(الصفحة 111)
الولد ، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنّها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر : أنّ عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر(1) .
فإنّ قوله: «والتي لا تطمع في الولد» فمع أنّه لم يستعمل فيه كلمة المثل والطمع لغة يستعمل في موارد ثبوت الرجاء ، فالمذكور في الرواية أنّ عدّتها أيضاً ثلاثة أشهر ، وفي بعض الروايات: التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها(2) .
فهل بين الروايتين تعارض؟ أو أنّ عدم ذكر كلمة المثل في هذه الرواية وذكرها في الرواية المذكورة ، يوجب إمكان الجمع الدلالي بينهما وخروجهما عن المتعارضين؟ نظراً إلى أنّ قوله(عليه السلام) «التي لا تحبل مثلها» ناظر إلى الأقران والمشتركات معها في السنّ ، وقوله: «التي لا تطمع في الولد» ناظر إلى خصوص بعض المطلّقات من جهة الحالة الشخصية ، المانعة لها عن الطمع في الولد ، ففي الحقيقة تقول الرواية المذكورة : كلّ من لا تحبل مثلها بحسب السنّ لا عدّة عليها ، والصحيحة تقول: بأنّ «من لا طمع لها في الولد» لخصوصية موجودة فيها وعارضة عليها يجب عليها الاعتداد ثلاثة أشهر ، ومن المعلوم أنّ المقام داخل في هذا القسم; لأنّ من أخرجت رحمها لعلّة لا يكون لها الطمع في الولد للخصوصية الموجودة فيها ، وإن كانت مثلها تحبل عادة .
وقد بقيت في هذا البحث ثلاث طوائف اُخرى من الروايات :
إحداها : الروايات الواردة في اليائسة المصطلحة والصغيرة الدالّة على وجوب
- (1) الكافي: 6 / 99 ح5 ، الوسائل: 22 / 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 85 ح3 ، التهذيب: 8 / 67 ح221 ، الاستبصار: 3 / 338 ح1204 ، الوسائل: 22 / 182 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب3 ح2 .
(الصفحة 112)
الاعتداد لهنّ ثلاثة أشهر خلافاً للمشهور(1) ، وفي مقابلها الروايات الدالة على أنّه لا عدّة لهما ، وقد عرفت(2) ثبوت الترجيح مع هذه الطائفة .
ثانيتها : الروايات الدالّة على عدم ثبوت العدّة على عناوين مخصوصة ، وربّما يتوهّم شمول بعض تلك العناوين للمقام ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها؟ قال : ليس عليها عدّة(3) .
والبحث إنّما هو في هذا العنوان الثاني ، وهو السؤال عن التي لا تحيض مثلها نظراً إلى أنّ الصغيرة وإن كانت لا تحيض مثلها ، إلاّ أنّه لا دليل على انحصاره بها ، والسرّ أنّ السائل وهو حمّـاد بن عثمان قد سأل الإمام(عليه السلام) عن عنوانين: أحدهما: اليائسة المصطلحة . ثانيهما: التي لا تحيض مثلها . وهذا يكشف عن أنّه كان في ذهن السائل ـ وهو من فقهاء الرواة ـ مناسبة بين الحيض والعدّة . وجواب الإمام(عليه السلام)بعدم ثبوت العدّة راجع إلى ثبوت الارتباط ، ووجود المناسبة بين الحيض والعدّة ، ولكن بالمعنى الذي ذكرناه في مثل قوله(عليه السلام): «التي لا تحبل مثلها» ، وإلاّ فلو كان المقصود عدم ثبوت العدّة على من لا ترى دم الحيض بأيّ وجه وسبب بعلّة طبيعية أو غير طبيعية ، لم تكن حاجة إلى الإتيان بكلمة المثل ، وهذه الكلمة موجودة في كلام الإمام(عليه السلام) وفي كلام السائل في هذه الرواية وفي غير هذه الرواية .
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 35 ، المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، مسالك الافهام: 9 / 230 ، رياض المسائل: 7 / 367 ، الحدائق الناضرة: 25 / 431 .
- (2) في ص94 ـ 96 .
- (3) التهذيب: 8 / 66 ح218 ، الوسائل: 22 / 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح1 .
(الصفحة 113)
وبالجملة : الإتيان بكلمة المثل شاهد على عدم كون المراد انقطاع الدم; لأجل خصوصية عرضت عليها ، بل لأنّ أمثالها أيضاً لا تحيض .
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج ـ التي في سندها سهل بن زياد ـ قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : ثلاث تتزوجنّ على كلّ حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال: قلت : وما حدّها؟ قال : إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة(1) .
فإنّ العنوان الأوّل إن كان عامّاً شاملا للمرأة التي أخرجت رحمها لشيء من الأهداف المترتبة على عدم الرحم ، أو لا تحيض لجهة من الجهات لم يكن وجه للسؤال عن حدّها ، فإنّه من المعلوم أنّ المراد بلوغ المرأة إلى سنّ خاص ، وأجاب(عليه السلام)بأنّه إذا أتى لها أقل من تسع سنين .
