(الصفحة 275)
أو يساره، يلزم الانحراف بمقدار الربع أو الخمس. وبيان الدفع، أنّ الكعبة واقعة في وسط ذلك المقدار، وعلى فرض وقوع الخطّ الخارج من منتهى يمين الوجه أو يساره عليها لا يلزم الانحراف بذلك المقدار، بل يلزم نصفه كما لا يخفى.
هذا، مضافاً إلى عدم معلوميّة كفاية الخطّ الخارج من منتهى يمين الوجه أو يساره، بل يلزم أن يخرج من وسط الوجه وما يقاربه من جانبيه كالقريب.
ثمّ إنّك عرفت(1) أنّ قبلة البعيد هي الجهة، وهي كما ذكره المحقّق في المعتبر، السمت الذي فيه الكعبة، وعرفت(2) أنّ المراد بالسمت إحدى الجهات الستّ المتصوّرة بالنسبة إلى كلّ شخص، وهو ربع الدائرة التي أحاطت به.
ويؤيّده ما دلّ على أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة بالمعنى الذي ذكرناه(3)، وما دلّ على أنّ مع اشتباه القبلة يجب أن يصلّي إلى أربع جهات(4).
وما ورد في حرمة استقبال القبلة واستدبارها في البول والغائط من التعبير بوجوب التشريق أو التغريب(5).
وما في سؤال بعض الروات; من مسألة حكم صورة الجهل بالقبلة لأجل عدم ظهور الشمس مع كونه في الفلاة، أو لأجل كونه في الليل(6); فإنّه يشعر بأنّ مع ظهور الشمس لا يكون جاهلا بالقبلة.
وما ورد من أنّه لمّا تحوّلت القبلة إلى الكعبة أتى الناس رجلٌ وهم في الصلاة
- (1 ، 2) في ص226ـ227.
- (3) في ص259ـ262.
- (4) وسائل الشيعة 4: 310ـ311، أبواب القبلة، ب8.
- (5) تهذيب الأحكام 1: 25، ح64; الاستبصار 1: 47، ح130; وعنهما وسائل الشيعة 1: 302، أبواب أحكام الخلوة، ب2، ح5.
- (6) وسائل الشيعة 4: 316ـ317، أبواب القبلة، ب11، ح4 و 6.
(الصفحة 276)
وقد صلّوا ركعتين، فقال: إنّه قد صرفت القبلة إلى الكعبة، فتحوّلت النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، وصلّوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة(1)، وغير ذلك من المؤيّدات، فتدبّر جيّداً.
مسألة: لا إشكال ولا خلاف في عدم شرطيّة الاستقبال في النوافل في الجملة، ومستنده أخبار كثيرة:
منها: ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام)عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار وهو على دابّته حيث ما توجّهت به؟ قال: لابأس(2).
ومنها: ما رواه إبراهيم الكرخي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال له: إنّي أقدر أن أتوجه نحو القبلة في المحمل، فقال: هذا الضيق، أما لكم في رسول الله(صلى الله عليه وآله)أسوة؟(3).
ومنها: صحيحة الحلبي ـ المرويّة في التهذيب ـ أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام)عن صلاة النافلة على البعير والدابّة؟ فقال: نعم، حيث كان متوجّهاً، وكذلك فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله). ورواه محمّد بن سنان على ما في الكافي مثله وزاد: قلت: على البعير والدابّة؟ فقال: نعم، حيث ما كنت متوجّهاً. قلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: لا، ولكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً، وكذلك فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله)(4).
- (1) تقدّم في ص222.
- (2) الفقيه 1: 285، ح1298; الكافي 3: 440، ح8; تهذيب الأحكام 3: 230، ح591; وفيهما: نعم، لا بأس; وعنها وسائل الشيعة 4: 328، أبواب القبلة، ب15، ح1.
- (3) الفقيه 1: 285، ح1295; تهذيب الأحكام 3: 229، ح586; وعنهما وسائل الشيعة 4: 329، أبواب القبلة، ب15، ح2.
- (4) تهذيب الأحكام 3: 228، ح581; الكافي 3: 440، ح5; وعنهما وسائل الشيعة 4: 329ـ330، أبواب القبلة، ب15، ح6 و 7.
(الصفحة 277)
ومنها: صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الأوّل(عليه السلام) في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابّته في الأمصار، قال: لا بأس(1). وهذه الرواية وإن لم يقع فيها التصريح بنفي شرطيّة الاستقبال في النافلة كبعض الروايات الاُخر، إلاّ أنّ المتبادر منها إرادة فعلها متوجّهاً نحو المقصد أيّ جهة كان.
ومنها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابّة إذا خرجت قريباً من أبيات الكوفة، أو كنت مستعجلا بالكوفة؟ فقال: إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول، وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب، فنعم، وإلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ(2). وظاهرها جواز الإتيان بالنافلة على ظهر الدابّة حيثما توجّهت به، ولكنّ الأفضل إيقاعها على الأرض.
ومنها: ما عن الطبرسي في مجمع البيان، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)في قوله ـ تعالىـ: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)(3) أنّها ليست بمنسوخة، وأنّها مخصوصة بالنوافل في حال السفر(4).
