(الصفحة 170)
لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنّها تقول: فإنّي أريد ما تريد النساء ، قال : ليس ذاك لها ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلّقها ، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً(1) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ، ولم ينفق عليها ولم تدر أحيّ هو أم ميّت أيجبر وليّه على أن يطلّقها؟ قال : نعم ، وإن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان ، قلت : فإن قال الولي: أنا أنفق عليها ، قال : فلا يجبر على طلاقها ، قال : قلت: أرأيت إن قالت: أنا أريد مثل ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال : ليس لها ذلك ، ولا كرامة إذا أنفق عليها(2) .
ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً(عليهم السلام) قال في المفقود: لا تتزوّج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك(3) .
ومرسلة الصدوق قال: وفي رواية أخرى أ نّه إن لم يكن للزوج وليّ طلّقها الوالي ويُشهد شاهدين عدلين ، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج ، وتعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثم تزوّج إن شاءت(4) .
وموثّقة سماعة قال : سألته عن المفقود ، فقال : إن علمت أنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاق ، وإن لم تعلم أين هو من الأرض ولم يأتها منه كتاب ولا خبر ، فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض ، فإن لم يوجد له خبر حتى تمضي الأربع سنين أمرها أن تعتدّ
- (1) الكافي: 6 / 147 ح1 ، الوسائل: 22 / 158 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح4 .
- (2) الكافي: 6 / 148 ح3 ، الوسائل: 22 / 158 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح5 .
- (3) التهذيب: 7 / 478 ح1921 ، الوسائل: 22 / 157 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح3 .
- (4) الفقيه: 3 / 355 ح1697 ، الوسائل: 22 / 157 ، أبواب أقسام الطلاق ب23 ح2 .
(الصفحة 171)
أربعة أشهر وعشراً ثم تحلّ للأزواج ، فان قدم زوجها بعدما تنقضي عدّتها فليس له عليها رجعة، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها(1).
والمتحصل من هذه الأخبار التي أكثرها صحيحة أو موثّقة بعد ضمّ مطلقها بمقيّدها ما أفاده في المتن من التفصيل . وخلاصة الكلام ترجع إلى أمور تالية :
1 ـ عدم لزوم الصبر على المرأة في هذه الحالة ، وإن كان مقتضى الاستصحاب بقاء حياته وعدم الطلاق وبقاء الزوجية ، كما أنّها مع العلم بحياته وأنّها لم يطلّقها أو شكّت في الطلاق لابدّ لها من الصبر والانتظار حتى يموت أو يطلّق ، كما وقع التصريح به في موثّقة سماعة المتقدّمة ، نعم مع عدم مال ينفق عليها ، وعدم وجود من ينفق عليها من وليّ أو متبرّع ، يمكن أن يقال : بجواز طلاقها للحاكم; لأنّ بقاءالزوجية والحال هذه عسر جدّاً وحرج كذلك .
2 ـ لزوم إرجاع الأمر من جهة التفحص والتطليق إلى الحاكم الشرعي ، وقد يقال : إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام لا حال قصورها; ولذا قال في المحكي عن السرائر : إنّها في زمن الغيبة مبتلاة وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه(2) . وحينئذ تسقط ثمرة المسألة في هذه الأزمنة ، وأورد عليه في الجواهر بأنّ ذلك نصّاً وفتوىً مبنيّ على الغالب من القصور في زمن الغيبة ، وإلاّ فمع فرض تمكّن نائب الغيبة من الإتيان بما ذكرته النصوص يتّجه قيامه مقام الوالي في ذلك; لعموم ولايته الشاملة لذلك(3) .
- (1) التهذيب: 7 / 479 ح1923 ، الوسائل: 20 / 506 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب44 ح2 .
- (2) السرائر: 2 / 737 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 290 .
(الصفحة 172)
أقول : وخصوصاً في مملكة ايران في هذه الأزمنة التي يكون مبنى الحكومة فيها على رعاية القوانين الإسلامية على مذهب التشيع الذي هو الإسلام الحقيقي ، والقوة القضائية مأذوناً فيها من قبل الوليّ الفقيه كما لا يخفى .
3 ـ إنّ الحاكم يؤجّلها أربع سنين من الرفع إليه ، والظاهر أنّ أربع سنين إنّما هو مدّة تأجيل الحاكم إيّاها ، لا أنّها معتبرة في جواز الرفع ، وأنّه يعتبر مضيّها بعد فقده في جواز الرجوع إلى الحاكم كما يشعر به صحيحة الحلبي المتقدّمة ، والنفقة في هذه المدّة على بيت المال المعدّ لمصالح المسلمين .
4 ـ التفحص وتفتيش الحاكم عن موته وحياته في المدّة المذكورة بالنحو الذي سيجيء في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .
5 ـ إنّه لو لم ينتج التفحص ، فالحاكم يأمر وليّه بطلاق زوجته ولو بإجباره إيّاه ولو لم يكن له وليّ أو لم يمكن إجباره عليه يطلّقها الحاكم بنفسه .
6 ـ إنّها تعتدّ عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، ولكنّها مع كون العدّة عدّة الوفاة ، لا يجب عليها الحداد ظاهراً ، ويجوز للزوج إذا جاء الرجوع فيها ، فيصير أولى بها من غيرها .
7 ـ جواز التزويج بالغير بعد انقضاء العدّة وعدم رجوع الزوج فيها ، وإن خرجت من العدّة ولم تتزوّج فقد ذكر المحقق في الشرائع أنّ فيه روايتين ، أشهرهما أنّه لا سبيل له عليها(1) . وذكر في الجواهر: لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا ، كما اعترف به غير واحد(2) ممّن سبقنا ، بل في المسالك : ولم نقف عليها بعد
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 39 .
- (2) السرائر: 2 / 737 ، مسالك الافهام: 9 / 290 ، رياض المسائل : 7 / 384 ، نهاية المرام: 2 / 107 ، كشف الرموز: 2 / 228 .
(الصفحة 173)مسألة 12 : ليس للفحص والطلب كيفية خاصة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، ويتحقّق ذلك ببعث من يعرف المفقود ـ رعاية ـ باسمه وشخصه أو بحليته إلى مظانّ وجوده للظفر به وبالكتابة وغيرها كالتلغراف ، وسائر الوسائل المتداولة في كلّ عصر ليتفقد عنه ، وبالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم وبالاستخبار منهم حين الرجوع(1) .
التتبّع التامّ(1) . وقد وقع التصريح بذلك في موثّقة سماعة المتقدّمة مع عدم ذكر الطلاق فيها أصلا(2) .1 ـ غير خفيّ أنّه ليس للفحص والطلب كيفيّة خاصّة ، بل المدار ما يعدّ طلباً وفحصاً ، وذكر الكتابة في صحيحة بريد المتقدّمة(3) إنّما هو لأجل كونها طريقاً في ذلك الزمان إلى الفحص والطلب ; ولذا ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة(4) التخيير بين البعث والكتابة ، مع أنّ الظاهر عدم الانحصار بهما أيضاً ، بل يتحقّق بالإضافة إلى كلّ زمان ومكان بما هو المتعارف فيهما من التلغراف وغيره من الوسائل المتداولة في ذلك الزمان أو المكان ، كما أنّه ربما يتحقّق بالالتماس من المسافرين كالزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم ، بأن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقاماتهم والاستخبار منهم حين المراجعة إلى أوطانهم .
وبالجملة : الفحص والاستخبار ليس له طريق مخصوص بعد كونه موضوعاً
- (1) مسالك الافهام: 9 / 290 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 298 .
- (3 و4) في ص169 .
(الصفحة 174)مسألة 13 : لا يشترط في المبعوث والمكتوب إليه والمستخبر منهم من المسافرين العدالة بل تكفي الوثاقة(1) .
مسألة 14 : لا يعتبر أن يكون الفحص بالبعث أو الكتابة ونحوها من الحاكم ، بل يكفي كونه من كلّ أحد حتى نفس الزوجة إذا كان بأمره بعد رفع الأمر إليه(2) .
عرفيّاً مختلفاً باختلاف الأزمنة والأمكنة ، كما أنّه يلاحظ بالإضافة إلى الصقع الذي يحتمل وجوده فيه ، ومع العلم بعدمه في صقع خاص لا مجال للبحث إليه ولا للطلب فيه ، ومع احتمال وجوده في شيء من أصقاع معيّنة يجب التفحص بالإضافة إلى جميع تلك الأصقاع ، فالمقام من هذه الجهة نظير الطلب بالنسبة إلى الماء في باب التيمّم ، حيث إنّ وجوب الطلب ينحصر بجهة يحتمل فيها وجود الماء ، كما تقدّم في باب التيمّم(1) .1 ـ في محكيّ المسالك : يعتبر في الرسول العدالة ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدّد ; لأنّه من باب الخبر لا الشهادة وإلاّ لم تسمع إلى آخره(2) . ولكن الظاهر أنّه إذا لم يكن من باب الشهادة ، بل كان من باب الخبر ، لا يعتبر فيه العدالة أيضاً; لعدم الاعتبار في الخبر إلاّ الوثاقة ، ويدلّ على اعتبار الوثاقة هنا أنّه بدونها لا تظهر فائدة للاستعلام والاستخبار ، ولا أثر للبعث والفحص والطلب كما لايخفى .2 ـ اللاّزم هو الفحص والطلب بالبعث أو الكتابة ونحوها من الوالي الحاكم
- (1) تفصيل الشريعة / كتاب الطهارة ، بحث التيمّم: 216 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 287 .