(الصفحة 401)
له فلس(1)، ومخالفة صاحب الحدائق(2) وأمثاله لا يضرّ بتحقّقه، كما هو واضح.
ثانيها: أنّه هل الأدلّة المانعة عن الصلاة في جلد الميتة منصرفة عن الميتة الطاهرة; وهي ميتة غير ذي النفس، أو باقية على ظاهرها من العموم والشمول؟
ثالثها: أنّه على فرض الانصراف هل تكون الحيوانات المائيّة لها نفس سائلة أم لا؟
رابعها: أنّه هل تكون التذكية ثابتة فيما عدا السمك من الحيوانات المائيّة أو تختصّ به؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو قيل بحلّية أكل لحم الخزّ أو بحرمته، ولكن ادّعي انصراف الأدلّة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائيّة، فلازمه القول بصحّة الصلاة في وبر الخزّ، وكذا في جلده من حيث مانعيّة غير المأكول.
وأمّا من حيث مانعيّة الميتة، فجواز الصلاة فيه مبنيّ على القول بخروج الخزّ عن تحت الأدلّة المانعة عن الصلاة في الميتة، إمّا موضوعاً بدعوى وقوع التذكية عليه، وإمّا حكماً بدعوى انصرافها عن الميتة الطاهرة، واختصاص المانعيّة بالميتة النجسة، مع ادّعاء كون الحيوانات المائيّة، أو خصوص الخزّ منها ليس لها نفس سائلة حتّى تكون ميتتها طاهرة، فلا تدخل في تلك الأدلّة، وحينئذ ينتهي القول بجواز الصلاة في جلد الخزّ على وفق القاعدة، ولا حاجة في إثباته
- (1) الخلاف 6: 29، مسألة 31; غنية النزوع: 397ـ398; السرائر 3: 98; المعتبر 2: 84; ذكرى الشيعة 3: 36; حاشية شرائع الإسلام المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 1: 129; مسالك الأفهام 12: 10; جواهر الكلام 36: 241ـ243 (ط.ق).
- (2) الحدائق الناضرة 7: 67ـ68.
(الصفحة 402)
إلى دليل كما هو واضح.
وأمّا لو قلنا بحرمة أكل لحم الخزّ، كما عرفت أنّه معقد إجماع الأصحاب، ولم نقل بانصراف الأدلّة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائيّة، فلازمه القول ببطلان الصلاة في جلد الخزّ وكذا في وبره، إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف ذلك، وقد عرفت في صدر المسألة أنّه قام الدليل على الجواز في الوبر، والإشكال إنّما هو في الجلد خاصّة.
هذا، والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لو كان وجه المانعيّة وبطلان الصلاة في جلد الخزّ منحصراً في كونه من أجزاء غير المأكول، فلا يبعد أن يقال باستثناء جلد الخزّ وصحّة الصلاة فيه كالوبر; لأنّه بعد نهوض الدليل من النصّ والإجماع على استثناء الوبر، تكون خصوصيّة الوبريّة ملغاة بنظر العرف; لأنّ الظاهر أنّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ، وصحّة الصلاة في أجزائه، وبراً كان أو غيره، كما لا يخفى.
وأمّا مع احتمال كون الخزّ ميتة; لاحتمال عدم كونه كالسّمك في أنّ خروجه من الماء كان علّة لموته، كما يظهر من بعض الروايات، حيث إنّ الإمام(عليه السلام) أجاب فيه عن السؤال عن الخزّ، بأنّه سبع يرعى في البرّ، ويأوي الماء(1)، فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال; إذ لو كان إخراجه من الماء مستلزماً لقتله; لعدم تعيّشه في خارج الماء، لأمكن أن يقال بحصول التذكية له بذلك كالسّمك.
وأمّا مع تعيّشه في خارج الماء أيضاً; بمعنى عدم كون إخراجه من الماء إماتة
- (1) تهذيب الأحكام 9: 49، ذ ح205; وعنه وسائل الشيعة 24: 191، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، ب39، ح2.
