(الصفحة 213)
لها لا أصل وقتها، فالرواية على تقدير دلالتها على المنع لا تدلّ إلاّ على المنع فيما إذا انعقدت الجماعة للمكتوبة، والتعبير بقوله(عليه السلام): «فلا يضرّك» يشعر بعدم كون المنع على نحو الإلزام.
هذا، مضافاً إلى أنّ قوله(عليه السلام): «أن تترك ما قبلها من النافلة» ظاهر في أنّ المراد بالنافلة هي ا لرواتب; إذ النافلة المبتدأة لا تكون مرتبطة بالفريضة، بحيث تكون قبلها أو بعدها، وحينئذ فالمراد بحضور المكتوبة حضور وقت فضيلتها، كالذراع والذراعين في الظهرين، فلا تدلّ الرواية على حكم النافلة المبتدأة، أو التي تكون قضاءً عن الرواتب، كما لا يخفى.
ومنها: رواية نجبة (نجيّة خ ل) قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): تدركني الصلاة ويدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر(عليه السلام): لا، ولكن إبدأ بالمكتوبة واقض النافلة(1).
وظاهر الرواية باعتبار قوله(عليه السلام): «واقض النافلة» أنّ المراد من النافلة الرواتب اليوميّة التي خرج وقتها، فلا دلالة لها على حكم النافلة المبتدأة.
ومنها: رواية أديم بن الحرّ قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة، قال: وقال: إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها(2).
ومنها: رواية أبي بكر، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال: إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع(3).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 167، ح662; وعنه وسائل الشيعة 4: 227، أبواب المواقيت، ب35، ح5، وفيه: «نجبة».
- (2) تهذيب الأحكام 2: 167، ح663; وعنه وسائل الشيعة 4: 228، أبواب المواقيت، ب35، ح6.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 167، ح660; وص340، ح1405; الاستبصار 1: 292، ح1071; وعنهما وسائل الشيعة 4: 228، أبواب المواقيت، ب35، ح7.
(الصفحة 214)
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة; فإنّه لا تقضى نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة(1).
ومنها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن عليّ(عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال: من أتى الصلاة عارفاً بحقّها غفر له، لا يصلّي الرجل نافلة في وقت فريضة إلاّ من عذر، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء، قال الله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآلـِمُونَ)(2) يعني الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار، وما فاتهم من النهار بالليل، لا تقضي النافلة في وقت فريضة، إبدأ بالفريضة ثمّ صلّ ما بدا لك(3).
ومنها: رواية إسماعيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لا، قال: حتّى لا يكون تطوّع في وقت مكتوبة(4).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، المتقدّمة في المسألة السابقة، المشتملة على قوله(عليه السلام): أكنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة(5).
ومنها: ما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة
- (1) مستطرفات السرائر: 73، ح7; وعنه وسائل الشيعة 4: 228، أبواب المواقيت، ب35، ح8; وبحار الأنوار 87: 28، صدر ح8.
- (2) سورة المعارج 70: 23.
- (3) الخصال: 628; وعنه وسائل الشيعة 4: 228، أبواب المواقيت، ب35، ح10.
- (4) علل الشرائع: 349، ب59، ح1; وعنه وسائل الشيعة 4: 229، أبواب المواقيت، ب35، ح11.
- (5) في ص200ـ201.
(الصفحة 215)
حتى يبدأ بالمكتوبة، الحديث(1).
ومنها: رواية يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ(2) الشمس، أيصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلّي حين يستيقظ. قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة(3).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها; من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، وهذه أحقّ بوقتها فليقضها، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى، ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها(4).
هذه هي الروايات الدالّة على المنع، ولا يخفى أنّ المراد بوقت الفريضة يحتمل أن يكون جميع الوقت الوسيع من أوّله إلى آخره، ويحتمل أن يكون المراد به الوقت الذي لا تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة، كالذراع والذراعين في الظهرين، وسقوط الشفق في العشاء، ويحتمل أن يكون المراد به الوقت الذي تنعقد فيه الجماعة لأجل المكتوبة، كما أنّ هنا احتمالا رابعاً; وهو أن يكون
- (1) ذكرى الشيعة 2: 422; وعنه وسائل الشيعة 4: 283، أبواب المواقيت، ب61، ح6.
- (2) بزغت الشمس بزغاً وبزوغاً: شرقت، القاموس المحيط 3: 106.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 265، ح1056; الاستبصار 1: 286، ح1047; وعنهما وسائل الشيعة 4: 284، أبواب المواقيت، ب61، ح4.
