(الصفحة 305)
وأجاب عنه صاحب الجواهر(قدس سره)(1) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس; لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت; لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن، والساتر يجب أن يكون من غيرها، وبطلان التالي واضح; لعدم التزام المستدلّ به.
هذا، ولكن يمكن أن يجاب عنه ـ ولو مع تسليم أنّه يكفي كون الساتر هو الشعر ـ : أوّلا بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لاتكون لها شعر، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به.
وثانياً بأنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب، وقد بيّن في الاُصول(2)أنّه غير ثابت، مع أنّ هذه الرواية هي ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً; يعني ستيراً(3)، ولاتكونان روايتين، بل الظاهر أنّ الراوي وهو محمّد بن مسلم قد سمع هذه الجملة منه(عليه السلام) دفعة واحدة، والاختلاف إنّما نشأ من اشتباه الراوي.
وعليه: لا يمكن الاستدلال بالاُولى; إذ اللفظ الصادر منه(عليه السلام) يكون مردّداً لنا، ومن الواضح: أنّ ما رواه الصدوق لا يدلّ على ما ذهب إليه المستدلّ; لأنّ الضمير في قوله(عليه السلام): «إذا كان كثيفاً» وإن كان مفرداً، إلاّ أنّ الظاهر رجوعه إلى الجامع بين الدرع والمقنعة، والتعبير بهذا النحو شائع في الأخبار، بل في القرآن أيضاً، وكونه
- (1) جواهر الكلام 8: 281ـ282.
- (2) مطارح الأنظار 2: 121; كفاية الاُصول: 250; نهاية الاُصول: 296ـ297.
- (3) الفقيه 1: 243، ح1081; وعنه وسائل الشيعة 4: 405، أبواب لباس المصلّي، ب28، ح3.
(الصفحة 306)
راجعاً إلى خصوص الدرع باعتبار كونه مذكّراً خلاف الظاهر; لتقدّمه في الذكر على المقنعة.
ثمّ لا يخفى أنّ المتبادر من قوله(عليه السلام): «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة» هو اعتبار كونهما كثيفين; لأنّه يدلّ على أنّ أقلّ ما يكفي من الساتر للمرأة هو الدرع والمقنعة، والثوب غير الكثيف لا يكون في الحقيقة ساتراً. هذا، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه(1).
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الصغيرة ستر الشعر، حتّى بناءً على ما هو الحقّ من كون عبادات الصبيّ شرعيّة لا تمرينيّة(2)، والدليل عليه هي الشهرة العظيمة المحقّقة(3)، مضافاً إلى الأخبار الواردة في هذا المقام.
مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال: نعم، قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار، إلاّ أن لا تجده(4).
وفي رواية رواها الصدوق قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة: منهم المرأة المدركة تصلّي بغير خمار(5).
- (1) وسائل الشيعة 4: 405ـ408، أبواب لباس المصلّي، ب28.
- (2) الحدائق الناضرة 13: 53; مفتاح الكرامة 5: 245ـ246; العناوين 2: 664ـ672.
- (3) المعتبر 2: 103; مختلف الشيعة 2: 101; منتهى المطلب 4: 274ـ275; ذكرى الشيعة 3: 9; جامع المقاصد 2: 98; روض الجنان 2: 582; كشف اللثام 3: 238ـ239; الحدائق الناضرة 7: 15; مفتاح الكرامة 6: 32ـ33، ولم نعثر على من إدّعى الشهرة.
- (4) الفقيه 1: 244، ح1082; وعنه وسائل الشيعة 4: 405، أبواب لباس المصلي، ب28، ح4.
(5) الفقيه 1: 36، ح131; المحاسن 1: 76، ح36; وعنهما وسائل الشيعة 4: 406، أبواب لباس المصلّي،
ب28، ح6.
(الصفحة 307)
وكذا لا يجب على المملوكة ستر الشعر; للشهرة(1) والأخبار الكثيرة.
مثل ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة، الحديث(2).
ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من أنّه يجب على الرجل ستر عورته فقط، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الرجل يصلّي في ثوب أو قميص واحد(3)، باعتبار أنّه دالّ على كونه أقلّ ما يكفي للرجل من الساتر، وذلك لما عرفت من أنّ مثله يدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه ولا يكون مستوراً به، ولا يدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيه ومستور به، كما لا يخفى.
[ كيفيّة صلاة العاري ]
مسألة: إذا كان المصلّي فاقداً للساتر، أو كان ثوبه منحصراً في النجس، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عرياناً، ففي كيفيّة صلاته من حيث القيام والقعود، ومن حيث الركوع والسجود، أو الإيماء خلاف(4)، منشؤه اختلاف الأخبار، ولابدّ من التكلّم في كلّ من الحيثيّتين مستقلاًّ، فنقول:
- (1) راجع تعليقة 3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 217، ح854; الاستبصار 1: 389، ح1479; وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، أبواب لباس المصلّي، ب28، ح10.
- (3) الكافي 3: 394، ح2; الفقيه 1: 243، ح1082; تهذيب الأحكام 2: 217، ح855; وعنها وسائل الشيعة 4: 405 و 406، أبواب لباس المصلّي، ب28، ح4 و 7.
- (4) الخلاف 1: 398ـ400، مسألة 150 و 151; المعتبر 2: 105; مختلف الشيعة 2: 100; تذكرة الفقهاء 2: 455، مسألة 114; ذكرى الشيعة 3: 21; كشف اللثام 3: 245.
(الصفحة 308)
أمّا من الحيثيّة الاُولى: فمقتضى بعض الأخبار أنّه يصلّي جالساً، كرواية إسحاق بن عمّار ـ الواردة في صلاة جماعة العراة ـ قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): قوم قطع عليهم الطريق واُخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: يتقدّمهم إمامهم، فيجلس ويجلسون خلفه، فيومئ إيماءً بالركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(1).
ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ الواردة أيضاً في صلاتهم جماعة ـ قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال(عليه السلام): يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس(2).
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ فقال: يصلّي إيماءً، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوءته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، الحديث(3).
وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يصلّي جالساً، مثل ما ورد فيما لو كان ثوب المصلّي منحصراً في النجس، كرواية محمّد بن عليّ الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4)، وموثّقة سماعة المرويّة في الكافي(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1514; وعنه وسائل الشيعة 4: 451، أبواب لباس المصلّي، ب51، ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1513; وج3: 178، ح404; وعنه وسائل الشيعة 4: 450، أبواب لباس المصلّى، ب51، ح1.
- (3) الكافي 3: 396، ح16; وعنه وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 1: 406، ح1278; وج2: 223، ح882; الاستبصار 1: 168، ح583; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح4.
- (5) الكافي 3: 396، ح15; وعنه تهذيب الأحكام 2: 223، ح881; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح1.
(الصفحة 309)
وأمّا ما في التهذيب(1)، فهو يدلّ على أنّه يصلي قائماً لا قاعداً، ويدلّ على وجوب الصلاة جالساً أيضاً رواية أبي البختري الآتية في كيفيّة صلاتهم من حيث الركوع والسجود.
وبإزاء هذه الأخبار، روايات تدلّ على أنّ العاري يصلّي قائماً، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم(2).
ورواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في حديث: وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً(3).
هذا، ومقتضى قاعدة الجمع حمل الطائفة الاُولى على صورة وجود الناظر، والثانية على ما إذا كان في محلّ يأمن من المطّلع ولا يراه أحد.
ويدلّ على ذلك مرسلة عبدالله بن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال: يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً، ورواه أيضاً الصدوق مرسلا(4)، ورواه
- (1) تهذيب الأحكام 1: 405، ح1271; الاستبصار 1: 168، ح582; وعنهما وسائل الشيعة 3: 486، أبواب النجاسات، ب46، ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1515; مسائل عليّ بن جعفر(عليه السلام): 172، ح298; وعنهما وسائل الشيعة 4: 448، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح1.
- (3) الفقيه 1: 166، ح782; تهذيب الأحكام 2: 366، ح1519; وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح4.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 365، ح1516; الفقيه 1: 168، ح793; وعنهما وسائل الشيعة 4: 449، أبواب لباس المصلّي، ب50، ح3 و 5.