(الصفحة 263)
فقال(عليه السلام): يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه(1).
ومكاتبة محمد بن الحصين قال: كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة، فيصلّي حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس، فإذاً هو قد صلّى لغير القبلة، أيعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب(عليه السلام): يعيدها ما لم يفته الوقت، أو لم يعلم أنّ الله يقول وقوله الحقّ: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ)؟!(2)،(3).
ورواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة، ثمّ يصحي فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال(عليه السلام): إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده(4).
پوالمستفاد من هذه الأخبار عدم الفرق في عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت بين ما كان مستدبراً للقبلة، وبين ما كان مستقبلا للمشرق أو المغرب، أو ما بينهما إلى جهة الشمال. ولكنّ الشيخ(قدس سره) قال في محكيّ النهاية: وقد رويت رواية أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة، ثمّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة، وهذا هو الأحوط، وعليه العمل(5). انتهى.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 48 و 141، ح155 و 552; الاستبصار 1: 296، ح1093; وعنهما وسائل الشيعة 4: 316، أبواب القبلة، ب11، ح2.
- (2) سورة البقرة 2: 115.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 49، ح160; الاستبصار 1: 297، ح1097; وعنهما وسائل الشيعة 4: 316، أبواب القبلة، ب11، ح4.
- (4) الكافي 3: 285، ح9; تهذيب الأحكام 2: 47 و 142، ح152، 153 و 553; الاستبصار 1: 296، ح1091; وعنها وسائل الشيعة 4: 317، أبواب القبلة، ب11، ح6.
- (5) النهاية: 64.
(الصفحة 264)
ونظيره حكى السيّد في الناصريّات وابن إدريس في السرائر(1)، إلاّ أنّهما لم يعتمدا عليه، ولا يخفى أنّ هذه الرواية وإن لم تكن مذكورة مسندة في الجوامع التي بأيدينا، بل حكاها الشيخ(قدس سره) في محكيّ النهاية بنحو الإرسال، إلاّ أنّه باعتبار إحاطة الشيخ بالأخبار المرويّة عن النبيّ والأئـمّة الأطهار(عليهم السلام)نعلم بوجودها في الجوامع الأوّليّة.
ولا يمكن أن يكون مراد الشيخ بهذه الرواية هي رواية عمّار الساباطي المتقدّمة; لأنّها ظاهرة في حكم ما لو كان مستدبراً للقبلة، ثمّ علم بعد الفراغ قبل خروج الوقت، فالمورد فيهما مختلف.
وأيضاً لا يكون المقصود بها رواية عمرو بن يحيى قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن رجل صلّى على غير القبلة، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى؟ قال(عليه السلام): يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها، الحديث(2); لأنّها ظاهرة في تعيين وقت قضاء الصلاة التي وقعت على غير القبلة بعد الفراغ عن أصل وجوب الإعادة، فهي غير مرتبطة بما تدلّ على أصل وجوب الإعادة أو القضاء، وعلى تقديره فهي لا تتعرّض لحكم الاستدبار بالخصوص، بل تدلّ على حكم الصلاة التي وقعت على غير القبلة أعمّ ممّا كان مستدبراً.
فظهر أنّ الروايات الواردة في حكم المسألة التي نحن فيها لا تنحصر بالطائفتين المذكورتين، بل فيها ما يدلّ على التفصيل بين الاستدبار وغيره; وهو مارواه الشيخ في النهاية مرسلا، وقد استشكل فيها:
- (1) مسائل الناصريّات: 202، المسألة الثمانون; السرائر 1: 205.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 46، ح149; ا لاستبصار 1: 297، ح1098; وعنهما وسائل الشيعة 4: 313، أبواب القبلة، ب9، ح5.
(الصفحة 265)
أوّلا: بأنّها غير معلومة الحجّية، إذ لو كانت مذكورة مسندة ونعلم برواتها لاطّلعنا على قدح في رواتها وإن لم يطّلع عليه الشيخ.
وثانياً: بأنّها على فرض حجّيتها معارضة مع الأخبار المتقدمة الدالّة على عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت مطلقاً ولو كان مستدبراً.
وثالثاً: بفتوى جماعة من قدماء الأصحاب على خلافها، كالسيّد المرتضى وابن إدريس وابن الجنيد(1).
ولكن لا يخفى أنّ ضعفها على تقديره منجبر بفتوى كثير من الأصحاب على طبق مضمونها، كالمفيد في المقنعة والشيخ في جميع كتبه، وسلاّر وغيرهم(2)، وليست معارضة مع الأخبار المتقدّمة; لأنّها أخصّ منها; إذ التعارض بينهما إنّما هو في خصوص ما بعد الوقت، فتلك الأخبار تدلّ على عدم وجوب الإعادة مطلقاً، وهذه تدلّ على وجوبها لو كان مستدبراً، فيجب أن يخصّص بها.
