(الصفحة 521)
فقال(عليه السلام): جائز(1).
ومنها: خبر الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث(عليه السلام): أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقيّة ولا ضرورة؟ فكتب إليّ: ذلك جائز(2).
ومنها: رواية منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا، ولكن اجعل بينك، وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(3).
ومنها: رواية ياسر الخادم قال: مرّ بي أبو الحسن(عليه السلام) وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه، فقال لي: مالكَ لا تسجد عليه؟ أليس هو من نبات الأرض؟(4). ودلالة هذه الرواية على الجواز مبنيّة على أن يكون الطبري شيئاً معهوداً متخذاً من القطن والكتّان.
وأمّا الطائفة الثانية: فمنها: خبر الأعمش ـ المرويّ في الخصال ـ عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)في حديث شرايع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 307، ح1246; الاستبصار 1: 332، ح1246; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1248; الاستبصار 1: 333، ح1253; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح7.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1247; الاستبصار 1: 332، ح1247; وعنهما وسائل الشيعة 5: 351، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح7.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1249; الاستبصار 1: 331، ح1243; وعنهما وسائل الشيعة 5: 348، أبواب ما يسجد عليه، ب2، ح5.
- (5) تقدّمت في ص516.
(الصفحة 522)
ومنها: خبر أبي العبّاس الفضل بن عبدالملك قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لاتسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان(1).
هذا، وقد جمع بين الطائفتين بوجوه:
منها: حمل الطائفة الاُولى على الجواز، والثانية على الكراهة(2).
ومنها: حمل الطائفة الاُولى على حال الضرورة أو التقيّة، والثانية على حال الاختيار(3).
ومنها: حمل الطائفة الاُولى على ما قبل النسج، والثانية على ما بعده(4).
ولا يخفى ما في هذه الوجوه من الاستبعاد; لأنّ حمل الثانية على الكراهة لا يناسب عطفهما على المأكول، كما في حديث شرايع الدين، وكذا حمل الطائفة الاُولى على الضرورة أو التقيّة ينافي مع تقييد السائل بعدم ثبوتهما.
وأمّا حملها على ما قبل النسج، فهو وإن كان أنسب بمعنى القطن والكتّان; لأنّ المنسوج منهما إنّما يطلق عليه الثوب ونحوه، إلاّ أنّ حمل الطائفة الثانية على ما بعد النسج بعيد; لأنّ المفروض أنّ المأخوذ فيها أيضاً إنّما هو القطن والكتّان.
هذا، ويظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين أنّه أفاد في كتاب صلاته في وجه الجمع بينهما ما ملخّصه:
أنّه يمكن أن يقال: إنّ القطن والكتّان ليسا ممّا يطلق عليه الملبوس بقول
- (1) الكافي 3: 330، ح1; وعنه وسائل الشيعة 5: 344، أبواب ما يسجد عليه، ب1، ح6.
- (2) كما في المعتبر 2: 119; والوافي 8: 742، ذ ح7014.
- (3) كما في تهذيب الأحكام 2: 306ـ308; والاستبصار 1: 331ـ332; وتذكرة الفقهاء 2: 436ـ437; والحدائق الناضرة 7: 251ـ253.
- (4) اُنظر نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 362; وتذكرة الفقهاء 2: 437; وحكاه عنهما في كشف اللثام 3: 343; وجواهر الكلام 8: 705.
(الصفحة 523)
مطلق; فإنّ الظاهر من الملبوس في الأخبار المتضمّنة لمنع السجود عليه، هو ما أُعدّ للبس، ومجرّد قابليّة الشيء لأن يكون ملبوساً لا يوجب صدق عنوان الملبوس عليه، فعلى هذا يكون كلّ من القطن والكتّان على قسمين: قسم يكون معدّاً للّبس، وقسم يكون معدّاً للافتراش ونحوه.
وحينئذ فنقول: إنّ الأخبار المجوّزة للسجود على مطلق القطن والكتّان، تخصّص بالأخبار المانعة عن السجود على الملبوس; فإنّ اخراج الملبوس من خصوص القطن والكتّان عن تحت أدلّة المنع يوجب تقييد موردها بالفرد النادر، وهو الملبوس من غيرهما من جنس النباتات، بل لعلّه لم يكن موجوداً في زمن صدور الأدلّة، فلابدّ من حفظ الملبوس من جنسهما تحت أدلّة المنع، وتقييد مورد أدلّة الجواز بغير ما يكون معدّاً للبس كالفراش ونحوه.
وحينئذ، لو قلنا بأنّ العامّ المخصّص بالتخصيص المنفصل في حكم الخاصّ، يخصّص بأدلّة الجواز عموم الأخبار الناهية عن السجود على القطن والكتّان، ويقيّد موردها بما يكون ملبوساً(1). انتهى موضع الحاجة من ملخّص كلامه(قدس سره).
