(الصفحة 444)
ومنها: ما رواه أيضاً عنه، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لاتجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والجورب(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن المفيد، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف أو غيره، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عبدالله بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والكمرة، والنعل، والخفّين، وما أشبه ذلك(2).
وبالجملة: فالظاهر أنّ اعتبار الطهارة من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة كان أمراً مفروغاً عنه، مضافاً إلى أنّه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ، إلاّ أنّه يقع الكلام في شمول تلك الأدلّة لما إذا كان محمول المصلّي نجساً، وأنّه هل تعتبر طهارة المحمول أيضاً، أم لا؟
لا يبعد أن يقال بدلالة الرواية الثانية المتقدّمة على ذلك; لأنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظنّ إصابة الدم أو المنيّ إلى الثوب، كما هو ظاهر صدر الرواية، إلاّ أنّ إسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه ـ كما فعله الإمام(عليه السلام)في الجواب، حيث قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» ـ ربما يدلّ على أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً، غاية الأمر أنّ صدقه يتوقّف
- (1) تهذيب الأحكام 2: 358، ح1481; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب1، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 275، ح810; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح5.
(الصفحة 445)
على طهارة بدنه وثوبه معاً، ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط، وإلاّ لم يصحّ الإسناد مع نجاسة الثوب كما هو واضح.
وبالجملة: فالظاهر من الرواية أنّ المعتبر في صحّة الصلاة كون المصلّي طاهراً، ويتوقّف ذلك على طهارة ثوبه وبدنه، وإذا كان الأمر كذلك; أي إذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً. فمن المعلوم أنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً، أو كان ما استصحبه كذلك; إذ الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصيّة للثوب أصلاً، فلو كان محموله نجساً لا يصحّ إسناد الطهارة إليه أيضاً.
هذا، مضافاً إلى أنّ العرف إذا اُلقي إليه هذا المعنى; وهو اعتبار الطهارة في الثوب، لا يفهم منه الاختصاص، وتكون خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظره.
هذا، وربما يدلّ على شمول الحكم للمحمول، الرواية الأخيرة الدالّة بمفهومها على ثبوت البأس إذا كان الشيء المصاحب للمصلّي ـ الذي لا تتمّ الصلاة فيه وحده ـ نجساً، ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ومتّصفاً بهذه الصفة، وأنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه، يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقي الذي يصلّي على شيء نجس، أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً، سيّما إذا كانا ساترين له.
بخلاف ما إذا كان ثوبه الذي يصلّي فيه متّصلا بما يكون نجساً، سيّما إذا لم يتحرّك بحركته، كما إذا تعمّم بطرف ثوب يكون طرفه الآخر الواقع على الأرض نجساً. وكما إذا كان لباسه طويلا في الغاية بحيث كان طوله ضعف طول بدنه، أو أزيد، أو أنقص مثلا; فإنّه لا يعدّ الشيء النجس ملابساً للمصلّي
(الصفحة 446)
في هاتين الصورتين ونظائرهما، بخلاف القسم الأوّل.
هذا، ولو قلنا بأنّ المعتبر في الصلاة طهارة البدن والثوب بما هو ثوب، أمكن القول بعدم البطلان فيه أيضاً، كما لا يخفى.
مسألة: قد عرفت(1) أنّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الإجماع، وتدلّ عليه الروايات الكثيرة، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده، وأمّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً، فالظاهر عدم اعتبار طهارته.
والنصوص(2) والفتاوى(3) متطابقتان على ذلك، وقد تقدّم بعض الروايات الدالّة عليه في صدر المبحث، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء; مثل القلنسوة، والتكّة، والجورب(4).
وما رواه أيضاً عن سعد، عن الحسن بن عليّ، عن عبدالله بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن أسباط، عن ابن أبي ليلى، عن زرارة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت، فقال(عليه السلام): لا بأس(5).
- (1) في ص441.
- (2) وسائل الشيعة 3: 455ـ456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31.