وفتوى من ذكر من الأصحاب على خلافها لا يوجب قدحاً فيها; لأنّ بعضهم لا يعمل بالخبر الواحد أصلا ولو كان مسنداً، كالسيد المرتضى، وابن إدريس، والبعض الآخر لا يعلم من حاله أنّه محيط بالأخبار المرويّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)والأئـمّة(عليهم السلام)، فلعلّه لم يطّلع على هذه الرواية، فأفتى على طبق تلك الروايات المتقدّمة، فالحكم بوجوب الإعادة لو كان مستدبراً مطلقاً في الوقت وفي خارجه غير بعيد; فما ذكره المحقّق في الشرائع من أنّ الأظهر هو القول بعدم وجوب الإعادة في خارج الوقت مطلقاً(3) غير ظاهر، فضلا عن أن يكون أظهر.
- (1) مسائل الناصريّات: 202، المسألة الثمانون; السرائر 1: 205; وحكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2: 69.
- (2) المقنعة: 97; الخلاف 1: 303، مسألة 51; المبسوط 1: 80; النهاية: 64; المراسم: 61; الكافي في الفقه: 138ـ139; المهذّب 1: 87; غنية النزوع: 69.
- (3) شرائع الإسلام 1: 68.
(الصفحة 266)
والعجب أنّه(قدس سره)ممّن يعتمد في نظائر المسألة على مجرّد نقل الشيخ، ويطعن على من ردّه بالإرسال أو غيره!.
ثمّ إنّ المراد بالاستدبار في الرواية التي رواها الشيخ(1) ليس هي النقطة المقابلة للكعبة، بل المراد به هو الربع المقابل للربع من الدائرة التي وقعت الكعبة في جزء منه، ويجب التوجّه في الصّلاة وغيرها إليه، وأيضاً ليس المراد به ما هو خارج عمّا بين المشرق والمغرب، كما قد يتوهّم من رواية عمّار الساباطي المتقدّمة، باعتبار المقابلة بينه، وبين ما بين المشرق والمغرب; لأنّ هذا التوهّم ممنوع، ومع فرضه فلايدلّ على أنّ المراد بالاستدبار فيما حكاه الشيخ(قدس سره) أيضاً ذلك، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من وجوب الإعادة عليه في الوقت دون خارجه فيما إذا كان الانحراف كثيراً، إنّما هو فيما إذا كان مأموراً بالتحرّي والاجتهاد; لعدم انكشاف الواقع، فتحرّى ثمّ تبيّن مخالفته للواقع. وأمّا إذا كان عالماً بالحكم وبالقبلة ولكن صلّى إلى غير القبلة سهواً أو اشتباهاً، ففي إلحاقه بالصورة الاُولى خلاف بين الأصحاب.
وممّن ذهب إلى الإلحاق وعدم التفصيل المفيد(قدس سره) في المقنعة، والشيخ في التهذيب والنهاية، وبعض المتأخّرين، كالمحقّق الهمداني في المصباح(2)، ولكنّ الأقوى عدم الإلحاق وفاقاً للعلاّمة في المختلف(3). واحتجّ الشيخ ـ على
- (1) النهاية: 64.
- (2) المقنعة: 97; تهذيب الأحكام 2: 47; النهاية: 64; مصباح الفقيه 10: 176ـ177.
- (3) مختلف الشيعة 2: 73.
(الصفحة 267)
ما حكاه عنه العلاّمة فيه وإن لم نجده في كتبه ـ بحديث الرفع(1)، وأجاب عنه بأنّ حديث الرفع لا يدلّ على رفع الحكم، بل المرفوع هي المؤاخذة، فلا يدلّ على عدم وجوب الإعادة.
أقول: إن كان المراد من حديث الرفع هو رفع حكم ما فعله الناسي في حال نسيانه; بمعنى أنّ الفعل الذي يفعله الناسي لو كان له حكم لو خلّي وطبعه، فذلك الحكم مرفوع في حال صدوره نسياناً، فلا يتمّ الاستدلال أيضاً; لأنّ المفروض أنّ الناسي المكلّف بالصلاة إلى القبلة الواقعيّة لم يأت بها، ففي الحقيقة يكون كمن لم يصلّ أصلا، فهو لم يعمل عملا له حكم حتى يرفع ذلك الحكم في حال النسيان، بخلاف من كان مأموراً بالتحرّي والاجتهاد; فإنّ الحكم في حقّه هي الصلاة إلى جهة ظنّ أنّها القبلة، ولذا لو لم يكن دليل على وجوب الإعادة عليه في الوقت لم نقل بوجوبها عليه; لأنّ الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء ولو انكشف الخلاف في الوقت، وهذا بخلاف الناسي; فإنّ الحكم في حقّه هي الصلاة إلى القبلة الواقعيّة، والمفروض عدم مطابقة عمله لها.
ثمّ إنّه على تقدير دلالة حديث الرفع على عدم وجوب الإعادة، فهو معارض بحديث رواه زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود(2); لأنّ مورده صورة النسيان فقط،
- (1) الفقيه 1: 36، ح132; التوحيد: 353، ح24; الخصال: 417، ح9; الكافي 2: 463، ح2; نوادر ابن عيسى: 74، ح157; وعنها وسائل الشيعة 7: 293، أبواب قواطع الصلاة، ب37، ح1، وج8: 249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب30، ح1و2، وج15:369، أبواب جهادالنفس، ب56، ح1، وج23:237، كتاب الأيمان، ب16،ح3.
- (2) الفقيه 1: 181، ح857; تهذيب الأحكام 2: 152، ح597; وعنهما وسائل الشيعة 4: 312، أبواب القبلة، ب9، ح1.