(الصفحة 442)
أبي جعفر(عليه السلام) قال: لا صلاة إلاّ بطهور، ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله). وأمّا البول; فإنّه لابدَّ من غسله(1); فإنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّه لا تختص الطهارة المعتبرة في الصلاة بالطهارة من الأحداث، بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث، كما لا يخفى.
وما رواه الشيخ بالسند المذكور عن زرارة قال: قلت: أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شيء من منيّ ـ إلى أن قال: ـ قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا صلّيت وجدته. قال: تغسله وتعيد الصلاة. قلت: فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً، ثمّ صلّيت فرأيت فيه. قال: تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً، الحديث(2).
فإنّ السؤال وإن كان عن الصلاة في الثوب الذي شكّ في إصابة الدم أو المنيّ إيّاه، إلاّ أنّ الجواب باعتبار اشتماله على ذكر الطهارة من دون التقييد بشيء يدلّ على اعتبار الطهارة مطلقاً في صحّة الصلاة.
وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام)وأنا حاضر: إنّي اُعير الذمّيّ ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام): صلّ فيه ولا تغسله
- (1) تهذيب الأحكام 1: 49، ح144; وص209، ح605; الاستبصار 1: 55، ح160; وعنهما وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، ب9، ح1.
- (2) تأتي بتمامها في ص462.
(الصفحة 443)
من أجل ذلك; فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه(1)، ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة.
ومثلها ما رواه أيضاً عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد، قد مضت الصلاة وكُتبت له(2).
فإنّ الحكم المذكور في الجواب وإن كان مخالفاً لما هو المشهور(3)من وجوب الإعادة في هذه الصورة، إلاّ أنّه يعلم من السؤال والجواب مفروغيّة اعتبار الطهارة من كلّ قذر في صحّة الصلاة.
ومنها: ما رواه أيضاً عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى. وعن محمّد بن يحيى الصيرفي، عن حمّاد بن عثمان، عمّن رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر، فقال: إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس(4); فإنّ مفهومها يدلّ على مانعيّة القذارة وشرطيّة عدمها مطلقاً.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 361، ح1459; الاستبصار 1: 392، ح1497; وعنهما وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب74، ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 423، ح1345; وج2: 360، ح1492; الاستبصار 1: 183، ح642; وعنهما وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب42، ح3.
- (3) ذخيرة المعاد: 168، س8; الحدائق الناضرة 5: 418.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 357، ح1479; وج1: 274، ح807; بإسناد آخر عن أيّوب بن نوح، وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح2.
(الصفحة 444)
ومنها: ما رواه أيضاً عنه، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لاتجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والجورب(1).
ومنها: ما رواه أيضاً عن المفيد، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف أو غيره، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عبدالله بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة، والتكّة، والكمرة، والنعل، والخفّين، وما أشبه ذلك(2).
وبالجملة: فالظاهر أنّ اعتبار الطهارة من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة كان أمراً مفروغاً عنه، مضافاً إلى أنّه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ، إلاّ أنّه يقع الكلام في شمول تلك الأدلّة لما إذا كان محمول المصلّي نجساً، وأنّه هل تعتبر طهارة المحمول أيضاً، أم لا؟
لا يبعد أن يقال بدلالة الرواية الثانية المتقدّمة على ذلك; لأنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظنّ إصابة الدم أو المنيّ إلى الثوب، كما هو ظاهر صدر الرواية، إلاّ أنّ إسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه ـ كما فعله الإمام(عليه السلام)في الجواب، حيث قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» ـ ربما يدلّ على أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً، غاية الأمر أنّ صدقه يتوقّف
- (1) تهذيب الأحكام 2: 358، ح1481; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب1، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 275، ح810; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح5.
(الصفحة 445)
على طهارة بدنه وثوبه معاً، ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط، وإلاّ لم يصحّ الإسناد مع نجاسة الثوب كما هو واضح.
وبالجملة: فالظاهر من الرواية أنّ المعتبر في صحّة الصلاة كون المصلّي طاهراً، ويتوقّف ذلك على طهارة ثوبه وبدنه، وإذا كان الأمر كذلك; أي إذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً. فمن المعلوم أنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً، أو كان ما استصحبه كذلك; إذ الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصيّة للثوب أصلاً، فلو كان محموله نجساً لا يصحّ إسناد الطهارة إليه أيضاً.
هذا، مضافاً إلى أنّ العرف إذا اُلقي إليه هذا المعنى; وهو اعتبار الطهارة في الثوب، لا يفهم منه الاختصاص، وتكون خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظره.
هذا، وربما يدلّ على شمول الحكم للمحمول، الرواية الأخيرة الدالّة بمفهومها على ثبوت البأس إذا كان الشيء المصاحب للمصلّي ـ الذي لا تتمّ الصلاة فيه وحده ـ نجساً، ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ومتّصفاً بهذه الصفة، وأنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه، يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقي الذي يصلّي على شيء نجس، أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً، سيّما إذا كانا ساترين له.
بخلاف ما إذا كان ثوبه الذي يصلّي فيه متّصلا بما يكون نجساً، سيّما إذا لم يتحرّك بحركته، كما إذا تعمّم بطرف ثوب يكون طرفه الآخر الواقع على الأرض نجساً. وكما إذا كان لباسه طويلا في الغاية بحيث كان طوله ضعف طول بدنه، أو أزيد، أو أنقص مثلا; فإنّه لا يعدّ الشيء النجس ملابساً للمصلّي
(الصفحة 446)
في هاتين الصورتين ونظائرهما، بخلاف القسم الأوّل.
هذا، ولو قلنا بأنّ المعتبر في الصلاة طهارة البدن والثوب بما هو ثوب، أمكن القول بعدم البطلان فيه أيضاً، كما لا يخفى.
مسألة: قد عرفت(1) أنّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الإجماع، وتدلّ عليه الروايات الكثيرة، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده، وأمّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً، فالظاهر عدم اعتبار طهارته.
والنصوص(2) والفتاوى(3) متطابقتان على ذلك، وقد تقدّم بعض الروايات الدالّة عليه في صدر المبحث، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء; مثل القلنسوة، والتكّة، والجورب(4).
وما رواه أيضاً عن سعد، عن الحسن بن عليّ، عن عبدالله بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن أسباط، عن ابن أبي ليلى، عن زرارة قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت، فقال(عليه السلام): لا بأس(5).
- (1) في ص441.
- (2) وسائل الشيعة 3: 455ـ456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31.
- (3) الانتصار: 136; جواهر الفقه: 22; تذكرة الفقهاء 2: 481ـ482، مسألة 127; مختلف الشيعة 1: 484ـ485; ذكرى الشيعة 1: 138ـ139; مدارك الأحكام 2: 320ـ322; ذخيرة المعاد: 160; كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 62ـ63; مفتاح الكرامة 2: 122ـ123; مستند الشيعة 4: 281ـ284.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 358، ح482; وعنه وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، ب31، ح1.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 357، ح1480; وعنه وسائل الشيعة 3: 456، أبواب النجاسات، ب31، ح3.