(الصفحة 454)
من صلاته(1).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة(2).
ومنها: ما رواه في قرب الإسناد عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام)قال: سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد، كيف يصنع؟ قال: إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ولا ينقص منها شيء، وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله(3).
ومنها: صحيحة زرارة المتقدّمة(4)، المشتملة على قوله: قلت: فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً، ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً، الحديث.
ولا يخفى أنّ الجواب عن سؤال الوجه لعدم وجوب الإعادة في مفروض السائل بجريان استصحاب الطهارة قبل الشروع في الصلاة ممّا يدلّ على أنّ اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه، ولا ينبغي
- (1) الكافي 3: 404، ح1; تهذيب الأحكام 2: 360، ح1490; الاستبصار 1: 180، ح631; وعنها وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 254، ح737; الاستبصار 1: 182، ح637; وعنهما وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح7.
- (3) قرب الإسناد: 208، ح810; وعنه وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح10.
- (4) في ص462.
(الصفحة 455)
الارتياب فيه.
ومنها: رواية محمّد بن مسلم، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي؟ قال: لا يؤذيه حتّى ينصرف(1); فإنّه لو كانت الصلاة الواقعة في النجاسة واقعاً مع عدم العلم بها فاسدة، لما كان إخباره بنجاسة ثوب أخيه إيذاءً له، كما لا يخفى.
ومع وجود هذه الروايات الكثيرة الدالّة على عدم وجوب الإعادة مع الجهل بوقوع الصلاة في النجاسة، لا اعتبار بما يدلّ بظاهره على خلاف ذلك، خصوصاً مع اعتضاد الطائفة الاُولى بعمل الأصحاب عليها، واستنادهم إليها، وبالشهرة المحقّقة على وفاقها(2).
ومن تلك الروايات رواية وهب بن عبد ربّه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه، فيصلّي فيه ثمّ يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم(3).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم، فعليه الإعادة; إعادة الصلاة
- (1) الكافي 3: 406، ح8; تهذيب الأحكام 2: 361، ح1493; وعنهما وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح1.
- (2) النهاية: 52 و 94; السرائر 1: 183; وحكى هذا القول عن المفيد وعلم الهدى في المعتبر 1: 442; وكشف الرموز 1: 114; ومنتهى المطلب 3: 308ـ309; شرائع الإسلام 1: 54; ذكرى الشيعة 1: 141; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 451، وفيه: أنّه أشهر القولين; مدارك الأحكام 2: 348ـ349; مفتاح الكرامة 1: 526ـ528; وفي ذخيرة المعاد: 168; ومصابيح الظلام 6: 186; وجواهر الكلام 6: 333، أنّه المشهور; وفي الحدائق الناضرة 5: 413، أنّه الأشهر الأظهر.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 360، ح1491; الاستبصار 1: 181، ح635; وعنهما وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح8.
(الصفحة 456)
إذا علم(1).
هذا، مضافاً إلى أنّ تقييد الإعادة بما إذا لم يكن علم كما في الرواية الاُولى ـ الظاهر في عدم وجوبها مع عدمه; وهي صورة العلم بالنجاسة ـ ربما يدلّ على كون الصادر من الإمام(عليه السلام) هي كلمة «لا يعيد»، فسقطت كلمة «لا» سهواً من الراوي أو الناسخ، ويحتمل بعيداً الحمل على الاستفهام الانكاري كما احتمله صاحب الوسائل.
وكيف كان، فهذان الخبران يدلاّن على وجوب الإعادة بالظهور، والأخبار السابقة تدلّ على عدم الوجوب بالصراحة، فهي مقدّمة عليهما، ودعوى أنّ ثاني الخبرين صريح في الوجوب، باعتبار ذكر العالم أيضاً، مدفوعة بما حقّقناه في محلّه; من أنّ ظهور الأمر في الوجوب إنّما هو من قبيل ظهور الفعل، وإلاّ فصيغته لا تدلّ إلاّ على إنشاء الطلب المشترك بين الوجوب والاستحباب.
ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق في الحكم المذكور ـ وهو عدم وجوب الإعادة ـ بين من علم بعد الفراغ من الصلاة بوقوعها في النجاسة، وبين من علم بالنجاسة واحتمل حدوثها بعد الصلاة، كما أنّه لا فرق في الأوّل بين من كان غافلا حين الشروع فيها عن نجاسة ثوبه أو بدنه، وبين من كان ملتفتاً متردّداً فيها; لأنّه مضافاً إلى دلالة بعض الروايات المتقدّمة عليه يجري في حقّه أيضاً قاعدة الطهارة; إذ مدلولها وجوب ترتيب آثار النجاسة في صورة العلم بها. وأمّا مع عدمه ـ سواء كان متردّداً أو غافلا ـ لا تجري أحكام النجاسة.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 202، ح792; الاستبصار 1: 182، ح639; وعنهما وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب40، ح9.
