(الصفحة 51)
وهو ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان يقول: إذا زالت الشمس عن كبد السماء، فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين، وذلك بعد نصف النهار(1).
ولكنّها ـ مضافاً إلى عدم صحّة سندها; لأنّ حسين بن علوان من الزيديّة ـ لم تكن مذكورة إلاّ في كتاب قرب الإسناد، وهو وإن كان مؤلّفه من الإماميّة، إلاّ أنّ بناءه في ذلك الكتاب ذكر الأخبار الضعيفة أيضاً، أضف إلى ذلك كلّه أنّ هذه الرواية محمولة على التقيّة; من جهة موافقتها لمذهب الحنفيّة، ويؤيّده أنّ فقه الزيديّة موافق لفقه الحنفيّة.
وكيف كان، فالرواية غير قابلة للاستناد، خصوصاً مع معارضتها للأخبار الكثيرة المستفيضة، بل المتواترة. نعم، قد عرفت الاختلاف بين الروايات في نافلة العصر والمغرب، وعرفت أيضاً أنّ طريق الجمع بينها هو الحمل على مراتب الفضيلة.
ثمّ إنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها، أنّ نافلة العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة من قيام(2)، وهي بهذه الكيفيّة من متفرّدات الإماميّة ولم يقل به أحد من العامّة; لأنّهم بين من ينكرها رأساً، ويذهب إلى عدم مشروعيّتها، وبين من يقول بأنّها ركعتان من قيام، وبين قائل بأنّها ثمان ركعات: أربع منها قبل فريضتها، وأربع بعدها، كأبي حنيفة ومن تبعه(3).
- (1) قرب الإسناد: 115، ح404; وعنه وسائل الشيعة 4: 94، أبواب أعداد الفرائض، ب28، ح4.
- (2) وسائل الشيعة 4: 45ـ57، أبواب أعداد الفرائض، ب13، ح2، 3، 7، 23 و 25.
- (3) العزيز 2: 117; المغني لابن قدامة 1: 762; الشرح الكبير 1: 729ـ730، المجموع 4: 8; المعتبر 2: 12; تذكرة الفقهاء 2: 262، مسألة 3.
(الصفحة 52)
وينبغي التنبيه على أُمور:
الأوّل: لا ريب في أنّ نافلة كلّ فريضة عبادة مستقلّة، وعمل واحد لا ارتباط لها بنافلة فريضة أُخرى، فيجوز الإتيان بها وإن ترك غيرها من النوافل، فيجوز لمن أراد الإتيان بالظهرين أن يأتي بنافلة الظهر دون العصر أو العكس، وهذا ممّا لاخفاء فيه ولا إشكال، إنّما الإشكال في أنّ النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة ـ مثل نافلة المغرب المركّبة من صلاتين، ونافلة الظهر أو العصر المركّبة من أربع صلوات، كلّ واحدة منها ركعتان، كما أنّها تكون متعدّدة بما أنّها مصداق لعنوان الصلاة بلا ريب، ـ هل تكون أيضاً متعدّدة بعنوان أنفسها أم لا؟
وبعبارة أُخرى: كما أنّ لنافلة الظهر مثلا ـ المركّبة من أربع صلوات ـ مصاديق متعدّدة لحقيقة الصلاة; لأنّ كل واحدة من تلك الصلوات الأربع صلاة مستقلّة بحيالها، ولذا لا يضرّ وقوع الحدث بينها، ولا يوجب بطلان المأتيّ به منها، فهل تكون بعنوان أنّها نافلة متعدّدة أيضاً حتّى تكون مركّبة من أربع نوافل مستقلّة تعلّق بكلّ واحدة منها أمر مستقلّ لا ارتباط له بالأمر المتعلّق بالاُخرى.
أو أنّها بهذا العنوان لا تكون إلاّ نافلة واحدة تعلّق بها أمر واحد، ويكون كلّ ركعتين منها جزءاً للمستحبّ المركّب من أربع مشتمل كلّ واحدة منها على ركعتين، نظير صلاة جعفر(عليه السلام); فإنّها وإن كانت صلاتين; للتسليم في كلّ ركعتين منها، إلاّ أنّها من حيث كونها معنونة بهذا العنوان صلاة واحدة متعلّقة لأمر واحد، ولا يترتّب عليه الآثار المترقّبة إلاّ بالإتيان بالمجموع؟ وجهان; والثمرة بينهما إنّما تظهر في جواز التفكيك بينهما في مقام الإتيان.
فعلى الأوّل: يجوز التفكيك، ويحصل الامتثال بالنسبة إلى الأمر الذي أتى بمتعلّقه، فلو أتى في نافلة الظهر بأربع ركعات مفصولة، يكون ممتثلا للأمرين
(الصفحة 53)
اللذين تعلّق كلّ واحد منهما بصلاة واحدة مشتملة على ركعتين، وهكذا.
وعلى الثاني: لا يحصل الامتثال إلاّ بالإتيان بالمجموع; لأنّه ليس في البين إلاّ أمر واحد متعلّق بالمجموع، وهو لا يقبل التجزئة من حيث الامتثال، كما هو واضح.
والذي يظهر من أخبار الباب(1)، هو كون المجموع المركّب من صلاتين أو أربع صلوات، نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابيّ واحد، وإن كانت بما هي صلوات متعدّدة. ولكنّ المستفاد من صاحب الجواهر هو الوجه الأوّل، الذي مرجعه إلى استقلال كلّ ركعتين في كونه مأموراً به، ونسب ذلك إلى العلاّمة الطباطبائي(2)، ولعلّه ذهب إليه في كتاب المصابيح; إذ لم نجد ذلك في كتاب الدرّة.