- (4) تهذيب الأحكام 3: 159، ح341; وج2: 172، ح685; الكافي 3: 292، ح3، وعنهما وسائل الشيعة 8: 256، أبواب قضاء الصلوات، ب2، ح3.
(الصفحة 216)
المراد به الوقت الذي يتعيّن فيه الإتيان بالفريضة; لصيرورتها قضاءً لو اُخّرت عنه.
لا إشكال في عدم كون المراد به هو الاحتمال الأخير; لكون الروايات المتقدّمة آبية عن الحمل عليه، بل صريحة في خلافه، كما أنّ الظاهر بطلان الاحتمال الأوّل أيضاً; لأنّ أكثر روايات المنع كما عرفت قد وردت في خصوص الرواتب اليوميّة، أو الأعمّ منها، ولا يمكن حملها على خصوص النافلة المبتدأة، كما مرّ.
وحينئذ فبعدما استقرّ عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئمّـة المعصومين(عليهم السلام) ـ وكذا جميع الصحابة، بل أكثر الناس ـ على الإتيان بالرواتب قبل الفريضة في نافلة الظهرين، وقبل سقوط الشفق في نافلة المغرب، وقبل طلوع الحمرة المشرقيّة في نافلة الصبح، لا ينبغي الشكّ والارتياب في استحباب الإتيان بالنافلة الراتبة في أوّل الزوال مثلا، وكون جواز ذلك بل أفضليّته من الاُمور المرتكزة عند الناس، وحينئذ، فإذا اُلقي إليهم هذه العبارات الدالّة على عدم جواز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة، لا يفهمون منه عدم الجواز في وقت يصحّ فيه الإتيان بالفريضة.
بل لا يتبادر إلى أذهانهم إلاّ أوّل أوقات الفضيلة للفريضة، التي تكون خاتمة الأوقات المضروبة للنوافل، التي تزاحم فيها مع الفريضة، وحينئذ فيكون مدلول الروايات أخصّ من مدّعى المانعين; لأنّ مدّعاهم المنع في جميع الوقت الوسيع الذي يصحّ فيه الإتيان بالفريضة، وحينئذ فلابدّ من التزامهم بالتخصيص فيها; لخروج الرواتب عن هذا الحكم قطعاً. وأمّا بناءً على ما ذكرنا يكون خروج الرواتب بنحو التخصّص; إذ لا تعرّض في الروايات حينئذ لما قبل الذراع
(الصفحة 217)
والذراعين مثلا، وحينئذ فلا دليل على المنع في غير الرواتب أيضاً.
نعم، لابدّ من تعيين المراد من النهي الوارد فيها، وأنّه هل المراد منه الحرمة، أو الكراهة تكليفاً، أو وضعاً، ولكنّه بحث آخر يأتي، والكلام هنا في تعيين موضع النهي في هذه الرواية، وقد عرفت أنّ استقرار عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)ومن بعده قرينة متّصلة على أنّ المراد بوقت الفريضة ليس مجموع الوقت الوسيع من أوّله إلى آخره. نعم، يستفاد من روايات المنع، منع الإتيان بالرواتب بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة، فيكون غيرها أولى بعدم الجواز; وحينئذ فلابدّ من التكلّم فيها من حيث إنّ النهي الوارد فيها هل يكون المراد به الحرمة، أو غيرها؟
فنقول: إنّ النهي فيها يحتمل وجوهاً:
أحدها: أن يكون النهي فيها للتحريم بسبب انطباق عنوان محرّم على النافلة مطلقاً ـ راتبةً كانت أو غيرها ـ بعد مضيّ الذراع مثلا.
ثانيها: أن يكون النهي إرشاداً إلى فساد النافلة في ذلك الوقت.
ثالثها: أن يكون النهي نهياً مولويّاً تنزيهيّاً بسبب انطباق عنوان ذي حزازة ومنقصة على النافلة في ذلك الوقت.
رابعها: أن يكون للإرشاد إلى قلّة الثواب; بمعنى أنّ النافلة لو أتى بها في هذا الوقت تكون أقلّ ثواباً بالنسبة إلى ما لو اُتى بها في غير هذا الوقت.
خامسها: أن لا يكون النهي عن النافلة بسبب حرمتها، أو حزازتها، أو كونها أقلّ ثواباً، بل كان للإرشاد إلى أنّ الأفضل حينئذ البدأة بالمكتوبة; بمعنى أنّه حيث كانت ذمّة المكلّف مشغولة بما هو أهمّ وأكمل، فالأحرى تقديم الأهمّ وعدم تأخيره، فالنهي إنّما هو لمراعاة فضل المبادرة إلى الفريضة، ومقتضى هذا الاحتمال عدم كون التطوّع في وقت الفريضة حراماً، ولا ذا حزازة ومنقصة