(الصفحة 106)
أنّ الزوجة الصغيرة المطلّقة لا عِدّة عليها(1) ، ومن ناحية اُخرى كما تقدّم في باب النكاح لنا دليل على أنّه لا يجوز الدخول بالصغيرة ما لم تبلغ(2) ، فاللاّزم حمل الآية في المقام على «اللاَّئِى لَمْ يَحِضنَ» مع ثبوت الدخول بهنّ ، ويلزم من هذا أن يكون الموضوع المجعول في كلامه موضوعاً غير مشروع مضافاً إلى ندرة تحقّقه ، فالآية المتقدّمة قرينة على أنّ المراد بـ «اللاَّئِى لَم يَحِضنَ» ليس خصوص المدخول بها ، فاللاّزم حينئذ أن يقال: بأنّ مقتضى التحقيق عدم كون المراد بالجملة الثانية الصغيرة أصلا ، بل المراد هي النساء البالغة المطلّقة المدخول بها ، التي لم تردم الحيض . ومن هنا تحصل هذه النتيجة ، وهي أنّ الذين قيّدوا الجملة الثانية بكونهنّ في سنّ من تحيض يكون كلامهم صحيحاً .
إلى هنا ظهر الجواب عن السيّد(قدس سره) القائل بأنّ المراد بالجملة الثانية مطلق الصغيرة . ثم نرجع إلى الطائفة الاُولى ، فنقول: إنّها على ثلاثة أقسام :
1 ـ اليائسة المصطلحة الفقهيّة كالبالغة سنّ خمسين وواحداً أو ستين وواحداً .
2 ـ اليائسة المُرتابة أي المرأة التي انقطع عنها الدم ، لكن لا تعلم سبب الإنقطاع ومنشأه هل هو الكبر والبلوغ حدّ اليأس ، أو خصوصية عرضت عليها وظهرت فيها .
3 ـ المرأة التي هي محلّ البحث ، وهي المرأة التي لا تحيض وهي في سن من تحيض ، ولعلّها لا تحيض إلى آخر العمر أصلا بسبب إخراج الرّحم ، وقيد «إِنِ ارتَبتُم» بالمعنى الذي ذكرنا يخرج الطائفة الاُولى ، غاية الأمر خروجها بأيّ نحو هل
- (1) في ص94 .
- (2) في أوائل كتاب النكاح مسألة 12 .
(الصفحة 107)
هو بنحو تدل الآية الشريفة بالمفهوم على عدم ثبوت العِدّة لهنّ ، أو بنحو لا تعرض في الآية بالإضافة إلى حكمهنّ؟ إن قيل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية على خلاف ما حقّقناه في محلّه من عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية; لكان اللازم الإلتزام بدلالة الآية مفهوماً على عدم ثبوت العِدّة لهن ، وإن لم نقل بثبوت المفهوم; لكانت الآية غير متعرّضة لحكم اليائسة الاصطلاحية لا دالّة على إثبات العدّة لهنّ ، ولا دالّة على نفيها فيهنّ; لأنّ المفروض دخالة قيد الارتياب في ثبوت العِدّة لهنّ والاعتداد ثلاثة أشهر .
بقي في المقام طائفتان أخريان :
إحداهما : الطائفة الثانية وهي اليائسة المرتابة بالمعنى الذي ذكرنا ، والظاهر أنّها داخلة في الآية الشريفة . وإن قلنا بعدم المفهوم للقضية الشرطية; لأنّ ذكر هذا القيد دليل على دخالته في ثبوت الحكم وإلاّ تلزم اللغوية ، فاللازم الالتزام بخروج اليائسة المصطلحة من الآية .
وأمّا الطائفة الثالثة ، فالظاهر أنّه يستفاد من الآية الشريفة ثبوت إعتداد ثلاثة أشهر لهنّ; لأنّ هذه الطائفة مشتركة مع الطائفة الداخلة في الآية في أنّ الحيض صار منقطعاً ، ومختلفة في أنّ مورد الآية صورة الإرتياب واحتمال اليأس ، وفي هذه الطائفة لا يحتمل اليأس ، بل هي واقعة في سنّ من تحيض . ومن الواضح أنّ احتمال اليأس لا دخالة له في ثبوت العدّة، بل يمكن أن يقال: بأنّ الطائفة الثالثة تكون العدّة ثابتة لهنّ بنحو أولى ، وأن لا تكون الأحكام إلاّ تعبّدية ، إلاّ أنّ مرجع التعبدية ليس إلى أنّه لا سبيل إلى فهم المناسبة بين الحكم والموضوع ، فإذا قال الشارع: بأنّ اليائسة المصطلحة لا عدّة عليها ، وقال أيضاً: بأنّ اليائسة المرتابة عليها العدّة ، فهل لا يستفاد ثبوت الإعتداد في مثل المقام المشترك مع اليائسة المرتابة في انقطاع
(الصفحة 108)
الحيض ، والممتاز عنها بعدم احتمال اليأس أو يستفاد بطريق أولى؟
إلى هنا ظهر أمران :
الأوّل: في مقابل السيّد المرتضى(قدس سره) ، حيث إنّه استفاد من الآية الشريفة أنّ اليائسة المصطلحة عليها الإعتداد ثلاثة أشهر ، ونحن أجبنا عنه بأنّ قيد «إنِ ارتَبتُم» ينافي ذلك ، وان لم نقل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية .
