(الصفحة 556)
الصلاة الاُولى.
ويدلّ عليه ما رواه في الكافي عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال: إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ، فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ثمّ صلِّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة(1).
وما رواه فيه أيضاً عن موسى بن عيسى قال: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب(عليه السلام): يعيدها بإقامة(2). وغيرهما ممّا يدلّ عليه من الأخبار.
ولا يخفى أنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية في جميع الموارد المتقدّمة ليس لخصوصيّة فيها، بل السقوط إنّما هو من ناحية الجمع بين الصلاتين، فلو جمع بينهما في غير تلك الموارد يسقط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً، كما أنّه ربما يوافقه الاعتبار; لما عرفت من أنّ حقيقة الأذان إنّما هو النداء إلى إقامة الصلاة ليجتمع الناس في المسجد، وفي موارد الجمع يكون الناس مجتمعين فيه، فلا حاجة إلى النداء. نعم، لا تسقط الإقامة، لكونها لتنبيه الحاضرين كما تقدّم.
هذا، مضافاً إلى أنّ رواية عمر بن اُذينة المتقدّمة، لا اختصاص لها بالجمع في يوم عرفة، أو بمزدلفة، بل يستفاد منها الإطلاق.
لا يقال: إنّ مدلولها حكاية فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له كالقول، فلعلّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهرين في يوم عرفة بأذان وإقامتين،
- (1) الكافي 3: 291، ح1; تهذيب الأحكام 3: 158، ح340; وعنهما وسائل الشيعة 5: 446، أبواب الأذان والإقامة، ب37، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 282، ح1124; وعنه وسائل الشيعة 5: 446، أبواب الأذان والإقامة، ب37، ح2.
(الصفحة 557)
وبين العشاءين بمزدلفة كذلك.
لأنّا نقول: لا نسلّم عدم الإطلاق فيما لو كان الحاكي هو الإمام(عليه السلام)، وكان المقصود من حكايته بيان الحكم; فإنّه(عليه السلام) لو لم يأخذ في مقام بيان الحكاية قيداً، يستفاد منه الإطلاق، كما لا يخفى.
وبالجملة: فالظاهر إطلاق الحكم وسقوط الأذان فيما لو جمع بين الصلاتين أو أزيد بالنسبة إلى غير الاُولى. هذا ما ذهب إليه الخاصّة. وأمّا العامّة، فحيث إنّ الجمع عندهم يختصّ بموارد خاصّة(1); لعدم كون الجمع عندهم مقابلا للتفريق، بل معناه هو الإتيان بصلاة في وقت صلاة اُخرى، كالإتيان بصلاة الظهر في وقت صلاة العصر; إذ أوقات الصلوات متبائنة عندهم، فينحصر جواز الجمع والاكتفاء بأذان واحد بموارد خاصّة.
ثمّ إنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى غير الصلاة الاُولى هل هو على نحو العزيمة أو الرخصة؟ وجهان. ولا يخفى أنّه لا يستفاد من الأدلّة الواردة في هذا الباب وجوب ترك الأذان أصلا، مضافاً إلى أنّ التعليل الوارد في بعض الروايات ربما يؤيّد عدم الوجوب.
وتوهّم أنّ الأمر بالترك والاكتفاء بالإقامة يدلّ على ذلك، يدفعه أنّ متعلّق الأمر هو الجمع، ولا إشكال ولا خلاف في عدم وجوبه حتى في الموارد المتقدّمة، كما يدلّ عليه كثير من الأخبار، واستحباب الجمع في الموارد المتقدّمة الراجع إلى أفضليّة الاشتغال بالفريضة الثانية، والمبادرة إليها بدون فصل حتّى بالأذان، لا ينافي كون الأذان راجحاً بالإضافة إلى تركه المطلق وإن كان
- (1) كالسفر والمطر مثلاً، وتقدّم في ص147 مفصّلاً.
(الصفحة 558)
بالإضافة إلى المبادرة بالفريضة مرجوحاً.
فهو نظير العبادات المكروهة التي ينطبق عنوان أرجح على تركها مع بقائها على الراجحيّة بالنسبة إلى مطلق الترك، فالمقام من هذا القبيل، لا من باب التخصيص حتّى يقال بأنّه لا دليل على استحباب الأذان في الموارد المذكورة، فيلزم التشريع لو أتى به عبادة، كما لا يخفى.
وبالجملة، فالظاهر أنّ سقوط الأذان في تلك الموارد إنّما هو على طريق الرخصة لا العزيمة، كما عرفت.
