(الصفحة 96)
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(1).
ومنها: رواية الصباح بن سيّابة، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(2).
ومنها: رواية سفيان بن السمط، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(3).
ومنها: رواية مالك الجهني قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن وقت الظهر؟ فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(4).
ومنها: رواية منصور بن يونس، عن العبد الصالح(عليه السلام)قال: سمعته يقول: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين(5).
ومنها: رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا(عليه السلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل; فكتب(عليه السلام): كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب
- (1) الكافي 3: 276، ح5; تهذيب الأحكام 2: 27، ذ ح29; وعنهما وسائل الشيعة 4: 130، أبواب المواقيت، ب4، ح21.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 243، ح964; الاستبصار 1: 245، ح874; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح8.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 244، ح965; الاستبصار 1: 246، ح875; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح9.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 244، ح967; الاستبصار 1: 246، ح877; وعنهما وسائل الشيعة 4: 128، أبواب المواقيت، ب4، ح11.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 244، ح966; الاستبصار 1: 246، ح876; وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، أبواب المواقيت، ب4، ح10.
(الصفحة 97)
ضيّق، الحديث(1).
ومنها: غير ذلك ممّا هو ظاهر في الاشتراك.
وأمّا القسم الثاني: فروايتان:
إحداهما: رواية داود بن أبي يزيد المتقدّمة، وهي وإن كانت مرسلة بإبهام الواسطة، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بحجّيتها بعد انجبارها بعمل الأصحاب.
ثانيتهما: رواية الحلبي المتقدّمة أيضاً.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا مجال للإشكال في أخبار الاشتراك والاعتراض عليها من حيث السند; فإنّها مع كثرتها لا يمكن إنكار صدورها، مضافاً إلى ذلك أنّك عرفت أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك أيضاً.
ولا بأس بنقل عبارة السيّد في هذا المقام الدالّة على صدور أخبار الاشتراك أيضاً، قال في الناصريّات: والذي نذهب إليه أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف، ثمّ يختصّ أصحابنا بأنّهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معاً، إلاّ أنّ الظهر قبل العصر.
وتحقيق هذا الموضوع: أنّه إذا زالت فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدَّى أربع ركعات، فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان(2). انتهى موضع الحاجة.
وصرّح المحقّق أيضاً بصدور أخبار الاشتراك عنهم(عليهم السلام)، حيث قال في المعتبر ما لفظه: واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين»، وزعم أنّ الحذّاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ،
- (1) الكافي 3: 281، ح16; تهذيب الأحكام 2: 260، ح1037; الاستبصار 1: 270، ح976; وعنها وسائل الشيعة 4: 130، أبواب المواقيت، ب4، ح20; و ص186، ب17، ح14.
- (2) مسائل الناصريّات: 189، مسألة 72.
(الصفحة 98)
من حيث إنّ الظهر يختصّ بمقدار أربع ركعات; فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر; لأنّه ما درى أنّه نصّ من الأئـمّة(عليهم السلام)، أو درى وأقدم.
وقد رواه زرارة، وعبيد، والصباح بن سيّابة، ومالك الجهني، ويونس من العبد الصالح، عن أبي عبدالله(عليه السلام)ومع تحقّق كلامهم يجب الإعشاء بالتأويل لا الإقدام بالطعن(1). انتهى موضع الحاجة.
وبالجملة: فالإشكال في صدور أخبار الاشتراك ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه، فالواجب الجمع بينها، وبين ما يدلّ على الاختصاص بالجمع الدلالي، ولكن يمكن أن يقال بأنّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدلالة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك المطلق، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدويّ يرفع اليد عنه بسببها; لأنّ قوله(عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلاّ أنّ هذه قبل هذه» إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع، لا وقت كلّ واحد منهما، ولو سلّم ظهوره في ذلك فالاستثناء الذي هو ظاهر كلمة «إلاّ» يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر; لأنّ الظاهر أنّ المراد بالقبليّة، القبليّة بحسب الوقت; لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان، بعد كونه ضروريّاً عند المسلمين جميعاً.
وحينئذ فقوله(عليه السلام): «إلاّ أنّ هذه قبل هذه» لم يكن مسوقاً لبيان اعتبار الترتيب، بل المقصود به أنّ وقت صلاة الظهر يدخل قبل دخول وقت صلاة العصر، فتكون هذه الجملة بمنزلة الاستثناء للصدر.