- (3) الانتصار: 136; جواهر الفقه: 22; تذكرة الفقهاء 2: 481ـ482، مسألة 127; مختلف الشيعة 1: 484ـ485; ذكرى الشيعة 1: 138ـ139; مدارك الأحكام 2: 320ـ322; ذخيرة المعاد: 160; كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 62ـ63; مفتاح الكرامة 2: 122ـ123; مستند الشيعة 4: 281ـ284.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 358، ح482; وعنه وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح1.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 357، ح1480; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، أبواب النجاسات، ب31، ح3.
(الصفحة 447)
هذا، ولكن يقع الكلام في أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة وحده، هل هو الشيء الذي لا يكون ساتراً للعورة ولو مع تغيّر هيئته وتبديل مكانه، أو الشيء الذي لا يكون ساتراً إذا لم تتغيّر هيئته ولو مع تبديل مكانه، أو ما يكون كذلك إذا لم تتغيّر هيئته، ولم يبدّل مكانه الذي جعل ذلك الشيء لباساً له؟ فعلى الأوّل: لا تكون العمّامة، بل الخفّ والجورب، بل التكّة في بعض الموارد، ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، مع أنّ الثلاثة الأخيرة مذكورة في الروايات المتقدّمة من جملة الأمثلة لذلك، والاُولى وإن لم تكن مذكورة فيها، إلاّ أنّها مذكورة في الرواية الواردة في الفقه الرضوي(1).
مضافاً إلى أنّ الصدوق أفتى فيها بعدم كون نجاستها مضرّة بصحّة الصلاة كسائر ما لا تتمّ(2)، فهذا الاحتمال في غاية البعد، ويدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين.
والأظهر هو الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة هو ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعليّة، ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له. وعليه: فيدخل القميص القصير الذي لا يستر العورة، كما هو المتداول بين الأعاجم فيما يعتبر طهارته.
وجه الأظهريّة ـ مضافاً إلى فهم المشهور ذلك ـ ما يستفاد من المرسلة المتقدّمة، حيث إنّها تدلّ بظاهرها على أنّ الخفّ على قسمين: قسم يستر العورة وتتمّ الصلاة فيه، وقسم لا يكون كذلك، ولوكان المراد ممّا لا يتمّ هو الاحتمال الثالث، لكان الخفّ منحصراً في القسم الثاني; إذ الظاهر أنّ الخفّ لا يستر أزيد
- (1) فقه الرضا(عليه السلام): 95; وعنه مستدرك الوسائل 3: 208، أبواب لباس المصلّي، ب14، ح3382.
- (2) الفقيه 1: 42، ذ ح167.
(الصفحة 448)
من الساق لو لم يبدّل مكانه، وأيضاً يلزم أن يكون المحمول ممّا لا تتمّ دائماً; إذ ليس شأنه أن يستر العورة مع كونه محمولا، وإلاّ لم يكن بمحمول، فالأظهر هو الاحتمال الثاني.
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ، بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحّة الصلاة، لا يختصّ بالثوب، بل يجري في المحمول أيضاً، بناءً على شمول الأدلّة الدالّة على اعتبار الطهارة له أيضاً، كما استظهرناه آنفاً، وجه عدم الاختصاص واضح لو استندنا في اعتبار طهارة المحمول إلى مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة; إذ جعل المحمول فيها مرادفاً للثوب، وفصّل في كليهما بين ما تتمّ وما لا تتمّ.
وأمّا لو استندنا في ذلك إلى ما يستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة; من أنّ ظاهرها باعتبار إسناد الإمام(عليه السلام) الطهارة إلى نفس المصلّي، أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو طهارة المصلّي، غاية الأمر أنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة الشخص. ومن المعلوم أنّ ذلك باعتبار ملابسته للمصلّي، وهو لا يختصّ بالثوب، بل يعمّ المحمول، أو استندنا إلى أنّ خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظر العرف، أو إلى أنّه تصدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً، كما يظهر من الشيخ(1)، فوجهه ـ أي وجه عدم الاختصاص ـ اتّحاد المناط; أي مناط شمول الحكم، وخروج بعض الأفراد عن تحته، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الحلّي في السرائر بعد أن اعتبر في صحّة الصلاة أن يكون ثوب المصلّي وبدنه طاهراً خالياً من النجاسات، وبعد ذهابه إلى أنّ ما لاتتمّ الصلاة فيه
- (1) الخلاف 1: 503، مسألة 244.