(الصفحة 411)
من النصوص، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم فساد الصلاة الواقعة فيه، أم لا؟
وكيف كان، فالأخبار الواردة في هذا الباب من طرق الخاصّة كثيرة:
منها: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال(عليه السلام): لا(1).
ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحارث قال: سألت الرضا(عليه السلام)هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال(عليه السلام): لا(2). ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة باعتبار عدم اختلاف مضمونهما، وأن يكون أبو الحارث كنية لإسماعيل بن سعد.
ومنها: ما رواه الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبدالجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب(عليه السلام): لا تحلّ الصلاة في حرير محض(3).
ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالجبّار، قال: كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها
- (1) الكافي 3: 400، ح12; تهذيب الأحكام 2: 205، ح801; وص207، ح813; الاستبصار 1: 385، ح1463; وعنها وسائل الشيعة 4: 367، أبواب لباس المصلّي، ب11، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 208، ح814; الاستبصار 1: 386، ح1464; وعنهما وسائل الشيعة 4: 369، أبواب لباس المصلّي، ب11، ح7.
- (3) الكافي 3: 399، ح10; تهذيب الأحكام 2: 207، ح810 و 812; الاستبصار 1: 383، ح1453; وص385، ح1462; وعنها وسائل الشيعة 4: 368، أبواب لباس المصلّي، ب11، ح2; وص376، ب14، ح1.
(الصفحة 412)
وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب(عليه السلام): لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى(1). والظاهر اتّحادهما أيضاً.
ومنها: ما رواه أيضاً عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق ابن صدقة، عن عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال: وعن الثوب يكون عَلَمه ديباجاً؟ قال(عليه السلام): لا يصلّى فيه(2).
ومنها: ما رواه أيضاً عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الإبريسم، والقلنسوة، والخفّ، والزنّار يكون في السراويل، ويصلّى فيه(3).
ومنها: ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان(عليه السلام) أنّه كتب إليه(عليه السلام) يتّخذ باصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشى من قزّ وإبريسم، هل تجوز الصلاة فيها، أم لا؟ فأجاب(عليه السلام): لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان(4).
ومنها: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سأل الحسن (الحسين خ ل) بن قياما أبا الحسن(عليه السلام)عن الثوب الملحم بالقزّ والقطن، والقزّ أكثر من النصف، أيصلّى فيه؟
- (1) تقدّمت في ص352.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 372، ح1548; وعنه وسائل الشيعة 4: 369، أبواب لباس المصلّي، ب11، ح8.
- (3) تقدّمت في ص350.
- (4) الاحتجاج 2: 589، أواخر الرقم 357; وعنه وسائل الشيعة 4: 375، أبواب لباس المصلّي، ب13، ح8.
(الصفحة 413)
قال: لا بأس، قد كان لأبي الحسن(عليه السلام) منه جبّات(1).
هذا، ولا يخفى أنّ أكثر الأخبار الواردة في حكم الحرير متضمّنة لبيان الحرمة التكليفيّة النفسيّة المتعلقة به، وأنّه لا يجوز لبسه مطلقاً في الصلاة وغيرها.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا إشكال في بطلان الصلاة في الثوب المنسوج بأجمعه من الإبريسم; بأن يكون سداه ولحمته كلاهما من الإبريسم، كما أنّه لا إشكال في حرمة لبسه.
وأمّا مجرّد استصحاب الإبريسم من دون أن يكون منسوجاً، فالظاهر أنّه لا يحرم مطلقاً وضعاً وتكليفاً; لعدم صدق الحرير عليه، ولو كان الثوب منسوجاً من الإبريسم وغيره; بأن يكون سداه منه ولحمته من غيره أو بالعكس، ففي حرمته إشكال، وكذا الإشكال فيما إذا كان الثوب محشوّاً بالإبريسم، أو كان بعضه بسداه ولحمته منه، وبعضه الآخر من غيره، أو كان مكفوفاً به، أو كانت ظهارته منه وبطانته من غيره أو بالعكس.
وجه الإشكال في الجميع، أنّه يمكن أن يقال بعدم صدق الصلاة في الحرير ـ وكذا لبسه ـ على ما إذا لم يكن الثوب بأجمعه من الإبريسم، بل يختصّ بما إذا كان الثوب بسداه ولحمته وظهارته وبطانته وحشوه منه، وعلى فرض الشمول فيمكن القول بخروج الجميع; لتوصيف الحرير في بعض الروايات بكونه محضاً أو مبهماً(2)، أو نظائرهما، بناءً على أن لا يكون الوصف مقابلا لخصوص ما إذا
- (1) الكافي 6: 455، ح11; وعنه وسائل الشيعة 4: 373، أبواب لباس المصلّي، ب13، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 367 و 208، ح1524 و 817; الاستبصار 1: 386، ح1468 و 1467; الفقيه 1: 171، ح808; وعنها وسائل 4: 374ـ375، أبواب لباس المصلّي، ب13، ح5 و 6.