وإن شئت قلت: إنّ رواية ابن فرقد بمنزلة الاستثناء لهذه الروايات، فيصير مفاد
(الصفحة 99)
المجموع هو اشتراك الصلاتين إذا زالت الشمس ومضى مقدار أربع ركعات; فإنّه يختصّ بالظهر فقط.
هذا، ولا يمكن أن تجعل أخبار الاشتراك قرينة على توجيه هذه الرواية; لعدم كونها قابلة للتوجيه بعد صراحتها في أنّ لكلّ من الصلاتين وقتين: وقت اختصاصيّ، ووقت يشتركان فيه.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ التفصيل في الرواية إنّما هو لبيان اعتبار الترتيب بين الصلاتين في الجملة حتّى لا ينافي اختصاص اعتباره بحال الذكر، فتخصيص أوّل الوقت بالظهر ليس لأجل اختصاصه بها، بل لكون ترتّب العصر عليها مقتضياً للإتيان بها قبل العصر ولو في الوقت المشترك; لعدم التمكّن من الإتيان بها قبلها في أوّل الوقت. وحينئذ فمقصود الرواية ليس بيان الوقت من حيث الاختصاص وعدمه، بل مقصودها أنّ اعتبار الترتيب اقتضى وقوع الظهر في أوّل الوقت قهراً.
هذا، ولكن لا يخفى أنّ هذا التوجيه ـ مضافاً إلى كونه بعيداً عن مساق الرواية، وإلى أنّ اعتبار الترتيب أمر بديهيّ لا يحتاج إلى البيان ـ لا يجري في ذيل الرواية; إذ لو كان الغرض بيان الترتيب، لكان اللاّزم فيمن لم يأت بشيء من الصلاتين إلى أن بقي من مجموع الوقت مقدار أربع ركعات، أن يأتي بالظهر فقط مراعياً للترتيب، فلا وجه لتقديم العصر حينئذ إلاّ أن يكون الوقت مختصّاً بها.
وبالجملة: سقوط التكليف بالظهر في ذلك الفرض، ووجوب الإتيان بالعصر فقط ممّا يدلّ قطعاً على اختصاص الوقت بها، فالرواية حيث تكون متعرّضة للحكم المذكور، فلابدّ من أن يكون المقصود بها هو بيان الوقت الاختصاصي وغيره.
(الصفحة 100)
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ وقت الظهر مبائن لوقت العصر عند العامّة، وكذا وقت المغرب والعشاء، فعند بعضهم يكون أوّل الزوال إلى المثل وقتاً للظهر، ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر، وعند بعضهم الآخر يكون أوّل الزوال إلى المثلين وقتاً للظهر، ثمّ يخرج وقتها ويدخل وقت العصر(1). نعم، حكي عن ربيعة، القول بدخول الوقتين بمجرّد الزوال(2)، ولكن هذا القول شاذّ عندهم.
وكيف كان، فالسيرة المستمرّة فيهم إلى زماننا هذا هو إتيان العصر بعد مدّة طويلة من إتيان الظهر، فكانوا يصلّون الظهر ثمّ يتفرّقون إلى مشاغلهم، إلى أن يصير ظلّ الشاخص مثله أو مثليه، ثمّ يعودون للإتيان بالعصر، وكان الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً متّصلا بلا انقطاع أمراً منكراً عندهم، ولذلك تعجّب أبو أُمامة من فعل أنس فيما رواه البخاري عنه، حيث روى عنه أنّه قال: صلّينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك، فوجدناه يصلّي العصر، فقلت: ما هذه الصلاة؟ فقال: العصر وهذه صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، التي كنّا نصلّي معه(3).
وبالجملة: فالتباين في الوقت في الظهرين وكذا العشاءين كان أمراً مرتكزاً في أذهانهم، بحيث التزموا بعدم اشتراك الوقت أيضاً في موارد الجمع، كما في السفر وعند المطر، وأنّ وقت الصلاة الاُولى يصير مضيّقاً بسبب الآخر; والدليل لهم في ذلك ما روي من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يفرّق بين الصلاتين(4). مضافاً إلى رواية
- (1 ، 2) المغني لابن قدامة 1: 382ـ384; المجموع 3: 24ـ26; الشرح الكبير 1: 430ـ431 و 434ـ436; الخلاف 1: 257، مسألة 4; وص260، مسألة 5; تذكرة الفقهاء 2: 303ـ304، مسألة 26; وص308 مسألة 28.
- (3) صحيح البخاري 1: 156، ح549.
- (4) سنن ابن ماجة 1: 363ـ364، ح667 و 668; سنن النسائي 1: 283، ح498; سنن الترمذي 1: 286، ح152.