(الصفحة 503)
ومنهم: ابن بكير، وقد تقدّم نقل روايته في ضمن الروايات المتقدّمة التي رواها جميل.
ومنهم: محمّد الحلبي، وقد تقدّم نقل روايته أيضاً في ضمن ما رواه محمّد بن مسلم.
ومنهم: حريز بن عبدالله، فروى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال: إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس(1).
ومنهم: الفضيل، فروى الصدوق في العلل عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء، والمرأة تصلّي بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك، وعن يسارك ومعك، ولا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان(2).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ عمدة أدلّة الجواز هي إحدى روايات جميل المتقدّمة، وهي ما تدلّ على جواز صلاة الرجل والمرأة تصلّي بحذاه على الإطلاق، ويؤيّدها خبر عيسى بن عبدالله القمّي، حيث إنّه سأل الصادق(عليه السلام)عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف؟ قال(عليه السلام): مضت صلاتها، ولم تفسد على أحد ولا تعيد.
هذا، ولكنّك عرفت فيما تقدّم أنّه ليس للجميل روايات متعدّدة، بل الظاهر أنّ
- (1) الكافي 3: 298، ح1; وعنه وسائل الشيعة 5: 126، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح11.
- (2) علل الشرائع: 397، ب137، ح4; وعنه وسائل الشيعة 5: 126، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح10.
(الصفحة 504)
هذا الخبر الذي يدلّ على الجواز بنحو الإطلاق هو ما يدلّ على الجواز مقيّداً بأن يكون سجودها مع ركوعه; لترجيح احتمال النقيصة السهويّة على احتمال الزيادة السهويّة عند العرف، فالواجب الأخذ بما يدلّ على الجواز مقيّداً بذلك القيد المذكور، وقد عرفت أيضاً أنّه لو قلنا بتعدّدهما، فالواجب أيضاً تقييد إطلاقها بالصورة المذكورة، ولا وجه لحمل الآخر على الاستحباب.
وأمّا خبر عيسى بن عبدالله، فليس بمنقول في الكتب المعدّة لجمع الأخبار الواردة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئـمّة(عليهم السلام); إذ كلّ ما تتبّعنا في مظانّه لم نظفر به. نعم، هو مذكور في بعض الكتب الفقهية(1)، فلا يصلح شيء من هاتين الروايتين للاستناد إليه للقول بالجواز.
والرواية الأخيرة من روايات جميل وإن كان ظاهرها الجواز بنحو الإطلاق، إلاّ أنّك عرفت الإشكال فيها من حيث اشتمالها على التعليل المذكور، وحينئذ فلم تبق في المسألة إلاّ طائفتان من الأخبار، فطائفة تدلّ على المنع مطلقاً، مثل رواية إدريس بن عبدالله القمّي، ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمتين، وغيرهما ممّا تقدّم. وطائفة تدلّ على التفصيل على اختلافها، كأكثر الروايات المتقدّمة.
ثمّ لا يخفى أنّ ما يدلّ منها على اعتبار الحاجز بينهما كأكثر ما رواه محمّد بن مسلم، وبعض روايات عليّ بن جعفر، ورواية الحلبي، لا يصادم الإطلاقات المانعة; لأنّها مفروضة فيما إذا لم يكن بينهما حاجز، أو ستر، أو جدار، فمدلولها من حيث إطلاق المنع واحد.
- (1) غاية المراد 1: 135; كشف اللثام 3: 280; رياض المسائل 3: 259; جواهر الكلام 8: 508; مصباح الفقيه 11: 63.
(الصفحة 505)
وحينئذ فيدور الأمر بين حمل النهي في الطائفة الاُولى على الكراهة; لصراحة الطائفة الثانية في الحكم بالجواز وعدم التحريم مقيّداً بالقيود المذكورة فيها، وظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق، فتحمل على الكراهة، ويقال: بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو أكثر من عشرة أذرع، ويحمل اختلاف القيود على اختلاف مراتب الكراهة، ففيما إذا كان بينهما أكثر من عشرة أذرع، تكون الصلاة واجدة لمنقصة ضعيفة، وحزازة قليلة، بخلاف ما إذا كان بينهما موضع رحل، أو ذراع، فالكراهة فيها أشدّ، والمنقصة والحزازة أزيد، وتشتدّ وتزيد إلى أن تبلغ إلى مقدار شبر.
وبين إبقائها على حالها من إطلاق النهي، والحكم بأنّ المراد ممّا ورد من التفاصيل في الطائفة الثانية هو أن يكون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها، لا أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين، هو ذلك المقدار، إمّا بحمل السؤال عن صلاة الرجل بحذاء المرأة، أو يمينها، أو يسارها على الحذاء العرفي، واليمين واليسار العرفيين، وإمّا بحمل الاستثناء في الجواب على الاستثناء المنقطع.