مسألة: يسقط الأذان والإقامة معاً فيما إذا صلّى الناس جماعة، ثمّ جاء آخرون قبل تفرّق صفوفهم; فإنّهما يسقطان بالنسبة إليهم، وهذا في الجملة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال(1); لدلالة الأخبار الكثيرة الآتية عليه، وإنّما وقع الكلام والإشكال في بعض خصوصيّات المسألة، فالأولى نقل الأخبار الواردة في هذا المقام حتّى يتّضح بها حقيقة الحال، فنقول وعلى الله الاتّكال:
الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة:
منها: ما رواه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح(2)، عن يونس بن سعيد، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم؟ فقال: ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم،
- (1) شرائع الإسلام 1: 74ـ75; المعتبر 2: 136ـ137; تذكرة الفقهاء 3: 62، مسألة 170; الدروس الشرعيّة 1: 164; مسالك الأفهام 1: 183; مجمع الفائدة والبرهان 2: 167; مفتاح الكرامة 6: 406; مستند الشيعة 4: 529; جواهر الكلام 9: 67.
- (2) هذا الرجل وكذا الذي بعده مجهولان (منه)، كذا في المخطوط ص189، والمطبوع سنة 1398، ج1، ص283، ولكن في الكافي والتهذيب وكلا طبعتي الوسائل والوافي 7: 607، ومرآة العقول 15: 86، ح12: صالح (خالد خ ل) ابن سعيد، عن يونس، ويونس في هذه الطبعة هو ابن عبد الرحمن.
(الصفحة 559)
فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان(1).
ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال: إن كان قد دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام(2).
ولا يخفى أنّ هذه الرواية هي الرواية السابقة; بمعنى أنّ أبا بصير سأل الإمام(عليه السلام)عن حكم المسألة مرّة واحدة، وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد، غاية الأمر أنّه نقلها لعدّة رواة، والاختلاف إنّما نشأ من اختلاف نقله لهم، أو نقلهم لغيرهم، وحينئذ فالواجب الاقتصار على القدر المتيقّن.
ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب أيضاً عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليّ، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد(3)، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ(عليهم السلام) قال: دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس، فقال لهما عليّ(عليه السلام): إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم(4).
ومنها: ما رواه فيه أيضاً عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمّد،
- (1) الكافي 3: 304، ح12; تهذيب الأحكام 2: 277، ح1100; وعنهما وسائل الشيعة 5: 429، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 281، ح1120; وعنه وسائل الشيعة 5: 430، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح2; وج8: 414، أبواب صلاة الجماعة، ب65، ح1.
- (3) وليعلم أنّه من فقهاء الزيديّة وعظمائهم، يروي كتاب زيد «منه».
- (4) تهذيب الأحكام 2: 281، ح1119; وج3: 56، ح191; وعنه وسائل الشيعة 5: 430، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح3; وج8: 451، أبواب صلاة الجماعة، ب65، ح3.
(الصفحة 560)
عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليهم السلام)، أنّه كان يقول: إذا دخل الرجل المسجد وقد صلّى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، ولا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(1).
ومنها: ما رواه فيه أيضاً عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق، عن عمّار، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في حديث: في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة(2).
ومنها: ما رواه أيضاً عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد(3)، عن أبي عليّ قال: كنّا عند أبي عبدالله(عليه السلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك، فقال أبو عبدالله: أحسنت إدفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (يبدو خ ل) بهم إمام، الحديث.
ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي عليّ الحرّاني مثله، إلاّ أنّه قال: أحسنتم، ادفعوه عن ذلك وامنعوه أشدّ المنع، فقلت له: فإن دخل جماعة؟ فقال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو لهم إمام(4).
- (1) تهذيب الأحكام 3: 56، ح195; وعنه وسائل الشيعة 5: 431، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح4.
- (2) الفقيه 1: 258، ح1170; تهذيب الأحكام 3: 282، ح836; وعنهما وسائل الشيعة 5: 431، أبواب الأذان والإقامة، ب25، ح5.
- (3) لا يخفى أنّ الحسين بن سعيد متأخّر عن أبي عليّ بمرتبتين، ولا يمكن له أن يروي عنه، والظاهر سقوط الواسطة بينهما، وأنّها هو محمد بن أبي عمير كما في سند الصدوق «منه».
- (4) تهذيب الأحكام 3: 55، ح190; الفقيه 1: 266، ح1215; وعنهما وسائل الشيعة 8: 415، أبواب صلاة الجماعة، ب65، ح2.