(الصفحة 488)
لا يتمشّى منه قصد الامتثال; لعدم العلم بتعلّق الأمر بالصلاة في هذا الثوب.
ففيه: أنّ الواضح أنّ الداعي له إلى الإتيان بهما جميعاً ليس إلاّ الأمر المتعلّق بالصلاة مع الطهارة; إذ المفروض عدم كونه مرائياً في فعلهما، غاية الأمر أنّه لا يعلم بأنّ الامتثال هل تحقّق بالصلاة التي فعلها أوّلا، أو أنّ المحصّل له هو ما أتى به ثانياً، ولا دليل على اعتبار هذا العلم في تحقّقه، بل الظاهر أنّه لا فرق في تحقّق الإطاعة بين الامتثال العلمي التفصيلي، وبين الامتثال العلمي الإجمالي فيما إذا كان متمكّناً من الأوّل أيضاً، لولا أنّ العبادات محتاجة في كيفيّتها إلى ثبوت الإذن من الشارع، ولم يرد في صورة التمكّن من الامتثال العلمي التفصيلي الإذن، والتخيير بينه وبين الآخر.
وبالجملة: فقصد الأمر المعتبر في صحّة العبادة لا ينحصر تحقّقه بماإذا علم بالمأمور به تفصيلا، كما عرفت.
هذا كلّه فيما إذا تمكّن المكلّف من الصلاة في الثوبين جميعاً، وقد عرفت أنّ الأقوى وجوبها فيهما.
وأمّا إذا لم يتمكّن إلاّ من الصلاة في أحدهما لضيق الوقت، فالظاهر أنّ المسألة مبتنية على المسألة السابقة; وهي ما لو انحصر ثوبه في النجس، فإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة في الثوب النجس، كما اختاره كاشف اللّثام(1)، وتبعه جمع من مقاربي عصرنا، منهم: السيّد(قدس سره) في العروة(2)، فيجب عليه هنا الصلاة في أحد الثوبين ـ الذي لا يعلم بنجاسته ـ بطريق أولى، كما لا يخفى.
- (1) تقدّم في ص477.
- (2) تقدّم في ص484.
(الصفحة 489)
وإن قلنا بأنّه يجب عليه في تلك المسألة الصلاة عارياً، كما قوّيناه(1)تبعاً للشيخ أبي جعفر الطوسي(رحمه الله)، فالظاهر أنّ الواجب عليه في مسألتنا هذه أيضاً ذلك.
وتوهّم ثبوت الفرق بين المقامين; بأنّ الأمر هناك دائر بين الصلاة فاقداً للستر وللمانع، وبين الصلاة واجداً لهما معاً قطعاً; للعلم بنجاسة الثوب المنحصر، وهنا دائر بين الصلاة فاقداً للشرط قطعاً، وبينها واجداً للمانع احتمالا.
وبعبارة اُخرى: الأمر في المسألة السابقة كان دائراً بين المخالفة القطعيّة للأمر المنجّز المعلوم بترك ما هو شرط للمأمور به يقيناً، وبين المخالفة القطعيّة له بإتيانه واجداً للمانع كذلك، وهنا دائر بين المخالفة القطعيّة له بترك ما هو شرط له، وبين المخالفة الاحتماليّة بإيقاع الصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته، ولا ريب أنّ الترجيح مع الثاني، كما يحكم به العقل قطعاً.
مدفوع بأنّ الكلام إنّما هو في مقام تعلّق الأمر، وأنّه هل تعلّق أمر المولى فيما إذا لم يمكن مراعاة الشرط والمانع معاً بالصلاة مع رعاية الشرط، أو بها مع خلوّها عن المانع وإن كانت فاقدة للشرط؟ وقد دلّت الأخبار المتقدّمة في المسألة السابقة على ترجيح مانعيّة النجاسة; لقوّتها على شرطيّة الستر.
وحينئذ فلو قلنا بوجوب الصلاة في الثوب فيما نحن فيه، فمرجعه إلى اكتفاء المولى بمحتمل الصلاتيّة; إذ على تقدير نجاسة الثوب واقعاً لا تتحقّق الصلاة أصلا، فاللازم أن يقال بكفاية الشك في تحقّق الامتثال، مع عدم وجود ما يحرزه كما هو المفروض، وهو ممّا يحكم ببداهة خلافه العقل; إذ مرجعه إلى عدم كون
(الصفحة 490)
الصلاة مطلوبة للمولى، ومأموراً بها بالأمر المنجّز، كما هو واضح.
وبالجملة: فالصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته مع عدم إحرازها بالأصل; لفرض كونه من أطراف العلم الاجمالي كالصلاة فيما علم نجاسته، من حيث عدم تحقّق الامتثال المعتبر في سقوط الأمر، وحيث إنّه قد علم من الأخبار المتقدّمة ترجيح جانب المانع على جانب الشرط، فالواجب عليه هنا أيضاً الصلاة عارياً كما عرفت.
هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بلباس المصلّي.
(الصفحة 491)
المقدّمة الخامسة
في مكان المصلّي
إعلم أنّه لا يعتبر في مكان المصلّي شيء وجوديّ أو عدميّ، مثل ما يعتبر في لباسه من الأوصاف الوجوديّة والعدميّة، على ما عرفت تفصيله. نعم، يعتبر فيه أن يكون التصرّف فيه مباحاً للمصلّي، ولكنّه لم يرد فيه نصّ بخصوصه، بل الوجه في اعتباره هو ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه، بضميمة استحالة اجتماع الأمر والنهي.
ونحن وإن حقّقنا جوازه فيما هو محلّ النزاع في المسألة الاُصوليّة(1)، إلاّ أنّك عرفت أنّ ذلك لا ينافي القول ببطلان العبادة فيما إذا اتّحدت مع عنوان محرّم
- (1) نهاية الاُصول: 257ـ259.
(الصفحة 492)
في الخارج; لعدم صلاحيّة ما يكون مبغوضاً للمولى بالفعل للتقرّب به إليه. نعم، يختصّ ذلك بما إذا كانت الحرمة منجّزة على المكلّف.
وأمّا في غير هذه الصورة، فلا مانع من وقوع العبادة على وجهها; لعدم كونها مبغوضة فعلا. ثمّ إنّ التعبير بأنّه يعتبر أن لا يكون مكان المصلّي مغصوباً ـ كما في بعض الكلمات(1) ـ لا يشمل جميع صور المسألة; لما عرفت من أنّ الغصب يعتبر فيه الاستيلاء، ولو لم يتحقّق تصرّف أصلا، والملاك هو التصرّف في مال الغير بغير إذنه ولو لم يكن هنا استيلاء; إذ هو الذي يتّحد مع أكوان الصلاة، كما هو واضح.
ثمّ إنّه جرت عادتهم في هذا المقام على التعرّض لمسألتين، وإن كانتا غير مرتبطتين به، فنحن أيضاً نتعرّض لهما في هذا الباب تبعاً لهم، فنقول:
[ عدم جواز تقدّم المرأة على الرجل ومحاذاتها له ]
المسألة الاُولى: المشهور(2) بين قدماء الأصحاب أنّه لا يجوز تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة، ولا صلاتها بحذائه; بأن تكون عن يمينه أو يساره، وهم بين مصرّح بأنّه لا يجوز ذلك(3)، الذي يظهر منه البطلان; لكون النواهي الواردة في بيان كيفيّات العبادات والمعاملات إرشادات إلى فساد العبادة والمعاملة، وبين من صرّح بالبطلان(4)، والمشهور بين المتأخّرين
- (1) مسائل الناصريّات: 205; منتهى المطلب 4: 297; قواعد الأحكام 1: 258; البيان: 128; جامع المقاصد 2: 116; كتاب الصلاة للمحقّق الحائري; 81.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 177; وحكاه في مفتاح الكرامة 6: 148 عن تخليص التلخيص.
- (3) الكافي في الفقه: 120; المهذّب 1: 98; غنية النزوع: 82.
- (4) المقنعة: 152; الخلاف 1: 423، مسألة 171; النهاية: 100ـ101; المبسوط 1: 86; الوسيلة 89; وحكاه عن الجعفي في ذكرى الشيعة 3: 82.