(الصفحة 180)
(الصفحة 181)
[ القول ] في أوقات النوافل
ونتكلّم فيها ضمن مسائل:
الاُولى ـ في تعيين وقت نافلة الظهرين
فنقول: الأقوال فيها ثلاثة:
أحدها: هو امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة التي تكون هي نافلة لها، فيصحّ الإتيان بها بعد الفريضة إلى آخر وقتها، ولا تكون قضاءً(1). والقائل بهذا القول قليل، والظاهر أنّ مستنده إطلاقات أدلّة النوافل(2) بعد عدم ظهور ما دلّ على الذراع والذراعين في التوقيت.
ثانيها: القول بامتداد وقتها إلى الذراع في نافلة الظهر، وإلى الذراعين في نافلة العصر، أو إلى القدمين، أو أربعة أقدام على اختلاف التعبير; لأنّ القدم
- (1) الكافي في الفقه: 158; المبسوط 1: 76; المهذّب 1: 70; الدروس الشرعيّة 1: 140ـ141; البيان: 109; مجمع الفائدة والبرهان 2: 16.
- (2) وسائل الشيعة 4: 226، أبواب المواقيت، ب35، ح1; وص231، ب37.
(الصفحة 182)
سبع القامة والذراع سبعاها(1).
ثالثها: القول بامتداد وقت نافلة الظهر إلى المثل، ونافلة العصر إلى المثلين(2); ومستند هذا القول أيضاً إطلاقات أدلّة النوافل بعد جعل المثل والمثلين آخر وقت الفريضة بالنسبة إلى المختار(3); وأمّا مستند القول الثاني فعدّة من الروايات:
1ـ رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة في المسألة السابقة(4)، المشتملة على قوله(عليه السلام) مخاطباً لزرارة: أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لِمَ جعل ذلك؟ قال: لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة، والاحتمالات في معنى الرواية كثيرة.
منها: أن يكون المراد بقوله: «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان» أنّه أتدري لِمَ جعل وقت فريضة الظهر بعد الذراع، والعصر بعد الذراعين، وحينئذ فالمراد من قوله(عليه السلام): «لمكان النافلة» أنّ ما قبل الذراع والذراعين وقت يختصّ بالنافلة، فيستفاد من الرواية حينئذ تباين وقتي فريضة الظهر ونافلتها، وكذا العصر ونافلتها; لأنّ مفادها أنّ من أوّل الزوال إلى الذراع وقتاً اختصاصيّاً لنافلة الظهر،
- (1) النهاية: 60; مصباح المتهجّد: 26 هامش; الوسيلة: 83، شرائع الإسلام 1: 62; المختصر النافع: 68; قواعد الأحكام 1: 247; رياض المسائل 3: 45ـ46; وفي روضة البهيّة 1: 180ـ181، أنّه المشهور فتوى ورواية; وفي كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77، أنّه المشهور.
- (2) السرائر 1: 199; المعتبر 2: 48; تحرير الأحكام 1: 179; منتهى المطلب 4: 92ـ96; تذكرة الفقهاء 2: 316ـ317، مسألة 37.
- (3) وسائل الشيعة 4: 144، أبواب المواقيت، ب8، ح13; وص149، ح33.
- (4) في ص176.
(الصفحة 183)
ووقت الفريضة إنّما هو بعده، وكذا بالنسبة إلى نافلة العصر.
هذا، ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال مخالف للإجماع; لأنّه يجوز الإتيان بالفريضة من أوّل الزوال اتّفاقاً(1).
ومنها: أنّ المراد من قوله(عليه السلام) «أتدري» إلخ باعتبار وقوعه عقيب حكاية فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه أتدري وجه عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وأنّه(صلى الله عليه وآله) لِمَ كان يؤخّر فريضة الظهر إلى الذراع والعصر إلى الذراعين؟ وحينئذ فليس المراد من الجعل هو الجعل التشريعي، بل المراد منه هو جعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) عمله كذلك.
