(الصفحة 527)
ومنها: ما رواه محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال: كتب رجل إلى أبي الحسن(عليه السلام): هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد، ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال: نعم لابأس به(1).
والظاهر اتّحاد الروايات الثلاث أيضاً، وأنّ من روى عن أحمد بن عمر في الروايتين الأوّلتين هو شخص واحد; وهو القاسم بن الفضيل أو محمّد بن القاسم بن الفضيل، فعلى الأوّل: تكون كلمة محمّد زائدة في الرواية الثانية، كما أنّ على الثاني تكون هذه الكلمة ساقطة عن العبارة.
والمراد بالرجل الذي كتب إلى الإمام(عليه السلام) في الرواية الثالثة، هو أحمد بن عمر المذكور باسمه في الأوّلتين، كما أنّ المراد بأبي الحسن(عليه السلام) في الأخيرتين، هو أبو الحسن الرضا(عليه السلام) المذكور في الرواية الاُولى، فلا تغفل.
ومنها: خبر عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن اُصلّي على الحصى، فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال: نعم، ليس به بأس(2).
ومنها: ما رواه منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(3).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 307، ح1243; الاستبصار 1: 333، ح1252; وعنهما وسائل الشيعة 5: 350، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 306، ح1239; الاستبصار 1: 332، ح1248; وعنهما وسائل الشيعة 5: 350، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 308، ح1247; الاستبصار 1: 332، ح1247; وعنهما وسائل الشيعة 5: 351، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح7.
(الصفحة 528)
ومنها: ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر، عن أخيه(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال: إذا كان مضطرّاً فليفعل(1).
- (1) قرب الإسناد: 184، ح684; وعنه وسائل الشيعة 5: 352، أبواب ما يسجد عليه، ب4، ح9.
(الصفحة 529)
المقدّمة السادسة
في الأذان والإقامة
إعلم أنّه قد ورد ذكر الأذان في موضعين من الكتاب العزيز:
أحدهما: قوله ـ تعالى ـ : (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)(1).
وثانيهما: قوله ـ تعالى ـ : (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُواْ الْبَيْعَ ذَ لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
- (1) سورة المائدة 5: 57ـ58.
(الصفحة 530)
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(1).
والمراد بالنداء إلى الصلاة المذكور في الآيتين هو الأذان; إذ لو كان المراد به غيره لنقل ذلك في كتب التواريخ والسير المعدّة لنقل جميع حالات النبيّ(صلى الله عليه وآله)والمسلمين في زمانه، ومن المعلوم عدمه، فلا ينبغي التأمّل في أنّ المراد هو الأذان لاشيء آخر.
ثمّ إنّ التعبير عن الأذان بالنداء إلى الصلاة كما في الآيتين يشعر بل يدلّ على أنّه مجعول لدعوة الناس إلى إقامة الجماعة بعد حضورهم في المساجد; إذ «النداء» لغة عبارة عن الصوت البليغ الذي يسمعه أكثر الناس(2)، وهو لا يناسب الصلاة منفرداً، كما أنّ التعبير عنه بالنداء يدلّ على خروجه عن حقيقة الصلاة جزءاً وشرطاً، وأنّه لا يكون ممّا تتقوّم به الصلاة; إذ النداء للشّيء غير نفس الشيء، بل مضمون بعض فصوله الأخيرة كالحيّعلات يدلّ على عدم ارتباطه بالصلاة أصلا، كما أنّ الإقامة أيضاً كذلك; لاشتراكها معه في تلك الفصول.
والفرق بينهما أنّ الأذان نداء ودعوة للغائبين، والإقامة تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد; لاشتغالهم بذكر الاُمور الدنيويّة بعد حصول الاجتماع كما هو دأبهم، فربما لا يلتفتون إلى قيام الصلاة إلاّ بعد ركعة أو أزيد، فالإقامة تنبيه لهم إلى قيامها.
ويؤيّد ذلك ما ورد في بعض الأخبار من التعبير عن الأذان والإقامة معاً
- (1) سورة الجمعة 62: 9.
- (2) راجع النهاية فى غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزرى 5: 37; ولسان العرب 6: 165; ومجمع البحرين 3: 1766.
(الصفحة 531)
بالأذان(1)، ولو لم تكن الإقامة أيضاً نداءً لم يكن وجه لذلك التعبير بعد كون الأذان لغة بمعنى الإعلام، كما لا يخفى.
وبالجملة: فكونهما نداءً دليل على خروجهما عن حقيقة الصلاة، وعدم تقوّمها بهما بحيث لو وقعت بدونهما أو بدون أحدهما لبطلت.
ثمّ ممّا ذكرنا ـ من أنّ مشروعيّة الأذان والإقامة كانت لإقامة الجماعة، واطّلاع الناس على دخول الوقت حتّى يجتمعوا في المساجد لإقامتها، غاية الأمر أنّ الأذان إعلام للبعيد، والإقامة إيذان للقريب كما عرفت ـ يظهر عدم وجوبهما، لا وجوباً استقلاليّاً، ولا شرطيّاً للجماعة أو لأصل الصلاة; إذ القول بالوجوب حينئذ مساوق للقول بوجوب الجماعة، مع أنّها فضيلة للصلاة، كما هو المرتكز والمعروف بين الناس من زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله)والأئـمّة(عليهم السلام)إلى يومنا هذا، مضافاً إلى إجماع الفقهاء على عدم وجوب الجماعة، غاية الأمر تأكّد استحبابها(2).
هذا، مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من التحريص والترغيب إلى فعلهما بالنسبة إلى المنفرد، معلّلا بأنّ الصلاة مع الأذان والإقامة أو مع أحدهما سبب لائتمام الملائكة به(3)، فتصير صلاة المنفرد بذلك جماعة.
غاية الأمر أنّ الصلاة مع أحدهما يوجب إئتمام صفّ واحد من الملائكة
- (1) تهذيب الأحكام 2: 285، ح1139 و 1141; الاستبصار 1: 304، ح1130; وعنهما وسائل الشيعة 5: 434، أبواب الأذان والإقامة، ب29، ح1; وص437، ب30، ح3.
- (2) المبسوط 1: 152; الخلاف 1: 541، مسألة 279; غنية النزوع: 87; المعتبر 2: 414; تذكرة الفقهاء 4: 227ـ229، مسألة 527ـ529; كشف اللثام 4: 442; مستند الشيعة 8: 11ـ13; جواهر الكلام: 214.
- (3) أمالي الطوسي: 534 و 535، قطعتين من ح1162; وعنه وسائل الشيعة 5: 383، أبواب الأذان والإقامة، ب4، ح9، وروايات اُخر في الباب.