(الصفحة 404)
في أجزاء غير المأكول، الصلاة في جلد السنجاب(1)، ويدلّ عليه أخبار كثيرة:
منها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الفراء والسمّور والسّنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه(2)، والفراء جمع فرو، والمراد به إمّا ما يظهر من بعض اللغويّين(3) من أنّه الحمار الوحشي، وإمّا ما يقال له بالفارسية: «پوستين»(4).
وعلى الأوّل: لا يكون من أفراد غير المأكول، وعلى الثاني: يمكن أن يكون المراد به الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء، ويمكن أن يراد به مطلق الفراء. وعليه: فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له، والمراد بأشباهه إمّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل، وإمّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره.
وبالجملة: فدلالتها على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيها.
ومنها: ما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق، عمّن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الصلاة في السمّور والسّنجاب والثعلب؟ فقال: لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب; فإنّه دابّة
- (1) المقنع: 79; المبسوط 1: 82ـ83; المعتبر 2: 85ـ86; شرائع الإسلام 1: 69; إرشاد الأذهان 1: 246; منتهى المطلب 4: 218; الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي) 1: 101; حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 67.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 210، ح825; الاستبصار 1: 384، ح1459; وعنهما وسائل الشيعة 4: 350، أبواب لباس المصلّي، ب4، ح2.
- (3) معجم تهذيب اللغة 3: 2755; النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3: 422; لسان العرب 5: 103.
- (4) فرهنگ عميد: 760.
(الصفحة 405)
لا تأكل اللحم(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن علي بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبدالله وأبا الحسن(عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلّ فيها إلاّ في ما كان منه ذكيّاً. قال: قلت: أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال: بلى، إذا كان ممّا يؤكل لحمه. قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب; فإنّه دابّة لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله); إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب(2).
قوله(عليه السلام): «إذا كان ممّا يؤكل لحمه» إنّما يكون قيداً لجواز الصلاة في الذكي، لا لقوله: «بلى»، كما لا يخفى.
والتعليل الوارد في هذه الرواية والتي قبلها لجواز الصلاة في السنجاب، بأنّه دابّة لا تأكل اللحم، يشعر بثبوت الحكم في كلّ ما يكون كذلك; أي غير سبع، مع أنّ الأمر ليس كذلك، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّه ليس علّة للحكم، بل حكمة له.
ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن داود الصرمي، عن بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الفنك والفرا والسّنجاب والسمّور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقيّة؟ قال: فقال: صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزميّة،
- (1) الكافي 3: 401، ح16; الاستبصار 1: 384، ح1456; وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح2.
- (2) الكافي 3: 397، ح3; تهذيب الأحكام 2: 203، ح797; وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح3.
(الصفحة 406)
ولاتصلِّ في الثعالب ولا السمّور(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن عليّ بن مهزيار، عن أبي عليّ بن راشد قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال: أيّ الفراء؟ قلت: الفنك والسّنجاب والسمّور. قال: فصلّ في الفنك والسنجاب، فأمّا السمّور فلا تصلّ فيه، الحديث(2).
ومنها: ما رواه الصدوق عن يحيى بن أبي عمران أنّه قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): في السنجاب والفنك والخزّ وقلت: جعلت فداك أُحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك. فكتب بخطّه إليّ: صلّ فيها(3).
ومنها: غير ذلك ممّا يدلّ على جواز الصلاة في السنجاب.
وقد يناقش(4) في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في السّنجاب بالخصوص ـ كرواية ابن أبي حمزة ـ لا يخلو من ضعف بعض رواته وجهالة بعض الآخر، مضافاً إلى الإرسال في بعضها.
وما يدلّ منها على جواز الصّلاة في السنجاب وفي غيره من الحواصل، أو الفنك والخزّ، أو السمّور والثعالب يجب حمله على التقيّة، لتطابق الفتاوى على عدم جوازها في غير السنجاب(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 210، ح823; الاستبصار 1: 384، ح1458; وفيه: بشير بن يسار، وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح4.
- (2) الكافي 3: 400، ح14; تهذيب الأحكام 2: 210، ح822; الاستبصار 1: 384، ح1457; وعنها وسائل الشيعة 4: 349، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح5.
