(الصفحة 447)
هذا، ولكن يقع الكلام في أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة وحده، هل هو الشيء الذي لا يكون ساتراً للعورة ولو مع تغيّر هيئته وتبديل مكانه، أو الشيء الذي لا يكون ساتراً إذا لم تتغيّر هيئته ولو مع تبديل مكانه، أو ما يكون كذلك إذا لم تتغيّر هيئته، ولم يبدّل مكانه الذي جعل ذلك الشيء لباساً له؟ فعلى الأوّل: لا تكون العمّامة، بل الخفّ والجورب، بل التكّة في بعض الموارد، ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، مع أنّ الثلاثة الأخيرة مذكورة في الروايات المتقدّمة من جملة الأمثلة لذلك، والاُولى وإن لم تكن مذكورة فيها، إلاّ أنّها مذكورة في الرواية الواردة في الفقه الرضوي(1).
مضافاً إلى أنّ الصدوق أفتى فيها بعدم كون نجاستها مضرّة بصحّة الصلاة كسائر ما لا تتمّ(2)، فهذا الاحتمال في غاية البعد، ويدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين.
والأظهر هو الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة هو ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعليّة، ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له. وعليه: فيدخل القميص القصير الذي لا يستر العورة، كما هو المتداول بين الأعاجم فيما يعتبر طهارته.
وجه الأظهريّة ـ مضافاً إلى فهم المشهور ذلك ـ ما يستفاد من المرسلة المتقدّمة، حيث إنّها تدلّ بظاهرها على أنّ الخفّ على قسمين: قسم يستر العورة وتتمّ الصلاة فيه، وقسم لا يكون كذلك، ولوكان المراد ممّا لا يتمّ هو الاحتمال الثالث، لكان الخفّ منحصراً في القسم الثاني; إذ الظاهر أنّ الخفّ لا يستر أزيد
- (1) فقه الرضا(عليه السلام): 95; وعنه مستدرك الوسائل 3: 208، أبواب لباس المصلّي، ب14، ح3382.
- (2) الفقيه 1: 42، ذ ح167.
(الصفحة 448)
من الساق لو لم يبدّل مكانه، وأيضاً يلزم أن يكون المحمول ممّا لا تتمّ دائماً; إذ ليس شأنه أن يستر العورة مع كونه محمولا، وإلاّ لم يكن بمحمول، فالأظهر هو الاحتمال الثاني.
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ، بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحّة الصلاة، لا يختصّ بالثوب، بل يجري في المحمول أيضاً، بناءً على شمول الأدلّة الدالّة على اعتبار الطهارة له أيضاً، كما استظهرناه آنفاً، وجه عدم الاختصاص واضح لو استندنا في اعتبار طهارة المحمول إلى مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة; إذ جعل المحمول فيها مرادفاً للثوب، وفصّل في كليهما بين ما تتمّ وما لا تتمّ.
وأمّا لو استندنا في ذلك إلى ما يستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة; من أنّ ظاهرها باعتبار إسناد الإمام(عليه السلام) الطهارة إلى نفس المصلّي، أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو طهارة المصلّي، غاية الأمر أنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة الشخص. ومن المعلوم أنّ ذلك باعتبار ملابسته للمصلّي، وهو لا يختصّ بالثوب، بل يعمّ المحمول، أو استندنا إلى أنّ خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظر العرف، أو إلى أنّه تصدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً، كما يظهر من الشيخ(1)، فوجهه ـ أي وجه عدم الاختصاص ـ اتّحاد المناط; أي مناط شمول الحكم، وخروج بعض الأفراد عن تحته، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الحلّي في السرائر بعد أن اعتبر في صحّة الصلاة أن يكون ثوب المصلّي وبدنه طاهراً خالياً من النجاسات، وبعد ذهابه إلى أنّ ما لاتتمّ الصلاة فيه
- (1) الخلاف 1: 503، مسألة 244.
(الصفحة 449)
من جميع الملابس، وما يطلق عليه اسم الملبوس تجوز فيه الصلاة وإن كان عليه نجاسة قال:
وأمّا ما لا يكون ملبوساً ولا يطلق اسم الملبوس عليه، لا تجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة; لأنّه يكون حاملا للنجاسة، والأوّل خرج بالإجماع من الفرقة على ذلك(1). انتهى موضع الحاجة من كلامه.
ومراده بالأوّل: هو ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس الذي حكم بجواز الصلاة فيه وإن كانت عليه نجاسة، وظاهره اختصاص التفصيل بين ما لا تتمّ وغيره بخصوص الملابس، وكون اعتبار الطهارة في المحمول عامّاً غير مقيّد بما إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده.
وقد عرفت أنّه لا فرق بين الثوب والمحمول في اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا تتمّ، وعدم اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا لا تتمّ; لأنّ ما يدلّ على إخراج بعض أفراد الثوب يدلّ على تقييد الحكم في المحمول أيضاً.