وأنت خبير بأنّه قد قرّر في محلّه(2) أنّ العامّ المخصّص بالتخصيص المنفصل لا يصير في حكم الخاصّ، بل يبقى على عمومه; بمعنى أنّ حال العامّ مع عامّ آخر قبل خروج فرد من أحدهما وبعده سواء لا فرق بينهما أصلا، وحينئذ فيصير التعارض بين أدلّتي المنع والجواز من قبيل التعارض على نحو التباين.
ولا بدّ في هذا القسم من التعارض من الرجوع إلى المرجّحات، والظاهر أنّ
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله): 100.
- (2) نهاية الاُصول: 338ـ339.
(الصفحة 524)
أدلّة المنع أشهر من حيث الفتوى، كماذكره المحقّق في الشرائع(1)، فالترجيح معها بناءً على ما هو الحقّ من أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى، كما مرّ مراراً(2).
الخامس: يجوز السجدة على القرطاس، ولا خلاف فيه في الجملة(3)، ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك صحيحة عليّ بن مهزيار قال: سأل داود بن فرقد أباالحسن(عليه السلام)عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليهما أم لا؟ فكتب: يجوز(4).
وصحيحة صفوان الجـمّال قال: رأيت أبا عبدالله(عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثرظ ذلك يومئ إيماء(5).
وصحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(6).
وبالجملة: فلا إشكال في جواز السجود عليه في الجملة، وإنّما الإشكال في أنّه هل يجوز السجود عليه مطلقاً(7) وإن لم يكن متّخذاً مـمّا يصحّ السجود
- (1) شرائع الإسلام 1: 73.
- (2) مثل ص475 و 484.
- (3) ذخيرة المعاد: 242، س10; الحدائق الناضرة 7: 247; رياض المسائل 3: 291; جواهر الكلام 8: 712.
- (4) الاستبصار 1: 334، ح1257; تهذيب الأحكام 2: 309، ح1250; وص235، ح929; الفقيه 1: 176، ح830; وعنها وسائل الشيعة 5: 355، أبواب ما يسجد عليه، ب7، ح2.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 309، ح1251; الاستبصار 1: 334، ح1258; المحاسن 2: 123، ح1343; وعنها وسائل الشيعة 5: 355، أبواب ما يسجد عليه، ب7، ح1.
- (6) الكافي 3: 332 ح12; تهذيب الأحكام 2: 304، ح1232; الاستبصار 1: 334، ح1256; وعنها وسائل الشيعة 5: 356، أبواب ما يسجد عليه، ب7، ح3.
- (7) كما في مدارك الأحكام 3: 249; و مفاتيح الشرائع 1: 144، ذ مفتاح 163; وبحار الأنوار 85: 155ـ156; والحدائق الناضرة 7: 247ـ249; والدرّة النجفيّة: 97; وجواهر الكلام 8: 717.
(الصفحة 525)
عليه، أو يختصّ الجواز بما إذا كان متّخذاً من خصوص ما يصحّ السجود عليه(1)؟ الظاهر هو الوجه الثاني. وذلك; لأنّ القراطيس المتعارفة في تلك الأزمنة في المدينة وغيرها كانت مصنوعة من الخشب وشيء من النورة; لأنها كانت هي القراطيس المصنوعة في بلد المصر، المحمولة منه إليها.
بل الظاهر ـ كما يشهد به التاريخ ـ أنّ القراطيس المعمولة في الصين ـ الذي كان أهله متقدّماً في هذه الصنعة على سائر أهل البلاد ـ كان أصلها من الخشب.
وحينئذ فكيف يمكن أن يقال بثبوت الإطلاق للأدلّة المجوّزة؟ وكونها مقيّدة للأدلّة العامّة الدالّة على أنّه لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو نباتها، كما يظهر من كثير منهم، فالظاهر بملاحظة ما عرفت أنّه لا يجوز السجود على القرطاس المتّخذ من غير ما يصحّ السجود عليه، كما أنّ الأحوط أيضاً ذلك.
السادس: قد ذكرنا في صدر المسألة أنّ وجوب السجود على الأرض أو نباتها إنّما هو في حال الاختيار والتمكّن. وأمّا إذا لم يتمكّن من السجود على شيء منهما لحرّ أو برد أو غيرهما، فيجب عليه السجود على ثوبه إن أمكن، وإلاّ فعلى ظهر كفّه(2)، ويدلّ على ذلك الأخبار الواردة في هذا المقام.
منها: ما رواه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي، كيف أصنع؟
- (1) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 362; قواعد الأحكام 1: 263; تذكرة الفقهاء 2: 437; اللمعة الدمشقيّة: 11; البيان: 134; الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي) 1: 103; حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 71; جامع المقاصد 2: 164; كشف اللثام 3: 347.
- (2) كما في جامع المقاصد 2: 163; وحاشية شرائع الإسلام المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 141; ومسالك الأفهام 1: 180; ومدارك الأحكام 1: 250; وكشف اللثام 3: 345; ومفتاح الكرامة 6: 350; وجواهر الكلام 8: 726.