(الصفحة 510)
بالصلاة الواردة في تلك الأخبار إمّا الصلاة الصحيحة، وإمّا الفاسدة، والأوّل قد عرفت امتناع تحقّقها; لفقد شرطها، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة، أو من غيرها.
وعليه: فلو صلّى الرجل والمرأة بحذاء الآخر، وكانت صلاة أحدهما فاسدة لفقد الطهارة مثلا، تبطل صلاة الآخر بناءً على القول بالمنع، وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان الصلاة فقط، من دون أخذ قيد الصحّة حتّى يقال: الصحّة المطلقة ممتنعة، فوجب تقييدها بقيد لولا المحاذاة، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمّة، وقد عرفت امتناع تحقّقها في المقام، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعمّ; وهي صورة الصلاة; سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة، أو فاسدة كذلك أيضاً.
ومن هنا قد يخدش في الحكم بالتحريم في أصل المسألة; لأنّه بعد فرض امتناع أن يكون المراد هي الصلاة الصحيحة، فلابدّ أن يكون هي الفاسدة، ومن البعيد جعل الشارع إيّاها موجبة لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها، كما لا يخفى.
وتنظّر في الجواهر في هذا الكلام الذي حكاه عن جامع المقاصد; بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة بحذاء الآخر، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة، ومن المعلوم أنّ هذا يختصّ بما إذا وقعتا صحيحتين من غير جهة المحاذاة; لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة(1).
أقول: لا يخفى أنّ ما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف
- (1) جواهر الكلام 8: 518ـ519.
(الصفحة 511)
ما يستفاد من ظاهر الأخبار; لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر، ومعناه أنّهما لا تنعقدان معاً، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي، وكذا العكس، فهذه الأدلّة نظير سائر الأدلّة الدالّة على اعتبار وجود الشروط، أو عدم الموانع في الصلاة; لأنّ مقتضى كلّ منهما عدم انطباق عنوان الصلاة على الصلاة الفاقدة لبعض الشروط، أو الواجدة لبعض الموانع، ومنه يظهر الجواب عن كلام جامع المقاصد، فتدبّر.
ثمّ إنّه لو وجدت الصلاة منهما مقارنة لوجودها من الآخر، فالواجب كما عرفت الحكم ببطلانهما; لأنّه بعد فرض عدم إمكان اجتماعهما يحصل التزاحم بين علّتيهما; لأنّ المفروض أنّه لا يكون في البين ما يدلّ على التعيين، فلا يؤثّر واحد منهما في حصول معلوله.
وأمّا لو وجدت الصلاة من أحدهما واجدة لشرطها، وهو عدم المحاذاة مع الآخر، ثمّ شرع الآخر في الصلاة، فالظاهر بطلان صلاة المتأخّر فقط; لأنّه بعد وقوع الاُولى وتحقّقها يمتنع تحقّق الاُخرى; إذ هما متضادّتان، والاُخرى لا تصلح لأن تقاوم الاُولى; لأنّها بوجودها توجب بطلانها، وقد عرفت امتناع تحقّقها مع وجود الاُولى.
وهذا بخلاف ما إذا حدثت الصلاة من كلّ واحد منهما مقارنة لحدوثها من الآخر، أو تحقّقت المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما; فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث، وكذا للبقاء بما هو بقاء، مدخليّة في البطلان، بل المناط تحقّق الصلاة منهما، إلاّ انّك عرفت أنّه تتزاحم العلّتان في مقام الثبوت، وهو يوجب البطلان; فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما، كذلك تسري إلى علّتيهما، فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضادّ له،
(الصفحة 512)
بخلاف هذه الصورة; فإنّه قد تحقّقت علّة أحدهما بلا مزاحمة، والآخر يمتنع تحقّقه للمضادّة، فهي الفاسدة غير المفسدة.
هذا، ويمكن أن يقال ببطلان صلاة المتقدّم أيضاً، بتقريب أنّه إذا فرض أنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث; لما عرفت من شمولها لما إذا تحقّقت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما، فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو في بعض أجزاء الصلاة.
ففيما إذا حدثت الصلاة من أحدهما متقدّماً على الآخر، فالجزء المقارن لحدوثها من الآخر لا ترجيح بينه، وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحّة أو البطلان، والصحّة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع، فوجب أن لا يقع شيء منهما صحيحة.
