(الصفحة 540)
على نفيه.
الثاني: في الترجيع الذي حكم الشافعي ومالك باستحبابه، وأحمد بالتخيير بينه وبين عدمه.
الثالث: في التثويب الذي حكم الشافعي باستحبابه.
الرابع: في مقدار التكبير في أوّله، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنّه مرّتان لا أربع.
الخامس: في التهليل في آخره.
ويظهر من جميع من ذكرنا قوله(1): «والشهادة بالتوحيد مرّة واحدة» بدل التهليل مرّتين في آخره، ومخالفة مشهور الإماميّة وكذا العامّة مع بعض أصحابنا إنّما هو في مورد واحد، وهو مقدار التكبير في آخره، فظاهره أنّه أربع مرّات كالتكبير في أوّلة، خلافاً للمشهور بين المسلمين، حيث ذهبوا إلى أنّه مرّتان لا أربع.
هذا، ويوجد في بعض الكتب الفقهيّة اختلاف الأمصار الأربعة الإسلاميّة; أعني مكّة المكرّمة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، في الأذان.
فأذان مكّة المكرّمة عبارة عن التكبير أربع مرّات والشهادتين تربيعاً; بأن يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله أربع مرّات متعاقبة، ثمّ يعقّبه بالشهادة بالرسالة كذلك، ثمّ سائر الفصول مثنى مثنى.
وأذان المدينة هكذا إلاّ في تربيع الشهادتين; فإنّ أذانهم إنّما هو مع ترجيع الشهادتين لا تربيعهما، وقد مرّ تفسير الترجيع.
- (1) أي قول الشافعيّ المتقدّم.
(الصفحة 541)
وأذان الكوفة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل، وتثنية باقي الأذان، فيوافق مذهب الإماميّة إلاّ في فصل واحد قد عرفت اتّفاقهم على نفيه، وهو الدعاء إلى خير العمل.
وأذان البصرة عبارة عن تربيع التكبير الأوّل، وتثليث الشهادتين وحيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح، يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله مرّة، ثمّ يتبعه بالشهادة بالرسالة مرّة، ثمّ يدعو إلى الصلاة كذلك، ثمّ يدعو إلى الفلاح كذلك، ثمّ يعيد المجموع مرّة ثانية، ثمّ يعيدهنّ ثالثة(1).
والعجب أنّ كلاًّ منهم استند لمذهبه بالسيرة المستمرة من زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وهذا المعنى ممّا يدلّ على عدم اعتناء أكثر الصحابة بالأحكام الشرعيّة، وإلاّ فكيف يمكن أن يخفى عليهم مثل هذا الأمر المكرّر في كلّ يوم وليلة خمس مرّات، وحينئذ فيرتفع الاستبعاد عمّا ورد من الأئـمّة(عليهم السلام)ممّا يخالف جميعهم، كما هو واضح.
ثمّ إنّه يدلّ على ما ذهب إليه مشهور الإماميّة في كيفيّة الأذان، بعض الروايات الواردة في هذا الباب(2)، ولكونها موافقة للشهرة من حيث الفتوى، بل وكذا من حيث الرواية يجب الأخذ بها دون غيرها ممّا يدلّ بظاهره على خلاف المشهور; لما حقّقناه في الاُصول من أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة(3).
هذا كلّه في الأذان. وأمّا الإقامة، فالمشهور بين الإماميّة أنّها سبعة عشر فصلا(4)
- (1) بداية المجتهد 1: 108ـ109.
- (2) وسائل الشيعة 5: 413ـ427، أبواب الأذان والإقامة، ب19ـ22.
- (3) نهاية الاُصول: 541ـ543; وقد تقدّم فى ص475 و 484.
- (4) مدارك الأحكام 3: 281; كشف اللثام 3: 375; مفتاح الكرامة 6: 469ـ473; جواهر الكلام 9: 134ـ135; ويراجع المصادر التي ذكرناها في هامش ص538 في كيفيّة الأذان.
(الصفحة 542)
على ترتيب فصول الأذان، وينقص من التكبيرات في أوّله تكبيرتان، ويزاد فيها بدلهما قد قامت الصلاة مرّتين بعد قول حيّ على خير ا لعمل، وينقص أيضاً من التهليل في آخره مرّة واحدة، ومن قال من أصحابنا: إنّ الأذان عشرون فصلا، فقد ذهب إلى أنّ الإقامة اثنان وعشرون فصلا(1)، أثبت فيها جميع فصول الأذان مع زيادة قد قامت الصلاة مرّتين في الموضع المذكور.