الثاني : إنّ في أصل المسألة يعني النساء اللاّتي انقطع عنهنّ الحيض; لأجل إخراج الرّحم مثلا ، ولكنهنّ في سنّ من تحيض ، يستفاد من الآية ثبوت العدّة عليهنّ .
وبعبارة اُخرى أنّه إذا سئل عن أنّه لِمَ وقع البحث عن اليائسة والصغيرة؟ فالجواب: أنّ وقوع البحث عنهما إنّما هو بلحاظ أنّه لو قلنا فيه بما قاله السيد(قدس سره)من ثبوت العدّة لليائسة المصطلحة بمقتضى ما استفاده من الآية الشريفة; لكان اللازم الالتزام بثبوت العدّة فيمن لا تحيض وهي في سن من تحيض بطريق أولى; لاشتراكهما في انقطاع الحيض وامتياز اليائسة بالبلوغ إلى سنّ اليأس ، ولو لم نقل بما قاله السيد ، بل قلنا بعدم ثبوت العدّة لليائسة المصطلحة كما اخترناه ، فهو لا يلازم عدم الثبوت في المقام; لإمكان عدم ثبوت العدّة لليائسة وثبوتها في المقام ، فالملازمة انّما هي ثابتة في ناحية الإثبات دون النفي .
ثم إنّ بعض الفقهاء ـ قدّس الله أسرارهم ـ قد جمعوا بين عدم تبعيّة السيّد(قدس سره) في فتواه ، وبين الاعتراف بأنّ الآية لا ظهور لها في خلاف مقالته ، بل هي مجملة واللاّزم رفع اليد عنها(1) . ومن جملة هؤلاء صاحب المدارك في نهاية
- (1) مسالك الافهام: 9 / 234 .
(الصفحة 109)
المرام ، التي هي تتمة كتاب استاده المحقق الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان في شرح الإرشاد للعلاّمة(1) ، ويمكن أن يستفاد من عبارة الشرائع أيضاً ذلك ، حيث اقتصر على وجود روايتين في المسألة ولم يشر إلى الآية أصلا(2) . هذا كلّه بلحاظ الآية الشريفة ، وأمّا بملاحظة الروايات الواردة فهي على طائفتين :
إحداهما : الروايات(3) النافية لثبوت العدّة على اليائسة والصغيرة ، وهي متكثّرة بحيث قال صاحب الجواهر(قدس سره) : يمكن دعوى تواترها(4) . وقد تقدّمت هذه الروايات والبحث عن مفادها .
ثانيتهما : الروايات الواردة في ضابطة العدّة ، واللاّزم البحث في مفادها من جهتين :
الاُولى : هل هذه الروايات في مقام إعطاء الضابطة ، أو أنّها في مقام الإشارة إلى مسألة العدّة من دون أن تكون في مقام إعطاء الضابطة الكلية ؟
الثانية : أنّه إذا كانت في مقام إعطاء الضابطة ، فهل المقام من مصاديقها أم لا؟
ومن هذه الروايات :
رواية داود بن سرحان ـ التي في طريقها سهل بن زياد ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : عدّة المطلقة ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض(5) .
- (1) نهاية المرام: 2 / 91 .
- (2) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
- (3) الوسائل: 22 / 177 ـ 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 و 3 .
- (4) جواهر الكلام: 32 / 233 .
- (5) الكافي: 6 / 90 ح2 ، الوسائل: 22 / 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب12 ح3 .
(الصفحة 110)
وظاهرٌ أنّ قيد «إن لم تكن تحيض» دليل على كونها في مقام إعطاء الضابطة ، وإلاّ لم تكن حاجة إلى بيان هذا القيد .
وأمّا بالنظر إلى الجهة الثانية ، فنقول : ما المراد من القيد المذكور في الرواية؟ فهل المراد منه المرأة التي لم ترَ دم الحيض إلى الحال أصلا ، أو المراد منه المرأة التي لا ترى دم الحيض في حال وقوع الطلاق؟ وبعبارة اُخرى أعمّ ممّن لم ترَ دم الحيض أو لا تراه في هذه الحالة ، فإن قلنا بالثاني فالرواية تدل بالمنطوق على ثبوت العدّة لمن أخرجت رحمها ومثلها ، وحيث إنّه لا يتحقق فيها إلاّ الأشهر فاللازم رعايتها ، وإن قلنا بالاحتمال الأوّل الذي تؤيّده رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض(1) .
فيمكن أن يستشهد بالرواية من طريق الأولويّة شبيه الأولويّة المذكورة بالإضافة إلى الآية الشريفة; لأنّ من لم ترَ دم الحيض إلى عشرين سنة مثلا من عمرها إذا كانت عدّتها ثلاثة أشهر ، فمن رأته إلى أربعين سنة من عمرها ـ غاية الأمر صار الدم منقطعاً لأجل إخراج الرحم أو غيره ـ تكون العدّة المذكورة ثابتة عليها بطريق أولى ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكن تعارض الرواية المزبورة صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام)أنّه قال : في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو في ستّة ، أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض ، والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة ، والتي لا تطمع في
- (1) الكافي: 6 / 89 ح1 ، التهذيب: 8 / 116 ح402 و130 ح449 ، الاستبصار: 3 / 333 ح1184 ، الوسائل: 22 / 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب12 ح1 .