هذا، ولكنّ الظاهر هو الأوّل; لما عرفت في وجهه.
بقي الكلام فيما يرتفع به الحرمة أو الكراهة; وهي اُمور:
الأوّل: وجود الحائل بينهما، ويدلّ عليه أكثر روايات محمّد بن مسلم، بناءً على أن يكون الشبر تصحيفاً للستر كما عرفت، ورواية محمّد بن عليّ الحلبي المتقدّمة، وبعض ما رواه عليّ بن جعفر ممّا تقدّم(1).
ومقتضى هذا البعض عدم الفرق بين كون الحائل مشبّكاً أو غيره، وبين كون الحائط قصيراً أو طويلا. نعم، ينبغي تقييده بما إذا لم يخرج عن صدق الحائط، ولو لم يكن حائلا في بعض حالات الصلاة.
نعم، لو حملت روايتي أبي بصير المتقدّمة(2) ـ الدالّة على اعتبار أن يكون
- (1) في ص496ـ498.
- (2) في ص500.
(الصفحة 513)
بينهما شبر أو ذراع ـ على وجود حائل بينهما بذلك المقدار بقرينة ذيلها، لكان الأمر أوسع، ولكنّه بعيد كما لا يخفى.
الثاني: تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة، وإليه ينظر كثير من الأخبار المفصّلة المتقدّمة، ولكن مقتضاها من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف، فمقتضى رواية جميل أن يكون سجودها مع ركوعه، وقد تقدّم(1) الاحتمالان في معنى هذا القيد.
ومقتضى بعض ما رواه محمّد بن مسلم اعتبار أن يكون بينهما شبر; بمعنى كون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار، وهو مطابق للاحتمال الأوّل المتقدّم في معنى رواية جميل; وهو أن يكون المراد بكون سجودها مع ركوعه كون رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع، وقد تقدّم(2) استظهار أن يكون الشبر تصحيفاً للستر.
ومقتضى بعض ما رواه زرارة كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره(3)، كما أنّ مقتضى بعضه الآخر بناءً على حمل الحذاء واليمين واليسار على العرفي منها، الشامل لتأخّر المرأة عن الرجل في الجملة أيضاً، كما يؤيّده الاستثناء الوارد في روايته الاُخرى، الدالّة على كفاية تقدّم الرجل ولو بصدره، كفاية تأخّر المرأة عن الرجل بمقدار موضع الرحل، أو قدر عظم الذراع، أو كان
بينه وبينها قدر ما لا يتخطّى(4).
- (1) في ص493ـ496.
- (2) في ص496.
- (3 ، 4) في ص499ـ500.
(الصفحة 514)
هذا، وقد تقدّم احتمال أن تكون الروايات محمولة على ظاهرها; وهو أن يكون المراد بالحذاء والحيال والقبال، الحقيقي منها، الآبي من الشمول لما إذا تأخّرت المرأة عن الرجل ولو بقليل، وقد تقدّم أيضاً الجمع بينها، وبين ما يدلّ على اعتبار أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانت متقدّمة على الرجل، أو محاذية منه عشرة أذرع، أو أكثر فراجع.
ومقتضى رواية عمّار المتقدّمة(1) كفاية كون المرأة خلف الرجل وإن كانت تصيب ثوبه، والمراد بكونها مصيبة ثوب الرجل، يحتمل أن يكون إصابة ثوب الرجل ولو في حال القيام، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، كما لا يخفى.
ويحتمل أن يكون المراد إصابة ثوبه في حال الجلوس أو السجود، المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض، وهذا الاحتمال أنسب بكون المرأة خلف الرجل المفروض في القضيّة الشرطيّة، بخلاف المعنى الأوّل.
هذا، والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة; بمعنى أنّ صدق التأخّر يوجب ارتفاع الكراهة أو الحرمة، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخّر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة، فالأولى بل الأحوط التأخّر بذلك المقدار الذي يرجع إلى كون مسجدها وراء موقفه.
الثالث: أن يكون بينهما عشرة أذرع، ويدلّ عليه الرواية الاُولى من روايات
عليّ بن جعفر المتقدّمة، وكذلك رواية عمّار(2)، والتعبير فيها بأكثر من عشرة
- (1) في ص501.
- (2) في ص497ـ501.