وعليه: فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة عنده اثنين وأربعين فصلا، كما أنّ مجموع فصولهما عند المشهور خمسة وثلاثون فصلا.
ويدلّ عليه ما رواه في الكافي عن إسماعيل الجعفي قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً، الأذان ثمانية عشر حرفاً، والإقامة سبعة عشر حرفاً(2).
وغيرها ممّا يدلّ على ذلك، ولا ريب أنّ الترجيح معها; لكونها موافقة لفتوى المشهور، كما عرفت.
[ ما قيل باعتباره في الأذان والإقامة ]
مسألة: فيما قيل أو يمكن أن يقال باعتباره في الأذان والإقامة، وهي اُمور:
أحدها: ترك التكلّم، والكلام فيه قد يقع من حيث تكلّم المؤذّن في أثناء الأذان أو بعده، وقد يقع من حيث تكلّم المقيم نفسه في أثناء الإقامة أو بعدها، وقد يقع من حيث تكلّم المجتمعين في المسجد لإقامة صلاة الجماعة.
- (1) الهداية: 131، ب42; النهاية: 69; وانظر مصباح المتهّجد: 29; والخلاف 1: 279، مسألة 20.
- (2) الكافي 3: 302، ح3; تهذيب الأحكام 2: 59، ح208; الاستبصار 1: 305، ح1132; وعنها وسائل الشيعة 5: 413، أبواب الأذان والإقامة، ب19، ح1.
(الصفحة 543)
أمّا من الحيثيّة الاُولى: فمقتضى الأخبار الكثيرة جواز تكلّم المؤذِّن في الأثناء أو بعده.
منها: رواية عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس به. قلت: في الإقامة؟ قال: لا(1).
ومنها: رواية سماعة قال: سألته عن المؤذّن أيتكلّم وهو يؤذّن؟ قال: لا بأس حين يفرغ من أذانه(2).
والمراد بهذا القول يحتمل أن يكون حين الفراغ من جميع فصول الأذان، فيدلّ بمفهومه على ثبوت البأس في مورد السؤال، وهو تكلّم المؤذّن في أثناء الأذان، واللاّزم حينئذ الحمل على الكراهة، جمعاً بين الأخبار، ويحتمل أن يكون المراد حين الفراغ من كلّ فصل من فصول الأذان، فيدلّ بمفهومه على جواز التكلّم في الأثناء.
ومنها: رواية محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ فقال: لا بأس(3).
ومنها: خبر الوصيّة الدالّ على كراهة التكلّم بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة(4)، لكنّه ضعيف من حيث السند.
- (1) الكافي 3: 304، ح10; تهذيب الأحكام 2: 54، ح182; الاستبصار 1: 300، ح1110; وعنها وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 54، ح183; وعنه وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح6.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 54، ح186; الاستبصار 1: 301، ح1113; وعنهما وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح8.
- (4) أمالي الصدوق: 378، ح3; الفقيه 4: 257، ح822، وعنهما وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة ب10، ح2.
(الصفحة 544)
وأمّا من الحيثيّة الثانية: فمقتضى بعض الأخبار جواز التكلّم في الإقامة أو مطلقاً; أي ولو بعدها، كرواية محمّد الحلبي المتقدّمة.
ورواية الحسن بن شهاب قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة، وبعدما يقيم إن شاء(1).
ورواية حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الرجل يتكلّم بعدما يقيم الصلاة؟ قال: نعم(2).
ومقتضى بعضها الآخر عدم جواز ذلك; كرواية محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة; فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة(3).
ورواية عمرو بن أبي نصر المتقدّمة، الدالّة على ثبوت البأس فيما لو تكلّم في الإقامة.
ورواية أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): يا أبا هارون، الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤمّ بيدك(4).
هذا، ومقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الثانية منهما على الكراهة، مضافاً إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الحكم بالكراهة; فإنّ المقيم كأنّه
- (1) تهذيب الأحكام 2: 55، ح188; مستطرفات السرائر: 94، ح5; الاستبصار 1: 301، ح1115; وعنها وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح10.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 54، ح187; الاستبصار 1: 301، ح1114; وعنهما وسائل الشيعة 5: 395، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح9.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 55، ح191; الاستبصار 1: 301، ح1112; وعنهما وسائل الشيعة 5: 394، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح3.
- (4) الكافي 3: 305، ح20; تهذيب الأحكام 2: 54، ح185; وعنهما وسائل الشيعة 5: 396، أبواب الأذان والإقامة، ب10، ح12.