هذا لو قلنا بأنّ المحمول على قسمين: قسم تتمّ الصلاة فيه وحده، وقسم لا يكون كذلك، بناءً على أنّ المراد بما لا تتمّ هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدّمة، كما استظهرناه.
وأمّا بناءً على أن يكون المراد هو الوجه الثالث; وهو أن يكون المراد الشيء الذي لا يستر العورة مع كونه باقياً على هيئته الفعليّة، ولم يبدّل موضعه الذي جعل لباساً له، فلا يكون المحمول على قسمين، بل يكون دائماً ممّا لا تتمّ مع بقائه على صفة المحموليّة، وحينئذ فيمكن القول بما ذهب إليه الحلّي،
(الصفحة 450)
كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الحكم ببطلان الصلاة فيما لم يكن ملبوساً للمصلّي ـ بل كان محمولا له، مع كون المأخوذ أوّلا في مقام بيان ما هو المعتبر في صحّة الصلاة، هي طهارة الثوب والبدن ممّا يدلّ على أنّ المراد بالثوب ليس ما يكون مقابلا للمحمول، بل المراد به كلّ ما يكون ملابساً للمصلّي ـ أعمّ ممّا يكون محيطاً به أو مستصحباً له، وهذا أيضاً ممّا يؤيّد ما استظهرناه سابقاً من اعتبار طهارة ا لمحمول، حيث يشعر بكون مراد الفقهاء من الثوب هو الأعمّ من المحمول كما هو غير خفيّ.
مسألة: لو شكّ في طهارة بدنه أو ثوبه أو غيرهما ممّا تعتبر طهارته في الصلاة، فإن كان منشأ الشك هو عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه ـ وبالجملة كانت الشبهة حكميّة ـ فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى. وإن كان منشؤه اشتباه الاُمور الخارجيّة، فإن كان مسبوقاً بالطهارة أو النجاسة فالمرجع هو استصحابهما.
وإن لم يكن كذلك فالمرجع هي قاعدة الطهارة، فإن صلّى مع استصحاب الطهارة أو قاعدتها، ولم ينكشف الخلاف إلى الأبد، فلا إشكال في صحّة صلاته وكونها هي المأمور به، لا أنّه يكون معذوراً في ترك الصلاة إذا كانت مع النجاسة واقعاً. وإن انكشف الخلاف، فتارة: يكون انكشاف الخلاف بعد الفراغ من الصلاة، واُخرى: في أثنائها.
أمّا الأوّل: فالظاهر عدموجوب الإعادة عليه;لقاعدة الإجزاءالمحقّقة في الاُصول(1)، وحاصلها: أنّ المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي، أو بالأمر الظاهري
- (1) نهاية الاُصول: 132ـ136.
(الصفحة 451)
يقتضي الإجزاء بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي; لأنّ الظاهر أنّ الاُصول العمليّة مثلا ناظرة إلى أنّ الصلاة الواقعة فيما يشكّ طهارته من الثوب والبدن مثلا هي الصلاة المأمور بها.
وبالجملة: تدلّ على توسعة المأمور به المقيّد بإحراز الطهارة، وأنّ مجرّد الشك في حصول القيد يكفي في تحقّق الامتثال المسقط للأمر، فيرجع إلى عدم كون الطهارة الواقعيّة معتبرة في حقّ الشاكّ فيها، وأنّ صلاته هي الصلاة الفاقدة للطهارة، وبها يكون مطيعاً للمولى، ممتثلا لأمره، ومن المعلوم أنّ الشك المأخوذ في مجراها ليس الشك الباقي إلى الأبد، حتى لو انكشف أحد الطرفين كشف ذلك عن عدم تحقّق موضوعها.
إذ بناءً عليه لا يكون الشاك الفعلي عالماً بتحقّق موضوعها حتى تجري في حقّه قاعدة الطهارة أو أصالتها مثلاً، والضرورة قاضية بخلاف ذلك، فإذا كان موضوعها مطلق الشك ولو تبدّل إلى اليقين بأحد الطرفين، وقد عرفت أنّ ظاهرها هو كون دائرة المأمور به غير مضيّقة بالعلم بوجود القيد مثلا، يظهر وجه اقتضائها للإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأمر الظاهري لا يكون أمراً في قبال الأمر الواقعي، بل مدلوله هو توسعة المأمور به، ولذا اعترضنا في الاُصول(1) عليهم، حيث إنّهم بعد تقسيم الأمر إلى الواقعي الأوّلي، والواقعي الثانوي والظاهري، يقولون إنّ اقتضاء المأمور به بكلّ أمر بالنسبة إلى أمره ممّا لا مجال للإشكال فيه.
ومحصّل الاعتراض: أنّ الأمر الواقعي الثانوي، وكذا الأمر الظاهري لا يكون
- (1) نهاية الاُصول: 138ـ141.