وكيف كان، فقد استدلّ على ذلك في الجواهر بوجوه أربعة:
منها: الأصل.
ومنها: تحقّق الفصل، وهو يقتضي التعدّد.
ومنها: عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها.
ومنها: أنّها مشروعة لتكميل الفرائض، فيكون لكلّ بعض منها قسط منه.
ولكنّها كلّها مخدوشة.
أمّا الأصل; فلأنّ اعتباره إنّما هو فيما إذا لم يكن في مقابله دليل اجتهاديّ، وقد عرفت أنّ المستفاد من ظواهر النصوص والفتاوى هو كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر واحد، فصلاة الليل المركّبة من أربع صلوات بما أنّها صلاة الليل نافلة واحدة لا تصدق على أربع ركعات منها، ولا يترتّب عليها الآثار إلاّ بعد الإتيان بمجموع الثمان، نظير صلاة جعفر(عليه السلام) على ما عرفت.
- (1) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.
- (2) جواهر الكلام 7: 54ـ55.
(الصفحة 54)
هذا، مضافاً إلى أنّه لا أصل في المسألة إلاّ استصحاب عدم الاشتراط الثابت قبل الشرع، والمدّعى هو ارتباط الأجزاء بعضها ببعض، والارتباط يغاير الاشتراط، بداهة أنّه ليس معنى الارتباط إلاّ مجرّد كون المجموع المركّب من الأجزاء متعلّقاً لأمر واحد وطلب فارد. غاية الأمر أنّ ذلك الأمر مع كونه واحداً حقيقة له أبعاض متعدّدة حسب تعدّد أبعاض متعلّقه، ويتعلّق كلّ بعض من الأمر ببعض المتعلّق كما حقّقناه في الاُصول(1)، وهذا لا ارتباط له باعتبار اشتراط بعض الأجزاء ببعض، كما هو واضح.
وأمّا الوجه الثاني: فيرد عليه: أنّ مقتضاه تعدّدها بما أنّها صلاة ومصداق لطبيعتها، لا بما أنّها نافلة الظهر مثلا، والأمر المتعلّق بها إنّما تعلّق بها بعنوانها الثانوي; من كونها نافلة الظهر أو العصر، أو صلاة الليل مثلا، ولم يتعلّق بها بما أنّها صلاة، كما لا يخفى.
وأمّا الوجه الثالث: ففيه: أنّ عدم وجوب الإكمال بالشروع وجواز الاقتصار على البعض لا يدلّ على انطباق عنوان المأمور به على غير الكامل أيضاً; لأنّه لامنافاة بين اعتبار الارتباط بين الأبعاض والحكم بعدم وجوب الإكمال وجواز رفع اليد عنه في الأثناء، ولا تكون هذه الإجازة دالّة على أنّ المأتيّ به ناقصاً مصداق لعنوان المأمور به، ومنطبق عليه لذلك العنوان، حتّى يترتّب عليه الآثار المترتّبة على المجموع.
وقد وقع نظير هذا الخلط من بعضهم في باب صلاة الجماعة، حيث استدلّ على جواز نيّة الانفراد في أثنائها بأنّ الجماعة لم تكن واجبة ابتداءً، وليس هنا ما يدلّ
(الصفحة 55)
على وجوب إدامتها، وعدم جواز رفع اليد عنها(1).
فإنّه يقال عليه: إنّ غاية ذلك هو جواز القطع في الأثناء بنيّة الانفراد. وأمّا كون مقتضى الجواز هو اتّصاف ما وقع منها قبل القطع بوصف الجماعة حتّى يترتّب عليه الآثار المترتّبة على صلاة الجماعة من سقوط القراءة ونحوه، فنحن نمنعه; لعدم الملازمة بينهما، كما هو غير خفيّ.
وأمّا الوجه الرابع: ففيه: أنّ تشريع النوافل لتكميل الفرائض لا يقتضي جواز التقسيط، بحيث كان كلّ قسط دخيلا في التكميل مستقلاًّ، وإلاّ لجاز الاقتصار على بعض صلاة واحدة أيضاً.
وانقدح ممّا ذكرنا أنّ الظاهر كون النوافل المركّبة من أزيد من صلاة واحدة، واحدة بعنوانها، ولم يتعلّق بها إلاّ أمر واحد; ويؤيّده التعبير في الروايات عن نافلة الظهر مثلا بأنّها ثمان ركعات(2)، لا أنّها أربع صلوات; فإنّ هذا التعبير يماثل التعبير عن فريضة الظهر بأنّها أربع ركعات بلا فرق بينهما، فكما أنّ المجموع المركّب من الأربع في الفريضة تعلّق به أمر وجوبيّ واحد، فكذا المجموع المركّب من الثمان في النافلة تعلّق به أمر استحبابيّ واحد، والفرق بينهما إنّما هو في وجوب الأمر واستحبابه، وكذا في جواز القطع وعدمه، وقد عرفت أنّ جواز القطع لا ينافي الارتباط.
ثم إنّه ذكر المحقّق الهمداني في المصباح أنّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين، وفي نافلة العصر على أربع ركعات; لدلالة بعض الأخبار عليه، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر; لما في غير
- (1) مختلف الشيعة 3: 74ـ75.
- (2) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.