- (3) الفقيه 1: 170، ح804; وعنه وسائل الشيعة 4: 349، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح6.
- (4) المهذّب البارع 1: 319ـ322; مفتاح الكرامة 5: 451ـ452.
- (5) تذكرة الفقهاء 2: 467، مسألة 120; وص470، مسألة 123; الدروس الشرعيّة 1: 150; البيان: 120; حاشية شرائع الإسلام المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 129ـ130; مدارك الأحكام 3: 170ـ173; مستند الشيعة 4: 326ـ335; جواهر الكلام 8: 169ـ180، ويراجع ص404.
(الصفحة 407)
هذا، مضافاً إلى أنّ العموم الوارد في مقام المنع عن الصلاة في غير المأكول قد ورد في مورده خصوص السنجاب وغيره، كما في موثّقة ابن بكير المتقدّمة(1); فإنّ الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في غير المأكول ـ كما في كتاب زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ وارد بعد سؤال الراوي ـ وهو زرارة ـ عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فتخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب، بهذه الأخبار الدالّة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن، كما لا يخفى، مضافاً إلى وجود المعارض لها; وهي الروايات الدالّة بالصراحة على المنع في السنجاب وأمثاله.
هذا، وقد يجاب عن الإشكال الثاني بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصّة الواردة في موردها العموم عن تحته، كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العامّ، أو أزيد من واحد واُريد إخراج الجميع، وأمّا إذا اُريد إخراج بعضه كما في مثل المقام، فلا نسلّم استهجان التخصيص. هذا، وفيه تأمّل.
والإنصاف أن يقال: إنّه لو قلنا بكون ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون العامّ شاملا له ودالاًّ عليه بالنصوصيّة; سواء كان الفرد واحداً أو أزيد، اُريد إخراج البعض أو الجميع كما يظهر من صاحب الجواهر(رحمه الله)(2)، فاللاّزم أن يعامل معه ومع الدليل الدالّ على التخصيص معاملة المتعارضين.
- (1) في ص347ـ348.
- (2) جواهر الكلام 8: 163ـ164.
(الصفحة 408)
وأمّا لو سلّمنا ذلك في خصوص ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد، وأُريد إخراج الجميع، وقلنا بأنّه لا فرق بينه، وبين سائر الموارد في أنّ الإرادة الاستعماليّة تعلّقت بجميع أفراد العامّ، والدليل على التخصيص يدلّ على تعلّق الإرادة الجدّية بما عدا الفرد المخصّص، فاللازم أن يعامل معهما معاملة العموم والخصوص، وتخصيص منع الصلاة في أجزاء غير المأكول فيما نحن فيه بما عدا السنجاب.
فمقتضى هذا الوجه جواز الصلاة فيه، ولا يعارضه بعض الروايات الدالّة على المنع في خصوص السنجاب وأشباهه; لأنّها مردودة بالإرسال وغيره.
وأمّا بناءً على الوجه الأوّل الذي يجب الرجوع معه إلى المرجّحات، فجواز الصلاة في السنجاب غير خال عن الإشكال; لأنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى على ما هو مقتضى التحقيق، ومن المعلوم عدم تحقّقها هنا، كما يظهر لمن راجع فتاواهم. وثانيها هي مخالفة العامّة، وهي وإن كانت ثابتة في موثّقة ابن بكير وأمثالها ممّا يدلّ على عموم المنع للسنجاب وغيره، إلاّ أنّ في الروايات الدالّة على الجواز جهة لا يمكن حملها معها على التقيّة; وهي اشتمال كثير منها على المنع عن الصلاة في الثعالب وغيرها ممّا يجوز الصلاة فيها عندهم، فيجب الرجوع إلى سائر المرجّحات.
هذا، والحقّ أن يقال: بأنّ ورود العامّ في مورد بعض الأفراد لا يوجب شموله له بالنصوصيّة في مثل المقام; لأنّ غرض الإمام(عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم، والفرق بين الحيوانات التي يحلّ أكلها وغيرها، في مقابل العامّة(1) القائلين بصحّة الصلاة في أجزاء جميع الحيوانات، ولذا أخرج