(الصفحة 72)
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . ومن هذا تستفاد القاعدة الكلية وهو ترتّب الحرمة على الطلاق الثالث مع تخلّل رجعتين في البين ، سواء تحقّقت المواقعة بعد كلّ رجعة أو لم تتحقّق ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر مستقل أو وقع الجميع في طهر واحد بنحو ما عرفت .
ولكن ورد في هذا المجال طائفتان من الأخبار :
فالطائفة الاُولى: ما ظاهرها اعتبار المواقعة بعدالرجوع في صحّة الطلاق الثاني مثل:
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)في الرجل يطلّق امرأته له أن يراجع ، وقال: لا يطلّق التطليقة الاُخرى حتى يمسّها(1) .
والظاهر أنّ معنى قوله(عليه السلام) «له: أن يراجع» ، عبارة عن التطليقة الاُخرى .
ورواية المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة ثم يطلّقها الثانية قبل أن يراجع ، قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع(2) .
وموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : سألته عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم يراجعها من يومه ثم يطلّقها ، تبين منه بثلاث تطليقات في طهر واحد؟ فقال: خالف السنّة ، قلت : فليس ينبغي له إذا راجعها أن يطلّقها إلاّ في طهر آخر؟ فقال : نعم ، قلت : حتى يجامع؟ قال : نعم(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : المراجعة في (هي خ ل) الجماع، وإلاّ
- (1) الكافي: 6 / 73 ح2 ، الوسائل: 22 / 141 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح2 .
- (2) التهذيب: 8/46 ح143 ، الاستبصار: 3/284 ح1004 ، الوسائل: 22/142، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح5 .
- (3) الكافي: 6 / 60 ح12 ، الوسائل: 22 / 21 ، أبواب أقسام الطلاق ب8 ح6 .
(الصفحة 73)
فانّما هي واحدة(1) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه ، كرواية أبي بصير الطويلة المتقدّمة(2) .
والطائفة الثانية: ما تدلّ على الصحّة وإن لم تتحقّق المواقعة ، مثل:
موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : قلت له : رجل طلّق امرأته ثم راجعها بشهود ثم طلّقها ، ثم بدا له فراجعها بشهوة ثم طلّقها فراجعها بشهود تبين منه؟ قال : نعم ، قلت : كلّ ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه ، قلت : فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال : ليس هذا مثل هذا(3) .
وصحيحة عبد الحميد بن عوّاض ومحمد بن مسلم قالا : سألنا أبا عبدالله(عليه السلام)عن رجل طلّق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ، ثم طلّق في طهر آخر على السّنة أتثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال : نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة (ثانية خ ل)(4) .
وصحيحة البزنطي قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته بشاهدين ثم راجعها ولم يواقعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثم طلّقها على طهر بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثالثة وقد راجعها ولم يواقعها؟ قال : نعم(5) .
وحسنة علي بن راشد المضمرة قال : سألته مشافهة عن رجل طلّق امرأته
- (1) الكافي: 6 / 73 ح1 ، التهذيب: 8 / 44 ح135 ، الاستبصار: 3 / 280 ح994 ، الوسائل: 22 / 140 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح1 .
- (2) في ص68 ـ 70 .
- (3) التهذيب: 8/92 ح317 ، الاستبصار: 3/ 282 ح100 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح5 .
- (4) التهذيب: 8/45 ح139 ، الاستبصار: 3/ 281 ح997 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح1 .
- (5) التهذيب: 8/45 ح140 ، الاستبصار: 3/281 ح998 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح2 .
(الصفحة 74)
بشاهدين على طهر ثم سافر وأشهد على رجعتها ، فلما قدم طلّقها من غير جماع ، أيجوز ذلك له؟ قال : نعم قد جاز طلاقها(1) وغير ذلك من الروايات(2) الدالّة عليه .
قال المحقّق في الشرائع بعد الإشارة إلى الطائفتين : وهي ـ يعني الطائفة الثانية ـ الأصحّ . . . ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنّة ، والمنع على طلاقه للعدّة ، وهو تحكّم(3) .
والأظهر ترجيح الطائفة الثانية على الاُولى بالشهرة الفتوائية المحقّقة بين الأصحاب(4) . بل قال في الجواهر: لا بأس بدعوى الإجماع معها إذ لم أجد قائلا بالاُولى ، إلاّ ما حكي عن ابن أبي عقيل(5) وقد لحقه الإجماع . فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة وحملها على ضرب من الاستحباب(6) .