(الصفحة 457)
وقد عرفت أنّها تقتضي الإجزاء، وكذا لا فرق في الثاني المتردّد بين صورتي الفحص وعدمه; لإطلاق الأخبار المتقدّمة المعتضدة بالشهرة المحقّقة.
هذا، ويظهر من بعض الروايات التفصيل في الحكم المذكور بين الناظر وغيره، مثل ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المنيّ قبل أو بعدما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول(1); فإنّ مفهومها يدلّ على أنّه لو لم يتفحّص ولم ينظر في ثوبه فتجب عليه الإعادة.
وما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ بن عبدالله، عن عبدالله بن جبلة، عن سيف، عن ميمون الصيقل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذاً في ثوبه جنابة؟ فقال(عليه السلام): الحمد لله الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ، إن كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة(2).
هذا، ومن هنا قد يفصّل بين صورتي الفحص وعدمه، ويجعل هذان الخبران شاهدين للجمع بين الأخبار الكثيرة المتقدّمة الدالّة على الإجزاء وعدم وجوب الإعادة مطلقاً، وبين الروايتين المتقدّمتين الدالّتين على عدم الإجزاء، وعدم الفرق في وجوب الإعادة بين العالم بالنجاسة قبل الصلاة والجاهل بها، بحمل
- (1) تهذيب الأحكام 1: 252، ح730; وج2: 223، ح880; الفقيه 1: 161، ح758; وعنهما وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب41، ح2.
- (2) الكافي 3: 406، ح7; تهذيب الأحكام 2: 202، ح791; وج1: 424، ح1346; الاستبصار 1: 182، ح640; وعنها وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب41، ح3.
(الصفحة 458)
الطائفة الاُولى على صورة الفحص، وإطلاق الأخيرين على صورة عدمه.
هذا، ولكن لا يخفى أنّ دلالة الخبرين على التفصيل إنّما هي بالظهور، ودلالة الأخبار المطلقة المتقدّمة على الإجزاء إنّما هي بالصراحة والنصوصيّة.
ودعوى أنّ تلك الأخبار وإن كانت دلالتها على وجوب الإعادة دلالة صريحة، إلاّ أنّ دلالتها على إطلاق الحكم المذكور فيها وشموله لصورة عدم الفحص إنّما هي بالظهور، كما أنّ دلالة الخبرين على التفصيل إنّما هي بالصراحة، سيّما الأخير منهما; وإن كان شمولهما لصورة عدم الفحص إنّما هو بالظهور.
مدفوعة بما عرفت من اعتضاد إطلاق تلك الأخبار بالشهرة المحقّقة، فلا مجال للأخذ بهما معها، مضافاً إلى أنّ في مورد الأخير منهما ـ وهي رواية ميمون الصيقل ـ يكون الثوب ملوّثاً بالجنابة عادة، فرؤيتها فيه تكشف عن عدم المبالات في غسله، فتأمّل.
هذا، وقد يفصّل في أصل المسألة أيضاً بين الوقت وخارجه بوجوب الإعادة فيما إذا انكشف الخلاف في الوقت، والإجزاء فيما إذا انكشف في خارجه، وهو محكيّ عن بعض القدماء من الأصحاب(1)، كما أنّ التفصيل المذكور أوّلا محكيّ عن بعض المتأخّرين(2)، وبه جمع بين الأخبار المتعارضة، بحمل إطلاقات ما يدلّ على الإجزاء على خارج الوقت، وإطلاق غيره على الوقت.
هذا، ولكن لا يخفى أنّه وإن كان يمكن أن يقال بكشف هذا عن وجود نصّ في الجوامع الأوّلية شاهد على الجمع بينها بهذا الوجه; لكونه محكيّاً عن بعض
- (1) المقنعة: 149; النهاية: 8; المبسوط 1: 13 و 38 و 90; المهذّب 1: 27; غنية النزوع: 111; مختلف الشيعة 1: 244; قواعد الأحكام 1: 194.
- (2) ذكرى الشيعة 1: 141; مستند الشيعة 4: 264.