ خروجه من الماء ليس مستلزماً لموته; لأنّه يعيش في خارج الماء أيضاً، ومن المعلوم عدم تعارف فري الأوداج الأربعة فيه، فلا يكون مذكّى، وإمّا لأنّ خروجه
- (1) وسائل الشيعة 4: 360، أبواب لباس المصلّي، ب8، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 9: 49، ذ ح205; وعنه وسائل الشيعة 24: 191، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، ب39، ح2.
- (3) تقدّم في ص390.
(الصفحة 395)
من الماء وإن كان ملازماً لموته، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ إخراجه منه حيّاً يكون تذكية له; لاحتمال اختصاص حصول التذكية بهذه الكيفيّة بالسمك.
ويمكن أن يكون الوجه فيه عدم الدليل على استثناء الصلاة في جلد الخزّ عن عموم الأدلّة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول، كما ثبت في الوبر. وعليه: فالأمر سهل بناءً على مذهب الحلّي من عدم حجّية خبر الواحد، وأمّا بناءً على مذهب العلاّمة(1) الموافق للمشهور(2)، فيشكل الأمر; لوجود الدليل كما سيظهر.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه يدلّ على صحّة الصلاة في جلد الخزّ الروايات الواردة في حكم الخزّ من حيث جواز الصلاة في وبره، أو مع جلده، ومن حيث جواز لبسه التي جمعها في الوسائل في الباب الثامن والتاسع والعاشر من أبواب لباس المصلّي، والخبر الخامس من الباب الثامن، وهو ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن معاوية بن حكيم، عن معمر بن خلاّد قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن الصلاة في الخزّ؟ فقال: صلِّ فيه(3); فإنّ الحكم بجواز الصلاة في الخزّ على نحو الإطلاق وترك الاستفصال يدلّ على جواز الصلاة في جلد الخزّ، كما يدلّ على جوازها في وبره.
ويدلّ على ذلك أيضاً الخبر الرابع من ذلك الباب، وهو ما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن قريب، عن ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)
- (1) أي حجّية خبر الواحد.
- (2) معالم الدين وملاذ المجتهدين في اُصول الفقه: 189ـ191.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 212، ح829; وعنه وسائل الشيعة 4: 360، أبواب لباس المصلّي، ب8، ح5.
(الصفحة 396)
إذ دخل عليه رجل من الخزّازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخزّ؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك إنّه ميّت وهو علاجي وأنا أعرفه، فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنّه علاجي وليس أحد أعرف به منّي.
فتبسّم أبو عبدالله (عليه السلام) ثمّ قال له: أتقول: إنّه دابّة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): فإنّك تقول: إنّه دابّة تمشي على أربع وليس هو في حدّ الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال الرجل: أي والله هكذا أقول، فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): فإنّ الله ـ تعالى ـ أحلّه وجعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها(1).
فإنّ الحكم بجواز الصلاة في الخزّ على نحو الإطلاق كما ورد في الجواب الأوّل وإن كان دالاًّ على جوازها في جلد الخزّ أيضاً، إلاّ أنّ اعتراض السائل على الإمام(عليه السلام)، حيث نفى البأس عن الصلاة فيه بأنّه لا وجه للحكم بذلك مع كونه ميتة، ربما يؤكّد أنّ المقصود في السؤال الأوّل إنّما هو الاستفتاء عن الصلاة في جلده، إذ لو كان المراد الصلاة في وبره لم يكن وجه للإشكال بذلك مع كون الوبر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة، فشمول الإطلاق للصلاة في جلده بل اختصاصه بذلك ممّا لا إشكال فيه، كما عرفت.
ثمّ لا يخفى أنّ المراد بقوله(عليه السلام) في ذيل الرواية: «فإنّ الله تعالى أحلّه» إلخ، ليس حلّية الأكل لأجل التشبيه بالحيتان كما توهّم، بل المراد هو حلّية استعمال
- (1) الكافي 3: 399، ح11; تهذيب الأحكام 2: 211، ح828; وعنهما وسائل الشيعة 4: 359، أبواب لباس المصلّي، ب8، ح4.