والجمع الذي أشار إليه المحقّق وإن استشهد له بالخبرين ، إلاّ أنّ دلالتهما على ذلك ممنوع ، ولعلّه لذا وصفه بأنّه تحكّم سيّما خبر أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟ فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي ، وأردت أن أطلّقها ، فتركتها حتى إذا طمثت وطهرت طلّقتها من غير جماع ، وأشهدت على ذلك شاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدّتها راجعتها ودخلت بها ، وتركتها حتى طمثت وطهرت ، ثم
- (1) التهذيب: 8/45 ح141 ، الاستبصار: 3/281 ح999 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح4 .
- (2) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 و142 ـ 145 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ، 2 ، 18 ، 19 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 25 .
- (4) مسالك الافهام: 9 / 136 ، رياض المسائل: 7 / 134 ، نهاية المرام: 2 / 56 ، الحدائق الناضرة: 25 / 294 .
- (5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 372 .
- (6) جواهر الكلام: 32 / 138 .
(الصفحة 75)مسألة 3 : العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينهما عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة(1) .
مسألة 4 : المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأوّل ، وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني ، فإذا طلّقها ثلاثاً ، حرمت أيضاً حتى تنكح زوجاً آخر ، وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الاُولى ، وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث ، وتحلّ بنكاح الغير بعده
طلّقتها على طهر من غير جماع بشاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدّتها راجعتها ودخلت بها ، حتى إذا طمثت وطهرت طلّقتها على طهر من غير جماع بشهود ، وإنّما فعلت ذلك بها(1) أنّه لم يكن لي بها حاجة .
وسيأتي في المسألة الثالثة أنّ العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينهما عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء لم تكن لها عِدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عِدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة ; وذلك لعدم الفرق بين الصورتين من جهة الآية والرواية ، فالحرمة مترتّبة على مطلق الطلاق الثالث الواجد للشرائط ، فتدبّر جيّداً .1 ـ قد تقدّم في ذيل المسألة السابقة ما يتعلّق بهذه المسألة ، والمنشأ ما عرفت من ترتّب حكم الحرمة حتى تنكح زوجاً غيره على الطلاق الثالث ، من دون فرق بين أن تكون الحلية له بعد الطلاقين بسبب الرجوع أو بالعقد الجديد ، كما مرّ .
- (1) الكافي: 6 / 75 ح1 ، تفسير العياشي: 1 / 118 ح370 ، الوسائل: 22 / 119 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح3 .
(الصفحة 76)وإن طلّقت مائة مرّة . نعم ، لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبداً ، وذلك بأن طلّقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر ، فإذا حلّت للمطّلق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثم طلّقها كالثلاثة الاُولى ثمّ حلّت بمحلّل ثم عقد عليها ثم طلّقها ثلاثاً كالأوّلين حرمت عليه أبداً ، ويعتبر فيه أمران :
أحدهما: تخلّل رجعتين ، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة عقد مستأنف في البين .
الثاني: وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة ، فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعيّة وواحدة بائنة ، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً ، هذا ، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً ، وإن لم يكن الجميع طلاق عِدّة(1) .
1 ـ المهمّ في هذه المسألة
أمران :
الأمر الأوّل : أنّ المطلقة ثلاثاً ، التي تحتاج حليّتها إلى محلّل ، لا فرق في حرمتها بين أن يكون في الدفعة الاُولى أو في الدفعات المتعدّدة ، وسواء كان المحلّل الثاني هو المحلّل الأوّل أم غيره ، وسواء كان الطلاق الثالث واقعاً من الزوج الأوّل أم من الزوج الثاني أم من غيرهما ، ولا يوجب الطلاق الثالث بنفسه الحرمة الأبديّة ، سواء كان الطلاق الثالث من الزوج الثالث أو من الزوج الثاني أو من غيرهما .
الأمر الثاني : تترتّب الحرمة الأبدية على طلاق التسع في خصوص طلاق العِدّة ، واحتاط في المتن بالاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً ، وإن لم يكن الجميع طلاق العدّة ، وفي هذا الأمر روايات :
منها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : سألته عن الذي