(الصفحة 414)
كان منسوجاً من الإبريسم مخلوطاً بغيره، كالقطن مثلا; بأن كان سداه منه ولحمته من غيره، أو بالعكس.
وأمّا بناءً على أن يكون مقابلا لخصوص الصورة المذكورة، وشمول النهي عن الصلاة في الحرير المحض أو عن لبسه، لما إذا كانت ظهارته بسداه ولحمته منه وبطانته من غيره أو بالعكس، ولما إذا كان بعض الثوب بأجمعه من الإبريسم، وبعضه الآخر من غيره، ولغيرهما من الصور، فالخروج عن عموم النهي يحتاج إلى مخصّص.
فالذي يبتني عليه الحكم في الصور المذكورة بعد صدق الصلاة في الحرير على كلّ واحد منها هو: أنّ التقييد بالمحضيّة والمبهميّة ونظائرهما على اختلاف ألسنة الروايات، هل يوجب خروج الجميع واختصاص مورد النهي بما إذا كان الثوب بجميع أجزائه بسداه ولحمته من الإبريسم. نعم، لا اعتبار بما إذا كان ما يعدّ خارجاً من الثوب وزائداً عليه من غيره، كما إذا كان علمه أو كفّه من غير الإبريسم، أو يوجب خروج ما إذا كان نسج الثوب من الإبريسم مخلوطاً بغيره، ويبقى بقيّة الصور تحته؟
ظاهر الجواهر والمصباح(1) هو: أنّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب بسداه ولحمته من الإبريسم، وبعضه من غيره، كالمنسوج على الطرائق، وإذا لم تكن هذه الصورة مشمولة للنهي، فعدم شموله لما إذا كان عَلَمه أو كفّه من الإبريسم بطريق أولى.
نعم، لو كان بعضه المنسوج من الإبريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام
- (1) جواهر الكلام 8: 228ـ229; مصباح الفقيه 10: 343.
(الصفحة 415)
الثوب، كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الإبريسم، فيشكل الحكم بعدم التحريم. واستندا(1) في ذلك إلى أنّ بعض الثوب لا يكون ثوباً بل جزء منه، وهو يشعر بعدم صدق الصلاة في الحرير مع قطع النظر عن قيده على ما إذا كان بعض الثوب من الإبريسم.
ولا يخفى منعه; لما عرفت(2) في الأمر الثاني من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي; من صدق الظرفيّة في الشعرات الملقاة على المصلّي من غير المأكول. هذا، مضافاً إلى عدم صحّة الاستدلال من رأس; لأنّ بعض الثوب يصدق عليه الثوب، كما يظهر من ملاحظة موارد إطلاقاته.
هذا، ويظهر من الفقهاء الوجه الثاني(3)، حيث إنّهم اختلفوا فيما إذا كان عَلَمُ الثوب أو كفّه من الإبريسم، ومنشأ الاختلاف وجود رواية تدلّ على الجواز في هذه الصورة(4)، فبعضهم استند إليها مع كونها عامّية، وبعضهم أعرض عنها لذلك; فإنّ هذا يدلّ على أنّ شمول النهي وعمومه لهذه الصورة كان مسلّماً بينهم، غاية الأمر ثبوت الاختلاف في وجود المخصّص الذي يمكن التمسّك به وعدمه.
ومن هنا ينقدح أنّ الظاهر هو هذا الوجه تبعاً للأكثر; لأنّ الشمول كان متسالماً بين الأصحاب، بل بين العامّة أيضاً(5) بالنسبة إلى الحرمة التكليفيّة،
- (1) أي صاحب الجواهر ومصباح الفقيه.
- (2) في ص348ـ349.
- (3) المقنعة: 150; الكافي في الفقه: 140; الخلاف 1: 505، مسألة 246; المهذّب 1: 74ـ75; غنية النزوع: 66; تذكرة الفقهاء 2: 474; مدارك الأحكام 3: 175 و 180; مستند الشيعة 4: 350.
- (4) سنن النسائي 8: 213ـ214، ح5322 و 5323; صحيح البخاري 7: 56، ح5828 و 5829; سنن أبي داود: 615، ب12، ح4055.
- (5) المجموع 4: 436; تذكرة الفقهاء 2: 474.