ومنها: ما عن الشيخ في النهاية، عن الصادق(عليه السلام) في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ...) الآية، قال: هذا في النوافل خاصّة في حال السفر. فأمّا الفرائض فلابدّ فيها من استقبال القبلة(5).
- (1) تهذيب الأحكام 3: 229، ح589; وعنه وسائل الشيعة 4: 330، أبواب القبلة، ب15، ح10.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 232، ح605; وعنه وسائل الشيعة 4: 331، أبواب القبلة، ب15، ح12.
- (3) سورة البقرة 2: 115.
- (4) مجمع البيان 1: 385; وعنه وسائل الشيعة 4: 332، أبواب القبلة، ب15، ح18.
- (5) النهاية: 64; وعنه وسائل الشيعة 4: 332، أبواب القبلة، ب15، ح19.
(الصفحة 278)
ومنها: غير ذلك ممّا يدلّ على عدم شرطيّة الاستقبال في النوافل في حال عدم استقرار المصلّي(1)، ككونه راكباً على الدابّة أو السفينة أو ماشياً في السفر والحضر، فلا إشكال في هذه الصورة.
إنّما الخلاف والإشكال فيما لو كان المصلّي مستقرّاً، وأنّه هل تجوز صلاة النافلة مستقرّاً بلا استقبال اختياراً، أم لا؟ قولان:
وقد نسب القول بالعدم(2) إلى المشهور(3)، وربما يستدلّ عليه بعدم معهوديّة الصلاة مستقرّاً إلى غير القبلة عند المتشرّعة، بل تكون عندهم من المنكرات، وبعدم مشروعيّتها; لكون العبادات توقيفيّة، وبإطلاق قوله(صلى الله عليه وآله): صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(4).
وبقوله(عليه السلام) في صحيح زرارة: لا صلاة إلاّ إلى القبلة(5).
وفي صحيحه الآخر: لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود(6).
كما أنّه ربما يستدلّ على الأوّل بأصالة البراءة عن الوجوب; أي وجوب الاستقبال، وبأصالة العدم، وبما يدلّ على عدم صلاحيّة صلاة الفريضة في جوف
- (1) وسائل الشيعة 4: 333ـ334، أبواب القبلة، ب15.
- (2) أي بعدم جواز صلاة النافلة مستقرّاً بلا استقبال.
- (3) غاية المراد 1: 117ـ118; بحار الأنوار 84: 48; كشف اللثام 3: 150; مفتاح الكرامة 5: 327; مستند الشيعة 4: 202.
- (4) صحيح البخاري 7: 102، ح6008; وج8: 169، ح7246; سنن الدار قطني 1: 280، ح1056; وص339، ح1926; السنن الكبرى للبيهقي 3: 301، ح3963; ويأتي في ج2، ص8.
- (5) الفقيه 1: 180، ح855; وعنه وسائل الشيعة 4: 312، أبواب القبلة، ب9، ح2.
- (6) الفقيه 1: 181، ح857; تهذيب الأحكام 2: 152، ح597; وعنه وسائل الشيعة 4: 312، أبواب القبلة، ب9، ح1.
(الصفحة 279)
الكعبة دون النافلة(1); فإنّ المترائى منه أنّ عدم الصلاحيّة في الفريضة إنّما هو لأجل امتناع تحقّق شرطها وهو الاستقبال، والنافلة لمّا لم تكن مشروطة به، فلم يكن فعلها فيه بغير صالح.
وبما ورد في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) من أنّها ليست بمنسوخة، وأنّها مخصوصة بالنوافل في حال السفر(2); فإنّ إطلاقه يشمل النافلة في حال الاستقرار، والتقييد بحال السفر ليس لأجل اختصاص الحكم به، بل لأجل غلبة وقوع النوافل في حال السفر إلى غير القبلة، ولذا لا يكون الاستقبال شرطاً لها في الأمصار أيضاً في حال عدم استقرار المصلّي بلا خلاف; ويؤيّده التقابل بين الفريضة ومطلق النافلة فيما حكاه الشيخ في النهاية عن الصادق(عليه السلام) في تفسير ذلك القول، كما عرفت.
وأنت خبير بأنّ التمسّك بأصالة البراءة ممّا لا يتمّ; لأنّ مدركها إمّا حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان، وإمّا حديث الرفع ونظائره. والأوّل غير جار في المقام; لأنّ الكلام في شرطيّة الاستقبال في النافلة، وهي لا يترتّب على تركها عقاب أصلا. وكذا الثاني; لأنّ حديث الرفع(3) مسوق لرفع التضييق، وهو معدوم في النوافل.
وأمّا أصالة العدم، فإن كان مرجعها إلى الاستصحاب فلا مجرى لها فيما نحن فيه; لعدم وجود الحالة السابقة له، وإن كان المراد أنّها أصل مستقلّ برأسه، ففيه: مضافاً إلى عدم الدليل على حجّيتها، أنّها لا تجري في مثل المقام ممّا كان الشك
- (1) وسائل الشيعة 4: 337ـ338، أبواب القبلة، ب17، ح4 و 5 و 9.
- (2) مجمع البيان 1: 385; وعنه وسائل الشيعة 4: 332، أبواب القبلة، ب15، ح18.
- (3) تقدّم في ص267.