وبالجملة: الأمر دائر بين ترجيح أحد الظهورين على الآخر، إمّا ترجيح ظهور الطائفة الثانية في أنّ المراد من التفاصيل هو أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ذلك المقدار، وإمّا ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في إطلاق النهي، ومع عدم الدليل على الترجيح بنحو الجمع العرفي، بحيث يخرج عن كونهما متعارضين.
فالظاهر وجوب الأخذ بالإطلاقات المانعة، والقول بتقدّمها على أدلّة
(الصفحة 506)
الجواز; لتأييدها بالشهرة الفتوائية المحقّقة بين قدماء الأصحاب، كالمفيد، والشيخ، ومن تبعهما(1)، مضافاً إلى كونها أشهر من حيث الرواية أيضاً، وإلى كونها مخالفة للعامّة، حيث إنّ ظاهرهم الجواز، كما يشهد به عدم تعرّضهم للمسألة وإن تعرّضوا لحكم ما إذا خالف سنّة الموقف في الجماعة.
هذا، ويؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في إطلاق المنع روايتا محمّد بن مسلم وأبي بصير الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين، وأنّه يجب أن يصلّي الرجل أوّلا، فإذا فرغ صلّت المرأة; فإنّ هذا لا يناسب القول بالكراهة، مع أنّ في السفر يرخّص ما لا يرخّص في غيره، كقصر الصلاة، وترك الأذان والإقامة، بناءً على القول بوجوبهما في غير السفر.
كما أنّه ربما يؤيّد ترجيح ظهور الطائفة الثانية والحكم بالكراهة، بعض الروايات المتقدّمة، الذي يدلّ بالصراحة على الجواز، وعدم البأس فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع، كما هو المتحقّق غالباً بين الرجل والمرأة المتزاملين; فإنّ الظاهر ثبوت هذا المقدار بين طرفي المحمل، خصوصاً في الأزمنة السابقة.
وبعبارة اُخرى: مدلول بعض الروايات المتقدّمة هو الجواز في مورد الروايتين الواردتين في حكم تزامل الرجل والمرأة، فيجب حمل النهي فيهما على الكراهة; لصراحته في الجواز.
وربما يؤيّد الأوّل أيضاً ما تقدّم من إحدى روايات زرارة، المشتملة على استثناء ما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره; فإنّ الظاهر أنّ الاستثناء متّصل. وعليه: فيصدق على المستثنى عنوان المستثنى منه، وهي صلاة المرأة
(الصفحة 507)
بحيال الرجال، فيدلّ ذلك على أنّ المراد بالمحاذاة الواردة في سائر الأخبار هي المحاذاة العرفيّة الشاملة لما إذا تأخّرت المرأة عن الرجل.
وحينئذ فيرتفع البعد عن تفسير قوله(عليه السلام): «لا، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع» بما إذا كانت المرأة متأخّرة عن الرجل بهذا المقدار، كما تقدّم هذا التفسير في ذيل بعض الروايات المتقدّمة(1); إذ لا ينافي ذلك مع صدق المحاذاة.
ثمّ لا يخفى أنّ رواية فضيل المتقدّمة المروية في كتاب العلل، الدالّة على التفصيل بين مكّة وسائر البلدان ساقطة عن درجة الاعتبار; لعدم كونها واجدة لشرائط الحجّية; لإعراض الأصحاب عنها.
ثمّ إنّه لو قلنا بالتحريم الوضعي الراجع إلى البطلان دون الكراهة الوضعيّة، فلا إشكال في بطلان صلاتهما مع الاقتران; لأنّه إمّا أن تكون صلاة كلّ واحد منهما صحيحة، فهو خلاف مقتضى الأدلّة المتقدّمة الدالّة على اعتبار عدم المحاذاة، أو تقدّم المرأة على الرجل كما هو المفروض، وإمّا أن تكون باطلة، فهو المطلوب، وإمّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى.
فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين، فهو غير معقول، وإن كانت إحداهما معيّنة، فالمفروض عدم ما يدلّ على التعيين، فيلزم القول ببطلان صلاة كلّ منهما في مقام الإثبات، ويكشف ذلك عن تزاحم العلّتين في مقام الثبوت; لأنّ الظاهر أنّ مورد تلك الأخبار المتقدّمة هي الصلاة الصحيحة من غير جهة المحاذاة، فلا يكون هنا وجه لبطلان صلاة كلّ منهما إلاّ محاذاته مع الآخر في حال الصلاة، وهما متزاحمان بلا ترجيح لأحدهما على الآخر.