(الصفحة 403)
له; لبقاء حياته بعد الخروج ولو ساعة، فلا يمكن القول بثبوت التذكية له، كما يظهر ذلك من فتاوى الأصحاب في نظائر المسألة، حيث إنّهم يقولون بأنّ حصول التذكية للحيوان الذي أصابه سهم، أوجرحه كلب معلّم، ومات بسببه قبل بلوغ الصيّاد إليه، إنّما هو بذلك; أي بإصابة السهم أو جرح كلب معلّم. وأمّا إذا كانت حياته باقية بعد بلوغه إليه، فتحقّق التذكية إنّما هو بفري الأوداج، ولا تكفي الإصابة أو الجرح.
هذا، ولا يجوز أن يتمسّك للجواز بإطلاق رواية معمّر بن خلاّد، عن الرضا(عليه السلام)المتقدّمة(1); لأنّ النسبة بينها، وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة عموم من وجه. ولا دليل على ترجيح الاُولى في مورد الاجتماع; وهي الصلاة في جلد الخزّ.
وأمّا رواية ابن أبي يعفور(2)، فهي وإن كان موردها الصلاة في جلد الخزّ كما عرفت; إلاّ أنّ الاعتماد على مثلها مع وضوح حال سندها لا ينبغي من الفقيه، وما ذكرنا من اتّحادها مع رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة(3)، فإنّما هو مبنيّ على الحدس، ولا يجوز الاستناد إليه في مقام الفتوى. هذا، والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل، والاحتياط ممّا لا يخفى.
[ حكم الصلاة في جلد السنجاب ]
مسألة: من جملة ما قيل باستثنائه من عموم الأدلّة المانعة عن الصلاة
- (1) في ص395.
- (2) تقدّمت في ص395ـ396.
- (3) في ص397.
(الصفحة 404)
في أجزاء غير المأكول، الصلاة في جلد السنجاب(1)، ويدلّ عليه أخبار كثيرة:
منها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الفراء والسمّور والسّنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه(2)، والفراء جمع فرو، والمراد به إمّا ما يظهر من بعض اللغويّين(3) من أنّه الحمار الوحشي، وإمّا ما يقال له بالفارسية: «پوستين»(4).
وعلى الأوّل: لا يكون من أفراد غير المأكول، وعلى الثاني: يمكن أن يكون المراد به الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء، ويمكن أن يراد به مطلق الفراء. وعليه: فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له، والمراد بأشباهه إمّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل، وإمّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره.
وبالجملة: فدلالتها على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيها.
ومنها: ما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق، عمّن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الصلاة في السمّور والسّنجاب والثعلب؟ فقال: لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب; فإنّه دابّة
- (1) المقنع: 79; المبسوط 1: 82ـ83; المعتبر 2: 85ـ86; شرائع الإسلام 1: 69; إرشاد الأذهان 1: 246; منتهى المطلب 4: 218; الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي) 1: 101; حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 67.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 210، ح825; الاستبصار 1: 384، ح1459; وعنهما وسائل الشيعة 4: 350، أبواب لباس المصلّي، ب4، ح2.
- (3) معجم تهذيب اللغة 3: 2755; النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3: 422; لسان العرب 5: 103.
- (4) فرهنگ عميد: 760.
(الصفحة 405)
لا تأكل اللحم(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن علي بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبدالله وأبا الحسن(عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلّ فيها إلاّ في ما كان منه ذكيّاً. قال: قلت: أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال: بلى، إذا كان ممّا يؤكل لحمه. قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب; فإنّه دابّة لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله); إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب(2).
قوله(عليه السلام): «إذا كان ممّا يؤكل لحمه» إنّما يكون قيداً لجواز الصلاة في الذكي، لا لقوله: «بلى»، كما لا يخفى.
والتعليل الوارد في هذه الرواية والتي قبلها لجواز الصلاة في السنجاب، بأنّه دابّة لا تأكل اللحم، يشعر بثبوت الحكم في كلّ ما يكون كذلك; أي غير سبع، مع أنّ الأمر ليس كذلك، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّه ليس علّة للحكم، بل حكمة له.
ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن داود الصرمي، عن بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الفنك والفرا والسّنجاب والسمّور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقيّة؟ قال: فقال: صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزميّة،
- (1) الكافي 3: 401، ح16; الاستبصار 1: 384، ح1456; وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح2.
- (2) الكافي 3: 397، ح3; تهذيب الأحكام 2: 203، ح797; وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، أبواب لباس المصلّي، ب3، ح3.