وقوله(عليه السلام): «لمكان النافلة» يحتمل حينئذ أن يكون المراد به أنّ وجه تأخير النبيّ(صلى الله عليه وآله)إنّما هو لإرادته مضيّ وقت النافلة بالذراع والذراعين، حتّى يقطع بفراغ الناس من نوافلهم; لخروج وقتها بذلك. وعليه: فيستفاد من الرواية أيضاً توقيت النافلة بالذراع والذراعين.
ويحتمل أن يكون المراد منه أنّ الوجه في تأخيره إنّما هو مراعاة حال المتنفّلين المشتغلين بالنافلة في ذلك الوقت غالباً، من دون نظر إلى التوقيت; فمعنى الرواية حينئذ أنّه أتدري لِمَ كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يؤخّر الفريضة إلى الذراع مع كون الصلاة في أوّل الوقت أفضل؟ ثمّ بيّن(عليه السلام) وجهه بأنّ نظره(صلى الله عليه وآله) كان مراعاة من أراد من الناس الإتيان بالنافلة، ثمّ الحضور للجماعة وإدراك الفضيلة.
وحينئذ فلا يستفاد من الرواية توقيت أصلا، ومن المعلوم أنّه لا مرجّح
- (1) المجموع 3: 24; المغني لابن قدامة 1: 378; أحكام القرآن للجصّاص 3: 251; الهداية: 128ـ129; المقنعة: 92; الكافي في الفقه: 137; المراسم: 62; الخلاف 1: 256، مسألة 3; المهذّب 1: 69; غنية النزوع: 69; الوسيلة: 82; المعتبر 2: 27; تذكرة الفقهاء 2: 300، مسألة 24; منتهى المطلب 4: 128; مختلف الشيعة 2: 6; نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 309ـ310; مجمع الفائدة والبرهان 2: 9ـ11.
(الصفحة 184)
للاحتمال الأوّل، كما هو واضح، والاستدلال إنّما هو مبنيّ عليه.
لا يقال: يمكن أن يستفاد التوقيت من قوله(عليه السلام) في ذيل الرواية: «ولك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع» إلخ; فإنّ ظاهره باعتبار جعل مضيّ الذراع غاية للتنفّل، والحكم بترك النافلة إذا بلغ الفيء الذراع، هو خروج وقتها بذلك.
لأنّا نقول: لا ينحصر وجه ترك النافلة ـ بعد بلوغ الفيء الذراع ـ في خروج وقتها بذلك; إذ يمكن أن يكون الأمر بترك النافلة والبدأة بالفريضة من جهة أفضليّة إدراك الفريضة في أوّل الوقت بالنسبة إلى الإتيان بالنافلة، فإدراك النافلة يكون مزاحماً لإدراك الفريضة في وقت فضيلتها، والترجيح مع الثاني بمقتضى الرواية، فلا تدلّ على خروج وقتها بذلك حتى تصير قضاءً لو أراد إتيانها بعد الفريضة، وحينئذ فلم يثبت التوقيت بها.
نعم، يقع الكلام حينئذ بعد ملاحظة أنّ الإتيان بالنافلة مشروع أيضاً ـ للروايات الكثيرة الدالّة على ذلك ـ في أنّ مرجوحيّة النافلة بعد مضيّ الذراع هل تكون بمقدار لا يكون مجال للإتيان بها قبل الفريضة أصلا ـ كما هو ظاهر قوله(عليه السلام)في الرواية: «إذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة» ـ أو أنّه يجوز تقديمها عليها بعد الذراع أيضاً، ولكنّ الفضل في تأخيرها عنها، كما هو ظاهر بعض الروايات الآتية؟ وعلى أيّ تقدير لا تكون قضاءً; لعدم استفادة التوقيت من الرواية، كما لا يخفى.
2ـ ومن الروايات رواية ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لِمَ؟ قال: لمكان الفريضة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة