(الصفحة 53)
اللذين تعلّق كلّ واحد منهما بصلاة واحدة مشتملة على ركعتين، وهكذا.
وعلى الثاني: لا يحصل الامتثال إلاّ بالإتيان بالمجموع; لأنّه ليس في البين إلاّ أمر واحد متعلّق بالمجموع، وهو لا يقبل التجزئة من حيث الامتثال، كما هو واضح.
والذي يظهر من أخبار الباب(1)، هو كون المجموع المركّب من صلاتين أو أربع صلوات، نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابيّ واحد، وإن كانت بما هي صلوات متعدّدة. ولكنّ المستفاد من صاحب الجواهر هو الوجه الأوّل، الذي مرجعه إلى استقلال كلّ ركعتين في كونه مأموراً به، ونسب ذلك إلى العلاّمة الطباطبائي(2)، ولعلّه ذهب إليه في كتاب المصابيح; إذ لم نجد ذلك في كتاب الدرّة.
وكيف كان، فقد استدلّ على ذلك في الجواهر بوجوه أربعة:
منها: الأصل.
ومنها: تحقّق الفصل، وهو يقتضي التعدّد.
ومنها: عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها.
ومنها: أنّها مشروعة لتكميل الفرائض، فيكون لكلّ بعض منها قسط منه.
ولكنّها كلّها مخدوشة.
أمّا الأصل; فلأنّ اعتباره إنّما هو فيما إذا لم يكن في مقابله دليل اجتهاديّ، وقد عرفت أنّ المستفاد من ظواهر النصوص والفتاوى هو كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر واحد، فصلاة الليل المركّبة من أربع صلوات بما أنّها صلاة الليل نافلة واحدة لا تصدق على أربع ركعات منها، ولا يترتّب عليها الآثار إلاّ بعد الإتيان بمجموع الثمان، نظير صلاة جعفر(عليه السلام) على ما عرفت.
- (1) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.
- (2) جواهر الكلام 7: 54ـ55.
(الصفحة 54)
هذا، مضافاً إلى أنّه لا أصل في المسألة إلاّ استصحاب عدم الاشتراط الثابت قبل الشرع، والمدّعى هو ارتباط الأجزاء بعضها ببعض، والارتباط يغاير الاشتراط، بداهة أنّه ليس معنى الارتباط إلاّ مجرّد كون المجموع المركّب من الأجزاء متعلّقاً لأمر واحد وطلب فارد. غاية الأمر أنّ ذلك الأمر مع كونه واحداً حقيقة له أبعاض متعدّدة حسب تعدّد أبعاض متعلّقه، ويتعلّق كلّ بعض من الأمر ببعض المتعلّق كما حقّقناه في الاُصول(1)، وهذا لا ارتباط له باعتبار اشتراط بعض الأجزاء ببعض، كما هو واضح.
وأمّا الوجه الثاني: فيرد عليه: أنّ مقتضاه تعدّدها بما أنّها صلاة ومصداق لطبيعتها، لا بما أنّها نافلة الظهر مثلا، والأمر المتعلّق بها إنّما تعلّق بها بعنوانها الثانوي; من كونها نافلة الظهر أو العصر، أو صلاة الليل مثلا، ولم يتعلّق بها بما أنّها صلاة، كما لا يخفى.
وأمّا الوجه الثالث: ففيه: أنّ عدم وجوب الإكمال بالشروع وجواز الاقتصار على البعض لا يدلّ على انطباق عنوان المأمور به على غير الكامل أيضاً; لأنّه لامنافاة بين اعتبار الارتباط بين الأبعاض والحكم بعدم وجوب الإكمال وجواز رفع اليد عنه في الأثناء، ولا تكون هذه الإجازة دالّة على أنّ المأتيّ به ناقصاً مصداق لعنوان المأمور به، ومنطبق عليه لذلك العنوان، حتّى يترتّب عليه الآثار المترتّبة على المجموع.
وقد وقع نظير هذا الخلط من بعضهم في باب صلاة الجماعة، حيث استدلّ على جواز نيّة الانفراد في أثنائها بأنّ الجماعة لم تكن واجبة ابتداءً، وليس هنا ما يدلّ
(الصفحة 55)
على وجوب إدامتها، وعدم جواز رفع اليد عنها(1).
فإنّه يقال عليه: إنّ غاية ذلك هو جواز القطع في الأثناء بنيّة الانفراد. وأمّا كون مقتضى الجواز هو اتّصاف ما وقع منها قبل القطع بوصف الجماعة حتّى يترتّب عليه الآثار المترتّبة على صلاة الجماعة من سقوط القراءة ونحوه، فنحن نمنعه; لعدم الملازمة بينهما، كما هو غير خفيّ.
