(الصفحة 57)
البيّنة أو للزوجة المدّعية له كذلك ، إلاّ أنّ الذي يبعّده أنّ العلم بالمطلّق والمطلّقة إن كان لازماً بجميع الخصوصيات فمن الواضح عدم اعتباره ، مضافاً إلى أنّ اللازم حينئذ أن لا يكون الشاهدان غير بصيرين ، وإن كان لازماً ببعض الخصوصيات فلم تحدّ تلك الخصوصية ولم تبين ، وفي هذا المجال روايات غير خالية عن الإشعار أو الدلالة ، مثل :
مكاتبة أحمد بن مطهّر قال: كتبت إلى العسكري(عليه السلام): إنّي تزوّجت بأربع نسوة لم أسأل عن أسمائهنّ ثم إنّي أردت طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة اُخرى ، فكتب : اُنظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: إشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ، ثمّ تزوّج الاُخرى إذا انقضت العدّة(1) .
وقد استدلّ بهذه المكاتبة الشيخ في النهاية على اعتبار علم الشهود بالمطلّقة(2) .
وصحيح أبي بصير يعني المرادي قال : سألت أباجعفر(عليه السلام) عن رجل تزوّج أربعة نسوة في عقدة واحدة ، أو قال : في مجلس واحد ومهورهنّ مختلفة ، قال : جائز له ولهنّ ، قلت : أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع ، وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ، ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة ، ثم مات بعدما دخل بها ، كيف يقسّم ميراثه؟ قال : إن كان له ولد ، فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك ، وإن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها ونسبها فلا شيء لها من الميراث وعليها العدّة ، قال : ويقتسمن الثلاثة النسوة ثلاثة أرباع ثُمن
- (1) الكافي: 5 / 563 ح31 ، الوسائل: 20 / 520 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب3 ح3 .
- (2) النهاية: 510 .
(الصفحة 58)
ما ترك ، وعليهنّ العِدّة ، وإن لم تعرف التي طلّقت من الأربع ، قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً ، وعليهنّ جميعاً العدّة(1) .
وصحيحة حمران ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا يكون خلع ، ولا تخيير ، ولا مباراة إلاّ على طهر من المرأة من غير جماع ، وشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير ، وإقرار المرأة أنّها على طهر من غير جماع يوم خيّرها . قال: فقال له محمد بن مسلم: أصلحك الله ما إقرار المرأة هاهنا؟ قال : يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل ، حذار أن تأتي بعد فتدّعي أنّه خيّرها وهي طامث ، فيشهدان عليها بما سمعا منها ، الحديث(2) .
هذا ، وقد أطنب صاحب الحدائق في ردّ صاحب المدارك ، وقال في ذيل كلامه : إنّ ما ذكرناه من الإكتفاء بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم ، كما حكاه هو أيضاً عمّا اشتهر في زمانه ، وأمّا ما أفاده فلم أقف له على موافق ، ولا دليل يعتمد عليه ، ولم أقف من أصحابنا على بحث في هذه المسألة سوى ما نقلنا عنه ، وقد عرفت ما فيه(3) . وتبعه على ذلك صاحب الرياض في كلام طويل ، قال في ذيله : وبالجملة الظاهر من الأدلّة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة من دون لزوم مبالغة تامّة في المعرفة(4) .
أقول : بعد ملاحظة أنّ الإشهاد مقدّمة للشهادة بعد ذلك ، وأنّه لا يعتبر في
- (1) الكافي: 7 / 131 ح1 ، الوسائل: 22 / 51 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب23 ح1 .
- (2) التهذيب: 8 / 99 ح334 ، الوسائل: 22 / 291 ، كتاب الخلع والمباراة ب6 ح4 .
- (3) الحدائق الناضرة: 25 / 248 ـ 251 .
- (4) رياض المسائل: 7 / 316 ـ 318 .
(الصفحة 59)
الشاهدين البصر ، كما أنّه لا يعتبر في الطلاق حضور المرأة فضلا عن إقرارها بأنّها في طهر من غير جماع ، كما يشهد به صحّة طلاق الغائب عن زوجته ، كما في بعض الروايات المتقدّمة ، الظاهر أنّه لا يعتبر في هذه الشهادة زائداً على ما اعتبر في الشهادة على غير الطلاق ، غاية الأمر وجوب الإشهاد هنا دون غيره .
ومن المعلوم أنّه لا يعتبر في الشهادة على غيره ومعرفة الشاهد وعلمه بجميع خصوصيّات الفاعل ، مثلا لا يعتبر في الشهادة على القتل كون القاتل معروفاً للشاهد بجميع الخصوصيات ، بل بمقدار يكون متميّزاً عن غيره عنده ، كذلك في باب الطلاق وكذلك بالإضافة إلى المرأة ، فتدبّر .