ومرسلة حمّاد بن عثمان ، عمّن رواه أو صحيحته ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في الصّبية التي لا تحيض مثلها ، والتي قد يئست من المحيض ، قال : ليس عليهما عدة وإن دخل بهما(2) .
والظاهر أنّ قيد «لا تحيض مثلها» توضيحي ، ولا يكون الحكم دائراً مدار هذا العنوان ; بحيث يكون ذكر الصبيّة بعنوان المصداق له ، بل الحكم معلّق عليها كقوله: والتي قد يئست من المحيض، وقد وردت في هذه الرابطة رواية مخالفة لهذه الروايات الثلاثة على طبق أوّل ما نقلت مع قطع النظر عن الاحتمال الجاري فيه ، وهي:
- (1) الكافي: 6 / 85 ح4 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح4 .
- (2) الكافي: 6 / 85 ح2 ، الوسائل: 22 / 182 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب3 ح3 .
(الصفحة 114)
رواية محمد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) فقلت : المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض كم تعتدّ؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنّها إرتابت ، قال : تعتدّ آخر الأجلين ، تعتدّ تسعة أشهر ، قلت : فإنّها ارتابت ، قال : ليس عليها إرتياب; لأنّ الله عزّ وجلّ جعل للحبل وقتاً ، فليس بعده ارتياب(1) .
وحيث إنّه قد روى صفوان ، عن محمد بن حكيم في بعض الروايات ، فهذا المقدار يكفي في الحكم بوثاقة محمد بن حكيم .
والبحث إنّما هو في الطائفة التي هي مورد السؤال أوّلا ، فعلى تقدير كون الرواية بهذه الكيفية وإن كانت تنفعنا ، إلاّ أنّ الرواية لا تكون بهذه الكيفيّة ، كما يظهر من الشرّاح ، مثل ا لعلاّمة المجلسي في ملاذ الأخيار(2) والكاشاني في الوافي(3) . حيث احتملا أن تكون كلمة «لا» زائدة ، ومراد السائل هي المرأة التي تحيض مثلها ، ولكنّها لا تحيض بنفسها ، ويؤيّده السؤال الثاني عن ارتيابها; لأنّ المرأة التي لا تحيض مثلها ولا نفسها لا تكون فيها الريبة بوجه ; لأنّ حصول الريبة ينشأ من اختلاف حالها مع حال أقرانها ، وأمّا مع الاتحاد في عدم الحيض فلا تتحقق الريبة بوجه ويؤيّد أيضاً إضافة كلمة «لا» ، أنّه مع عدم الإضافة لا دليل على كون الفاعل في «لم تحض» هو شخص المرأة ، بل الظاهر رجوع الضمير فيه إلى المثل ، واختلاف الجملتين حينئذ في أنّه لا تحيض المثل ولم يتحقّق له الحيض إلى الحال ، مع أنّ ظاهر السؤال الرجوع إلى شخص المرأة لا المثل كما لا يخفى ، فينقدح صحّة احتمال كون كلمة «لا» زائدة .
- (1) التهذيب: 8 / 68 ح227 ، الوسائل: 22 / 189 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح18 .
- (2) ملاذ الأخيار: 13 / 139 .
- (3) الوافي: 23 / 1168 و 1175 .
(الصفحة 115)
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، الحديث(1) .
وفي هذه الرواية لم يرد عنوان المثل ، ومن ناحية اُخرى ورد قوله: «لا تحيض» بصورة المضارع المنفي ، ومن ناحية ثالثة لم تقع في جواب سؤال ، بل وردت ابتداء بصورة بيان ضابطة كلّية وقاعدة عامة ، ومن الواضح أنّ المقام من المصاديق الواضحة ، ثم إنّ في ذيل الرواية قال: وسألته عن قول الله عزّوجلّ:
{إنِ ارْتَبْتُمْ} ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة فلتعتد ثلاثة أشهر وتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض .
أقول : وهذا الذيل دليل على قول السيّد(قدس سره) ، حيث يقول: بأنّ معنى «إن ارتبتم» إن جهلتم ، مع أنّ معناه هي الريبة الحاصلة بما زاد على شهر كما في الرواية .
ثالثتها : الروايات الواردة في حكمة ثبوت العدّة ، مثل :
1 ـ رواية محمد بن سليمان ، عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) قال : قلت له: جعلت فداك كيف صارت عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر ، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً؟ فقال : أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ، وأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها فإنّ الله تعالى شرط للنساء شرطاً ، وشرط عليهنّ شرطاً ، فلم يحابهنّ فيما شرط لهنّ ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ ، أمّا ما شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر ، إذ يقول الله عزّوجلّ:
{لِلَّذِينَ يُؤلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُر}(2) فلم يجوّز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء ،
- (1) الكافي: 6 / 100 ح8 ، التهذيب: 8 / 118 ح407 ، الاستبصار: 3 / 332 ح1183 ، الوسائل: 22 / 186 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح7 .
- (2) سورة البقرة: 2 / 226 .