وأمّا الوجه الرابع: ففيه: أنّ تشريع النوافل لتكميل الفرائض لا يقتضي جواز التقسيط، بحيث كان كلّ قسط دخيلا في التكميل مستقلاًّ، وإلاّ لجاز الاقتصار على بعض صلاة واحدة أيضاً.
وانقدح ممّا ذكرنا أنّ الظاهر كون النوافل المركّبة من أزيد من صلاة واحدة، واحدة بعنوانها، ولم يتعلّق بها إلاّ أمر واحد; ويؤيّده التعبير في الروايات عن نافلة الظهر مثلا بأنّها ثمان ركعات(2)، لا أنّها أربع صلوات; فإنّ هذا التعبير يماثل التعبير عن فريضة الظهر بأنّها أربع ركعات بلا فرق بينهما، فكما أنّ المجموع المركّب من الأربع في الفريضة تعلّق به أمر وجوبيّ واحد، فكذا المجموع المركّب من الثمان في النافلة تعلّق به أمر استحبابيّ واحد، والفرق بينهما إنّما هو في وجوب الأمر واستحبابه، وكذا في جواز القطع وعدمه، وقد عرفت أنّ جواز القطع لا ينافي الارتباط.
ثم إنّه ذكر المحقّق الهمداني في المصباح أنّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين، وفي نافلة العصر على أربع ركعات; لدلالة بعض الأخبار عليه، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر; لما في غير
- (1) مختلف الشيعة 3: 74ـ75.
- (2) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.
(الصفحة 56)
واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين; من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر; فإنّ ظاهرها بشهادة السياق أنّ كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة، فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان، من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف.
وبهذا ظهر أنّه يجوز الإتيان بستّ ركعات أيضاً من نافلة العصر; لقوله(عليه السلام)في موثّقة سليمان بن خالد: صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وستّ ركعات بعد الظهر، وركعتان قبل العصر(1); فإنّ ظاهرها كون ستّ ركعات في حدِّ ذاتها نافلة مستقلّة.
وفي خبر عيسى بن عبدالله القمّي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلِّ ستّ ركعات(2).
هذا، واستظهر بعد ذلك من خبر حسين بن علوان المتقدّم(3) جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضاً على أربع ركعات، ثمّ أخذ في جواز التخطئ عمّا يستفاد من النصوص، ونقل كلام صاحب الجواهر(4) واستدلالاته، والمناقشة فيها، واستظهر في ذيل كلامه عدم الفرق بين النوافل، وجواز الاقتصار على البعض في الجميع(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 5، ح8; وعنه وسائل الشيعة 4: 51، أبواب أعداد الفرائض، ب13، ح16.
- (2) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 334، الرقم 610; وعنه وسائل الشيعة 4: ص62، أبواب أعداد الفرائض، ب14، ح8.
- (3) في ص51.
- (4) جواهر الكلام 7: 54ـ55.
- (5) مصباح الفقيه 9: 34ـ40.
(الصفحة 57)
أقول: يرد عليه أوّلا: ما عرفت من أنّ الروايات الدالّة على كون نافلة المغرب ركعتين، أو نافلة العصر أربعاً أو ركعتين، أو نافلة الزوال أربعاً، متروكة غير معمول بها بين الأصحاب رضوان الله عليهم بعد زمن الرضا(عليه السلام); فلا يجوز الاعتماد عليها في إثبات ما هو بصدده.
هذا، مضافاً إلى أنّه لو ثبت ذلك يجب الاقتصار فيها على موردها; أعني المغرب والعصر، ولا يجوز التعميم بالنسبة إلى نافلة الزوال أيضاً، بعدما عرفت(1)من أنّ الرواية الدالّة على ذلك ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ محمولة على التقيّة; لموافقتها لفتوى أبي حنيفة; فالحمل على اختلاف مراتب الاستحباب إنّما هو في غير نافلة الزوال، فتدبّر.
وثانياً: أنّ ما ذكره من جواز الاقتصار على الركعتين، أو الستّ ركعات في نافلة العصر مستنداً إلى ما ذكره من الروايات، ممنوع جدّاً; لوضوح أنّه لا منافاة بين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع، وبين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الافتراق، وقد عرفت ظهور الطائفة الاُولى في الارتباط بين الأجزاء وكون المجموع نافلة العصر، وهذا لا ينافي جواز التفريق في مقام العمل الذي يدلّ عليه الطائفة الثانية; فانّه لما كان من سيرتهم التفريق بين فريضتي الظهر والعصر، والإتيان بكلّ منهما في وقت فضيلته، كما هو المتداول الآن بين أهل السنّة، فلذا كانوا قد يأتون ببعض نافلة العصر أيضاً بعد الإتيان بفريضة الظهر.
وبالجملة: جواز التفريق والإتيان بالنافلة في وقتين أمر، والارتباط وكون المجموع من حيث هو مجموع نافلة واحدة مسمّـاة بنافلة العصر أمر آخر،