ومنها : لزوم كون الشاهدين ذكرين ، كما يدلّ عليه قوله تعالى :
{وأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْل مِنْكُمْ}(1) . وكذلك التعبير بالشاهدين في الروايات(2) الدالّة عليه ، فلا اعتبار بشهادة النساء منفردات ولا منضمّـات .
ومنها : أنّه يعتبر اجتماعهما حين سماع إنشاء صيغة الطلاق ، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده لم يقع .
ومنها : أنّه يعتبر أن يكون الشاهدان عادلين . قال المحقّق في الشرائع : ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ، والأوّل أظهر(3) .
ويمكن أن يستدلّ للقول بالإقتصار ببعض الروايات ، مثل :
ما في ذيل رواية البزنطي المتقدّمة بعد قول أبي الحسن(عليه السلام) باعتبار شهادة عدلين ، قلت : فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين؟ قال : لا تجوز
- (1) سورة الطلاق: 65 / 2 .
- (2) الوسائل: 22 / 26 ـ 29 و 51 ـ 52 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ، 22 ، 23 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 21 .
(الصفحة 60)
شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرته ، قلت : فإن أشهد رجلين ناصبيّين على الطلاق أيكون طلاقاً؟ فقال : مَن ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير(1) .
وصحيحة عبدالله بن المغيرة قال : قلت للرضا(عليه السلام): رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين ، قال : كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته(2) .
وقد حملهما صاحب الجواهر(قدس سره) بشهادة العدول عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية والحقّ الذي لا زالوا يستعملونه ، حتى قالوا لبعض أصحابهم في بعض نصوص الطلاق ثلاثاً(3) معلّمين لهم: إنّكم لا تحسنون مثل هذا ، فيراد حينئذ بمعرفة الخير فيه والصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنّه مقتضى الفطرة أيضاً ، لا الناصب الذي هو كافر إجماعاً(4) بل ولا مطلق المخالف(5) .
والحقّ أن يقال : إنّ إعراض المشهور عن الخبرين وإن كانا صحيحين موجب لخروجهما عن الإعتبار والحجّية ، خصوصاً بعد كونهما مخالفين للكتاب الدالّ على اعتبار العدالة في الشاهدين ، وهي غير متحقّقة في غير المؤمن وإن كان مسلماً ، فضلا عن الناصب الذي عرفت أنّه كافر إجماعاً ، فما اختاره بعض المتأخّرين إغتراراً بالخبرين غير تامّ .
- (1) الكافي: 6 / 27 ح6 ، التهذيب: 8 / 49 ح152 ، الوسائل: 22 / 26 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ح4 .
- (2) الفقيه: 3 / 28 ح83 ، الوسائل: 27 / 393 ، كتاب الشهادات ب41 ح5 .
- (3) التهذيب: 8/91 ح313 ، الاستبصار: 3 / 290 ح1025 ، الوسائل: 22 / 112 ، أبواب أقسام الطلاق ب3 ح6.
- (4) رياض المسائل: 6 / 538 ، الحدائق الناضرة: 24 / 61 وج25 / 255 .
- (5) جواهر الكلام: 32 / 110 .
(الصفحة 61)تتمّة
الظاهر أنّ العدالة المعتبرة في الشاهد هي العدالة الواقعيّة في مقابل الفسق الواقعي ، غاية الأمر أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة لعدم العلم بملكتها نوعاً; فلذا جعل الشارع حسن الظاهر كاشفاً شرعاً عليها ، ولكن لازم ذلك أنّه يجوز للمطلّق أن يكون الشاهدان عند طلاقه متّصفين بحسن الظاهر ، وأمّا إذا انكشف له بعد الطلاق الفسق وعدم العدالة فالظاهر بطلان الطلاق; لأنّ اعتبار الأمارة إنّما هو ما لم ينكشف الخلاف ، ومع انكشاف الخلاف ولو كانت الأمارة شرعية لا يبقى لها موقع ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما هو المحكي عن المسالك من قوله: هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصحّ لأحدهما أن يتزوّج بها أم لا ، نظراً إلى حصول شرط الطلاق وهو العدالة ظاهراً وجهان . وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ، ففي الحكم بالوقوع بالنسبة إليه حتى يسقط عنه حقوق الزوجية وتستبيح أختها والخامسة وجهان ، والحكم بصحّته فيهما لا يخلو من قوّة(1) .
ومن العجيب الحكم بصحّة الطلاق بمجرّد حسن الظاهر مع علم الزوج المطلِّق بفسق الشاهدين ، مع أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة ، ولا مجال للامارة مع العلم بالخلاف ، وكذا مع العلم بالوفاق من دون فرق بين الأمارات الشرعية والأمارات العقلائية .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ حسن الظاهر إنّما يكفي للزوج في إنشاء الطلاق وإيقاعه إذا لم يكن الشاهد معلوم الفسق ، وإلاّ فلا يجوز أصلا ، خصوصاً بملاحظة قوله تعالى :
- (1) مسالك الافهام: 9 / 115 .