(الصفحة 440)
ثمّ إنّ الظاهر باعتبار عدم ورود لفظ الشُمشك في كتب لغة العرب على ماتتبّعنا أنّه معرّب چمشك، أو چمش، وهما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن وصول الأصابع إلى الأرض، بل إلى رأسه، ويستر أكثر ظهر القدم، ثمّ إنّه بناءً على التعميم هل يكون المنع مختصّاً بما يستر جميع ظهر القدم، أو يعمّ ما يستر أكثره أو ولو بعضه؟ الظاهر هو الثاني كما لا يخفى.
وأيضاً الظاهر اختصاص الحكم بما يكون معدّاً لأن يمشى به، فلا يعمّ مثل الجورب المنسوج من القطن أو الصوف إذا لم يكن ساتراً للساق. نعم، الأقوى الحكم بمنع الصلاة فيهما فيما إذا لزم من الصلاة فيهما الإخلال ببعض ما يعتبر فيها، كوصول الأصابع إلى الأرض أو إلى ما يتّصل بها، وفي غير هذه الصورة الأحوط ذلك.
(الصفحة 441)
[ طهارة لباس المصلّي ]
الأمر السادس: من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن يكون طاهراً من الخبائث، كالبول، والدم، وغيرهما، فالصلاة في اللباس النجس في الجملة فاسدة(1)، ولا يخفى أنّ أكثر النصوص الواردة في هذا الباب إنّما تدلّ على بطلان الصلاة في بعض أفراد النجاسات(2)، وأمّا الروايات الدالّة على حكم الصلاة في الثوب النجس وأمثاله من العناوين العامّة الشاملة لجميع النجاسات، فقليلة بالإضافة إلى الاُولى.
ولا بأس بذكر بعضها، مثل:
ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن
- (1) الخلاف 1: 472، مسألة 217; غنية النزوع: 65ـ66; السرائر 1: 179 و 183; المعتبر 1: 441; منتهى المطلب 3: 242; وج4: 234; تذكرة الفقهاء 2: 477، مسألة 125; ذكرى الشيعة 1: 140ـ141; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 449ـ450; مفتاح الكرامة 1: 521ـ525; مستند الشيعة 4: 252، وقد ادّعى أكثر هؤلاء الإجماع عليه.
- (2) وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب9; وج3: 460ـ473، أبواب النجاسات، ب33ـ38; وص474ـ487، ب40ـ46.
(الصفحة 442)
أبي جعفر(عليه السلام) قال: لا صلاة إلاّ بطهور، ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله). وأمّا البول; فإنّه لابدَّ من غسله(1); فإنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّه لا تختص الطهارة المعتبرة في الصلاة بالطهارة من الأحداث، بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث، كما لا يخفى.
وما رواه الشيخ بالسند المذكور عن زرارة قال: قلت: أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شيء من منيّ ـ إلى أن قال: ـ قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا صلّيت وجدته. قال: تغسله وتعيد الصلاة. قلت: فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً، ثمّ صلّيت فرأيت فيه. قال: تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً، الحديث(2).
فإنّ السؤال وإن كان عن الصلاة في الثوب الذي شكّ في إصابة الدم أو المنيّ إيّاه، إلاّ أنّ الجواب باعتبار اشتماله على ذكر الطهارة من دون التقييد بشيء يدلّ على اعتبار الطهارة مطلقاً في صحّة الصلاة.
وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام)وأنا حاضر: إنّي اُعير الذمّيّ ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام): صلّ فيه ولا تغسله
- (1) تهذيب الأحكام 1: 49، ح144; وص209، ح605; الاستبصار 1: 55، ح160; وعنهما وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب9، ح1.
- (2) تأتي بتمامها في ص462.
(الصفحة 443)
من أجل ذلك; فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه(1)، ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة.
ومثلها ما رواه أيضاً عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصلاة وكُتبت له(2).
فإنّ الحكم المذكور في الجواب وإن كان مخالفاً لما هو المشهور(3)من وجوب الإعادة في هذه الصورة، إلاّ أنّه يعلم من السؤال والجواب مفروغيّة اعتبار الطهارة من كلّ قذر في صحّة الصلاة.
ومنها: ما رواه أيضاً عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى. وعن محمّد بن يحيى الصيرفي، عن حمّاد بن عثمان، عمّن رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس(4); فإنّ مفهومها يدلّ على مانعيّة القذارة وشرطيّة عدمها مطلقاً.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 361، ح1459; الاستبصار 1: 392، ح1497; وعنهما وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب74، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 423، ح1345; وج2: 360، ح1492; الاستبصار 1: 183، ح642; وعنهما وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب42، ح3.
- (3) ذخيرة المعاد: 168، س8; الحدائق الناضرة 5: 418.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 357، ح1479; وج1: 274، ح807; بإسناد آخر عن أيّوب بن نوح، وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح2.
(الصفحة 444)
ومنها: ما رواه أيضاً عنه، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لاتجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والجورب(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن المفيد، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف أو غيره، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عبدالله بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والكمرة، والنعل، والخفّين، وما أشبه ذلك(2).
وبالجملة: فالظاهر أنّ اعتبار الطهارة من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة كان أمراً مفروغاً عنه، مضافاً إلى أنّه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ، إلاّ أنّه يقع الكلام في شمول تلك الأدلّة لما إذا كان محمول المصلّي نجساً، وأنّه هل تعتبر طهارة المحمول أيضاً، أم لا؟
لا يبعد أن يقال بدلالة الرواية الثانية المتقدّمة على ذلك; لأنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظنّ إصابة الدم أو المنيّ إلى الثوب، كما هو ظاهر صدر الرواية، إلاّ أنّ إسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه ـ كما فعله الإمام(عليه السلام)في الجواب، حيث قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» ـ ربما يدلّ على أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً، غاية الأمر أنّ صدقه يتوقّف
- (1) تهذيب الأحكام 2: 358، ح1481; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب1، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 275، ح810; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح5.